آخر الأخبار

خطة ترامب مشوهة حتى في نظر إسرائيليين

شارك

ما إن أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب العنان للسانه حتى دخلت حلبة الصراع العربي الإسرائيلي مفاهيم ومصطلحات جديدة قديمة، أهمها خطة ترحيل سكان قطاع غزة وتعابير الجحيم المقبل.

ورغم أن هذه التعابير أبهجت قلوب وأسماع اليمين المتطرف في إسرائيل لأنها ذكرته بترانسفير الحاخام مئير كهانا وأطروحات الجنرال رحبعام زئيفي، فإنها أثارت قلق كثيرين لكونها إما غير واقعية وإما أنها تزعزع أركان المنطقة.

ومع ذلك وجدت حكومة نتنياهو نفسها في سباق مع الزمن للإفادة من هذه التعابير، وتحويل بعضها إلى خطة عمل. وهذا ما حاول فعله وزير الحرب المتطرف إسرائيل كاتس، الذي أعلن عن تكليف الجيش بمهمة تشكيل إدارة لتنفيذ خطة "الترحيل الطوعي" للفلسطينيين من غزة.

وواضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن ترامب استغل الأسابيع الثلاثة الأولى من رئاسته لإطلاق أفكار صدمت العالم بأسره لأنها لم تستند إلى وقائع ودراسات بقدر ما استندت إلى أهواء ونزعات. وحدث هذا في ما يتعلق بأوروبا وكندا والصين وأميركا اللاتينية.

وحسب محليين سياسيين، فإن ترامب أطلق سلسلة لا نهاية لها من الكرات المتدحرجة التي لا يرى أحد أن بوسعه ملاحقتها بشكل متوازن. بل إن بعضهم رأى أن مفاهيم وتعابير ترامب ليست مشتقة من عالم السياسة وإنما من عالم المياه والطوفانات. وقال هؤلاء إن أسلوب ترامب أقرب إلى استخدام الطوفان لما فيه من تأثير نفسي يشل حركة من يحاول إيقافه.

إعلان

وهذا ما يلمسه العالم من كثرة العناوين الرئيسية الصادرة عن البيت الأبيض والتي تحتل الصدارة في وسائل الإعلام العالمية، وفي مقدمتها العناوين المتصلة بغزة. فمثل هذه العناوين في الغالب تشل الأصدقاء وتربك الخصوم، ويصعب على العاقل قراءة دوافعها ومدى جديتها.

وكان نتنياهو أول المستفيدين من هذا المنهج عند استقباله كأول زعيم أجنبي في البيت الأبيض. إذ ربما لم يخطر ببال نتنياهو أن ترامب بمشاريعه وأقواله ينقل الصراع العربي الإسرائيلي إلى فضاء لم يسبق أن بلغه، وأن ذلك يزعزع كل عوامل الاستقرار في الشرق الأوسط.

فخطة ترامب لترحيل الفلسطينيين كشفت للعالم بأسره عمق هذه الرغبة ليس في قلب اليمين وحسب، وإنما في صفوف الجمهور الإسرائيلي برمته. فالاستطلاع الذي نشرته القناة 12 بعد أيام من عرض الفكرة أظهر أن 69% من الإسرائيليين يؤيدون خطة ترامب.

وهذا يعني فعليا أن خطة ترامب أنهت عقودا من إنكار إسرائيل سعيها للطرد الجماعي للفلسطينيين، في الماضي من مناطق 48 واليوم من غزة وغدا من الضفة الغربية وبعدها من داخل إسرائيل نفسها. وطبيعي أن هذا ليس أبدا تفكيرا خارج الصندوق وإنما تفكير خارج العقل أصلا.

مصدر الصورة لقطة لحملة تهجير الفلسطينيين من قراهم خلال نكبة عام 1948 (مواقع التواصل الاجتماعي)

والواقع أن خطة ترامب أثارت حنق كل من يعتبر عاقلا في إسرائيل لأنها في نظرهم -عدا كونها جريمة حرب في نظر القانون الدولي- وصفة لتوحيد الصف العربي ضد إسرائيل. كما أنها مقدمة لصراع ليس هناك أفق البتة لإيقافه على المدى البعيد.

وقد حذر من عواقب الخطة رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الجنرال شلومي بيندر، مما أثار ضجة في الحلبة السياسية. ورغم أن التحذير من مهام رئيس الاستخبارات العسكرية، فإن وزير الحرب كاتس حذر ضباط الجيش من التحدث ضد الخطة "العظيمة التي عرضها الرئيس الأميركي ترامب".

إعلان

ومع ذلك حاول نتنياهو تلطيف خطة ترامب بأن أعلنها خطة للترحيل الطوعي. إذ قال في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى في الولايات المتحدة إن "الرئيس ترامب قدّم رؤية جديدة جريئة والخطة الوحيدة التي أعتقد أنها يمكن أن تنجح في تمكين مستقبل مختلف لشعب غزة ولشعب إسرائيل، وللمناطق المحيطة بها. لماذا لا نمنح شعب غزة خيارا؟ الجميع قال إنها أكبر سجن مفتوح في العالم؟ ليس بسببنا. نحن نسمح للناس بالمغادرة. (..) ليس الترحيل القسري، وليس التطهير العرقي. في الحروب يغادر الناس".

واضحٌ أن تهديدات ترامب ومطالباته بالاستيلاء على غزة وتهجير شعبها وإنشاء "ريفيرا" باتت قضية بالغة السخونة في إسرائيل وهي تمس في ترجمتها التطبيق النهائي لاتفاق وقف النار بمرحلتيه الأولى والثانية. وثمة في إسرائيل من باتوا يعتقدون أن تلكؤ حكومة نتنياهو في إنجاز الاتفاق يدفع إدارة ترامب لاتخاذ قرارات بهذا الشأن بدلا عنها.

صحيح أن هناك من يعتقد أن ترامب، عبر وكيله الحصري ستيف ويتكوف، صار يتخذ القرارات، وأن نتنياهو وحكومته باتوا من ينفذون القرارات. وهذا ما حدث في كل ما يتعلق بإبرام الاتفاق أصلا وبتنفيذ مرحلته الأولى وببدء التفاوض على المرحلة الثانية. وكل ذلك يجري في ظل إطار خطة ترامب ترحيل الفلسطينيين.

مصدر الصورة يسود انطباع في إسرائيل بأن ويتكوف يتخذ القرارات وأن نتنياهو وحكومته ينفذانها (الفرنسية)

وهذا ما حدا ببعض المعلقين الإسرائيليين للقول بأن خطة ترامب ليست أكثر من ستار دخاني، انطلاقا من رؤيتهم بأن إسرائيل فشلت إستراتيجيا وإن نجحت تكتيكيا. ويرى هؤلاء أن اللعب بعصا التهدئة (الهجرة الطوعية لسكان غزة وفق خطة ترمب) قد يتبين أنه ستار دخاني آخر للفشل العسكري السياسي للحرب: فإسرائيل لم تطح بنظام حماس عسكريا ومدنيا، كما حددت الحكومة ذلك هدفا رسميا، لكنها تقترب من تحقيق الهدف الأكثر إلحاحا وتواضعا من الأهداف، وهو عودة الأسرى في الصفقة مع حماس إذا تم تنفيذ المرحلة الثانية بالفعل.

وقبل أيام رأت افتتاحية "هآرتس" أن خطة ترامب ليست أكثر من مشروع مشوّه من كل الزوايا المحتملة. وقالت إن "التفكير في أن يفرغ الجيش الإسرائيلي قطاع غزة من مليونين من سكانه، ينقلهم إلى مصر، وإلى الأردن وإلى بضع دول أخرى، ويقدم القطاع إلى الولايات المتحدة نقية من الناس كساحة كبرى للبناء كي تبنى فيها "ريفيرا" أميركية للشرق الأوسط، هو تفكير لا أساس له. ما ليس كذلك هو الاحتمال الخطير الكامن في الخطة لتخريب اتفاقات السلام لدولة إسرائيل مع مصر والأردن".

وحذر الجنرال عاموس جلعاد الذي تولى لمدة طويلة مسؤولية الجانب السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية وكتب في "يديعوت" أنه "من المهم التجرؤ على القول: لا يوجد أي احتمال بأن تنجح خطة ترامب، كون مصر والأردن تريان في القضية الفلسطينية خطرا من الدرجة الأولى على أمنها القومي".

إعلان

وأضاف أن "المملكة الأردنية الهاشمية، التي تشكل لإسرائيل عمقا إستراتيجيا ومجال أمن حيويا، غير مستعدة بأي شكل من الأشكال لأن تستوعب فلسطينيين، خاصة أولئك الذين يعود أصلهم إلى غزة. في نظر الأردن، فإن خططا من هذا النوع لترامب هي جزء من مؤامرة لإقامة دولة فلسطينية بديلة على حسابها".

ورأى أن المصريين من جهتهم "على مدى كل السنين منذ التوقيع على اتفاق السلام، يرون في القضية الفلسطينية مسألة مركزية وغير مستعدين بأي حال لاستيعاب فلسطينيين من غزة، وبالتأكيد عدم فعل ذلك من خلال خطة ترامب التي تسعى إلى إفراغ غزة من سكانها. قد يكون هذا حلما رائعا لكنه لن يتحقق، حتى لو عرضت على مصر مبالغ مالية كبيرة على سبيل الإقناع".

مصدر الصورة عاموس جلعاد: إفراغ غزة حلم لن يتحقق (الجزيرة)

كما أن ناحوم بارنيع، وهو كبير معلقي "يديعوت أحرونوت" وبعد أن عدد مثالب خطة ترامب، كتب أن "رؤية سموتريتش نعرفها: حرب مع العالم العربي والإسلامي، بمعونة الرب وبإسناد أميركا، تبيد فيها إسرائيل كل أعدائها وتحظى بمجيء المسيح وإقامة مملكته. رؤية ترامب متبلورة أقل. هو يستمد إلهامه من معارك قديمة لرعاة البقر ضد الهنود الحمر. البيض محقون ومنتصرون، الحمر أشرار ومهزومون.

في النهاية يتوطن المتبقون في محميات ويسمح لهم بنيل الرزق من الكازينوهات. لكن القرن الـ21 ليس القرن الـ19، الفلسطينيون ليسوا هنودا حمرا، والشرق الأوسط ليس الغرب القديم، هو قنبلة نووية موقوتة. بدلا من مساعدة نتنياهو على الاستقرار على أرض الواقع، ترامب يدفعه إلى الحد الأقصى".

ويخلص إلى أن "ترامب يمكنه أن يغير رأيه: أن يفرض فجأة على نتنياهو أن يوافق على المرحلة الثانية في اتفاق الأسرى ويمنعه من استئناف القتال،… بالنسبة له الشرق الأوسط هو حقل تجارب؛ بالنسبة لنا هو حياة وموت: هذا كل الفرق".

إعلان

وفي رسالة حادة وجهها رئيس حركة "القادة من أجل أمن إسرائيل" الجنرال (احتياط) ماتان فيلنائي إلى الحكومة والجمهور، حذر من "عدم المسؤولية والتهور باستئناف الحرب" دون هدف إستراتيجي واضح. ووفقا لرسالته، فإن استمرار القتال سيؤدي إلى قتل الأسرى، وإرهاق الجيش الإسرائيلي، واحتلال دموي للقطاع بلا مخرج.

وفي الرسالة التي وقع عليها أيضا أكثر من 550 من كبار الأمنيين السابقين، ورد تحذير شديد اللهجة "إن استئناف الحرب من شأنه أن يؤدي إلى مقتل الرهائن، وإلى استمرار استنزاف الجيش الإسرائيلي على حساب الخسائر البشرية، وسوف يؤدي إلى احتلال دموي مستمر بلا نهاية في الأفق، وإلى خسارة فرص إقليمية غير مسبوقة".

وبحسب فيلنائي، فإن الحكومة الإسرائيلية تعمل ضد إرادة الشعب وتستسلم لمطالب أقلية متطرفة، في حين تعمل على تعزيز أجندة "ضم الأراضي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وإدامة الاحتلال في غزة، وتعميق الصراعات العسكرية".

ويحذر فيلنائي من أن السياسة الحالية تقود إسرائيل "إلى احتلال دموي في القطاع، وكابوس أمني في الضفة الغربية، وعزلة إقليمية -بما في ذلك الدول المحبة للسلام- ودولية، وإرسال احتمالات تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية إلى مقبرة الفرص الضائعة".

مصدر الصورة حركة القادة من أجل أمن إسرائيل حذرت من أن استئناف الحرب سيتنزف الجيش (أسوشيتد برس)

وذكّر آخرون بمآل مشاريع سابقة قبل ظهور نتنياهو وبن غفير. فرئيس حكومة إسرائيل الأسبق ليفي أشكول أيضا دشن مشروعا متكاملا لترحيل الفلسطينيين بعد احتلال القطاع في 1967. في حينه كان يوجد هناك 350 ألف فلسطيني تقريبا، الآن العدد ازداد بستة أضعاف تقريبا، أكثر من نصفهم هم أحفاد اللاجئين من النكبة الأولى.

عموما لم يبق في الساحة إلا سموتريتش الذي يدعو صبح مساء إلى احتلال غزة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها من جهة، ووزير الحرب يسرائيل كاتس الذي أعلن تشكيل دائرة في الجيش لتنفيذ أوسع عملية ترحيل "طوعي".

إعلان

ومثل هذا الإعلان يؤكد أن الترانسفير غدا سياسة حكومية رسمية، وأن مقاول التنفيذ هو الجيش الذي بيده إدخال أو منع المساعدات عن قطاع غزة، مما يعني تكثيف الضغط مستقبلا لجعل الحياة في غزة أمرا لا يطاق. لكن من يعرف ما مر على أهل قطاع غزة منذ النكبة عام 1948 وحتى الآن يصعب عليه تخيل فرص نجاح المشروع الجديد.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا