في يناير/كانون الثاني من العام 2021، لم تكن "سلمى الشهاب" وهي أمّ لطفلين وناشطة سعودية في مجال حقوق الإنسان، تعلم أن الإجازة التي اختارت أن تمضيها في المملكة العربية السعودية ستتحوّل إلى كابوس.
فسلمى التي كانت تدرس الدكتوراة في مجال طبّ الأسنان في المملكة المتحدة، أوقفت من قبل السلطات السعودية بسبب تغريدات تتعلق بالدفاع عن حقوق النساء في المملكة، وأخرى طالبت فيها بالإصلاح والإفراج عن معتقلي الرأي، وفق ما تقول منظمات حقوقية.
"جريمتها لم تكن أكثر من نشر تغريدات لدعم حقوق المرأة"، هكذا وصّفت منظمة العفو الدولية قضيتها في تقرير صدر في عام 2022.
وحُكم على سلمى الشهاب بداية بالسجن ست سنوات، ثلاثٌ منها مع وقف التنفيذ، قبل أنّ تقرر محكمة الاستئناف في أغسطس/آب 2022 تغليظ العقوبة، وحكمت عليها بالسجن 34 عاماً.
لكن العقوبة خُفِّضَت لاحقاً إلى السجن لمدة 27 عاماً، ثم إلى أربع سنوات في سبتمبر/أيلول الماضي مع منعها من السفر لمدة مماثلة.
اليوم وبعد أكثر من أربع سنوات على سَجنِها، أكدت منظمات حقوقية عدة أن السلطات السعودية أفرجت عن سلمى، وأشارت إلى أنه كان يجب أن يُطلق سراحها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
خبر الإفراج عن سلمى الشهاب تبعته تأكيدات من منظمات حقوقية أنه وضمن حملة الإفراجات، أطلق سراح عدد من الناشطين أيضاً، من بينهم الممرضة زينب آل ربيع من سجن المباحث بالدمام التي اعتقلت في يونيو/حزيران 2022، وعن منصور الرقيبة الذي اعتقل في مايو/ أيار 2022، والدكتور علي حسن الألمعي بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف من الاعتقال.
وأشارت مؤسسة "القسط" لحقوق الإنسان إلى أن سلمى الشهاب وُضِعَت لما يقارب العشرة أشهر في الحبس الانفرادي والاستجواب المطوّل قبل مثولها أمام المحكمة الجزائيّة المتخصّصة، وهي المحكمة السعوديّة التي تنظر في قضايا الإرهاب.
وتضيف المؤسسة أنه وبعد ما وصفتها بـ"محاكمة جائرة بشكلٍ صارخ"، أُدينت الشهاب وحُكم عليها بتهم تتعلق بالإرهاب لمجرّد نشاطها السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك متابعة وإعادة نشر تغريدات على منصة "إكس" لدعم الناشطات في مجال حقوق المرأة في السعودية.
تقول رئيسة قسم الرصد والمناصرة في "القسط" لينا الهذلول في حديث لبي بي سي عربي، إنه على الرغم من ما وصفتها بكل المحاولات لإسكات الناشطين، إلا أن خطوة الإفراج عن الشهاب أثبتت أن السلطات السعودية لن تتراجع إلا بضغوط عالمية وعلنية، ولو أن قضيتها كانت مجهولة ولم يطالب أحد بالإفراج عنها، لبقيت في السجون، على حد تعبيرها.
فالقضية كما تقول الهذلول، "شكّلت إحراجاً للمملكة التي تريد أن تنفتح على العالم الغربي والسياحة، ومع قضايا مماثلة تشوهت سمعتها فاضطرت لإغلاق الموضوع".
بينما طالبت رئيسة قسم الرصد والمناصرة في مؤسسة "القسط" برفع القيود المفروضة على الشهاب حتى تستطيع السفر لاستكمال دراستها في جامعة ليدز البريطانية. كما طالبت بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي، والسماح للمنظمات الحقوقية بزيارة الموقوفين والدخول إلى المحاكم لمتابعة القضايا عن قرب.
أما الباحثة المعنية بشؤون الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية دانة أحمد، فتقول في حديث لبي بي سي نيوز عربي إنه "طال انتظار خروج سلمى الشهاب من السجن، ولم يكن من المفترض أن تُسجن في المقام الأول أو أن تخضع لأحكام قضائية ظالمة تقضي بسجنها لعقود طويلة".
وتضيف أحمد أن هناك العديد من الأشخاص مثل سلمى خلف القضبان "ظلماً" في السعودية، موضحة أن هذه فرصة للمنظمات الحقوقية لمطالبة السلطات السعودية بالإفراج عنهم.
وبحسب منظمة العفو الدولية، يقضي العديد من الناشطين أحكاماً طويلة بالسجن في السعودية بسبب أنشطتهم على الإنترنت، ويشمل ذلك نساء أخريات مثل مناهل العتيبي ونورة القحطاني، المسجونتين بسبب تعبيرهما عن دعمهما لحقوق المرأة، وكذلك عبد الرحمن السدحان الذي سُجن لمدة 20 عامًا بسبب تغريدات ساخرة.
وتقول مؤسسة "القسط" إن سلمى الشهاب تعرضت لسلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان، حسب تعبيرها، بما في ذلك الحبس الانفرادي، والقيود المفروضة على حقها في الاستعانة بمحامٍ.
إلى جانب ذلك، أدى السجن إلى فصل الشهاب عن طفليها وعرقلة مسيرتها الأكاديمية، بحيث أصرت سلطات السجن على أن الزيارات العائلية لا يُمكن أن تتم إلا باستخدام حاجز زجاجي، الأمر الذي شكل تحدياً كبيراً لطفليها اللذين يعانيان من طيف التوحد، بحسب المؤسسة.
ونتيجةً لذلك، اضطرت الشهاب إلى اتخاذ قرار بالتخلي عن رؤية طفليها طوال فترة وجودها في السجن.
وتُعتبر أحكام السَجن التي صدرت بحق عدد كبير من المعارضين والناشطين في المملكة العربية السعودية بموجب قانون مكافحة الإرهاب، مسألة حساسة، خصوصاً مع تبني ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سياسة إصلاحية اجتماعية.
ومنذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أفرجت السلطات السعودية عن عدد كبير من السجناء، أبرزهم محمد القحطاني أحد مؤسّسي الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية التي حُلّت في العام 2013، بعد أكثر من سنتين من انتهاء محكوميته لعشر سنوات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
كما أفرجت السلطات عن الأكاديمي مالك الأحمد والداعية محمد الهبدان اللذين أوقفا في سبتمبر/ أيلول 2017.
وتتحدث منظمات حقوق الإنسان عن مواجهة هؤلاء قيوداً شديدة وتحديداً في ما يخص حظر السفر، الأمر الذي يمنع الكثير منهم من الالتحاق بعائلاتهم في الخارج.
ويأتي الإفراج عن الناشطين في وقت تعمل السعودية على إصلاحات عدة في مجالات مختلفة، إذ يتوقع مراقبون أن تشهد المملكة تغييرات جذرية لاسيما في مجال حقوق الإنسان بالتزامن مع تحضيراتها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034.