في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تُقدِّم الصحفية الاستقصائية الفلبينية شيلا كورنيل في مقال لها على مجلة فورين أفيرز نظرة على إحدى أبشع الجرائم للجيش الأميركي في الفلبين بحق شعب المورو المسلم عند سفح بركان بود داجو عام 1906، بناء على المعلومات التي أوردها المؤرخ البريطاني الدنماركي كيم فاغنر في كتابه "مذبحة بين السحب" (Massacre in the clouds).
خلال تلك المجزرة، قتل الجيش الأميركي أكثر من ألف شخص أغلبهم من النساء والأطفال، بذريعة قمع التمرد، وجلب الاستقرار لمستعمرتهم في الفلبين.
وحتى اليوم، تعيش الفلبين أصداء هذه المذبحة التي كانت البداية لسلسلة أحداث تاريخية حولت المورويين إلى أقلية في أراضي أجدادهم. وبالكاد حدثت انفراجة في هذا الملف عام 2014 حين وقَّعت الحكومة الفلبينية اتفاق سلام مع جبهة تحرير مورو الإسلامية، معترفةً لأول مرة "بالمظالم والمطالبات المشروعة" لشعب المورو، وممهِّدةً طريقهم للحكم الذاتي.
وفي عام 2019، بدأ أعضاء سابقون في الجبهة في حكم منطقة بانجسامورو الجديدة في وسط مينداناو، المعقل التاريخي لشعب المورو، على أن تُجرى أول انتخابات في المنطقة الجديدة في مايو/أيار 2025، التي سوف تكون حاسمة لاستقرار الفلبين بعد عقود طويلة من الإرث الاستعماري.
خلال أسبوع قائظ في شهر مارس/آذار 1906، صعد الجنود الأميركيون إلى بود داجو، وهو بركان يبلغ ارتفاعه 2000 قدم يقع في جزيرة جولو جنوب الفلبين.
في ذلك الوقت، كانت الفلبين تحكمها الولايات المتحدة، وكان اللواء ليونارد وود، الحاكم الأميركي والقائد العسكري للمقاطعة، قد أمر قواته بالاستيلاء على عدد من المعسكرات المحصنة فوق الجبل البركاني وتدميرها، وهي معسكرات تابعة لشعب المورو المسلم، أو مَن يُعرفون باسم "المورويين"، أولئك الذين أُجبروا على الفرار من قُراهم في جولو، وهي إحدى الجزر التابعة لمينداناو الموطن التقليدي لشعب المورو، بعد أن تولى الجيش الأميركي السيطرة على المنطقة عام 1899.
راهن وود، وهو جراح سابق في الجيش تلقى تعليمه في جامعة هارفارد، بمسيرته المهنية وسمعته، على إخضاع شعب المورو، وتحول "إحلال السلام" في الإقليم إلى مسألة فخر شخصي بالنسبة إليه. ولتحقيق ذلك، قصفت القوات الأميركية مكان البركان بالمدفعية، مستهدفةً الفوهة التي استقرت حولها مئات الأسر، وأعطى القادة الأميركيون أوامر لجنودهم بإطلاق النار على "كل ما يتحرك".
في مواجهة ذلك، استبسل المورويون بكل قوتهم وقاتلوا بكل ما استطاعوا جمعه من الأسلحة، والمدافع العتيقة، والبنادق القديمة، والرماح، والسكاكين، وقذائف محار البحر المملوءة بالبارود، ومع تناقص ذخيرتهم، ألقى بعضهم بأجسادهم العارية على المهاجمين.
ورغم ذلك كله، كانت فرصتهم في تحقيق النصر ضئيلة، و"مع نهاية المعركة كانت قمة الجبل بأكملها مغطاة بالجثث"، كما كتب الكابتن إدوارد لوتون، قائد أحد الأرتال التابعة لفوج المشاة التاسع عشر الذي كان يقاتل على الجانب الشرقي للبركان.
وذكر لوتون أن جثث المورويين القتلى كانت "ممتلئة بالجراح من كل نوع"، وأنه رأى "جذوعا مقطوعة الرؤوس وممزقة الأوصال"، وعاين "جماجم مسحوقة وأمخاخا متناثرة في كل مكان". أما المشهد الأكثر إيلاما -وفق لوتون- فهو مشهد الأطفال الصغار المثخنة أجسادهم بالجراح وهم يتلمَّسون طريقهم وسط حشود القتلى بحثا عن "أثداء أمهاتهم".
في كتابه "مذبحة بين السحب" يقدم المؤرخ كيم فاغنر رواية حية للأحداث التي أدت إلى المذبحة الدامية في بود داجو، فضلا عن وقائع المذبحة نفسها وما تلاها، استنادا إلى المحفوظات الاستعمارية التي تروي تفاصيل الحكاية المروعة. ويقتبس فاغنر من رسائل كتبها جنود أميركيون تصف الحرارة الخانقة، ورائحة الدم، ومعاركهم التي لا هوادة فيها، حيث أطلقوا النار "على كل ما طالته أياديهم، بغض النظر عن العمر أو الجنس"، كما كتب أحد الجنود الشباب في رسالة إلى والدته.
وفي خضم سرده لجريمة الحرب هذه، يؤكد فاغنر أن المذبحة التي طالت 1000 رجل وامرأة وطفل في بود داجو على يد القوات الأميركية لم تكن استثناء، فرغم أن عدد القتلى في ذلك الأسبوع كان مرتفعا أكثر من العادة، فكل ما فعلته المذبحة هو أن كشفت السمات المعتادة للنظام الأميركي.
تُشكِّل هذه المذبحة جزءا من تاريخ وحشي من الفظائع التي ارتكبتها الولايات المتحدة، وتشمل المذابح التي وقعت في ووندد ني في ساوث داكوتا عام 1890، حيث قتل جنود الولايات المتحدة أكثر من 150 من السكان الأصليين الأميركيين، وفي ماي لاي في جنوب فيتنام عام 1968، حيث قتل الجنود الأميركيون أكثر من 350 مدنيا فيتناميا. ووفقا لرواية فاغنر، أسست بود داجو أيضا نموذجا لجرائم الحرب الأميركية المستقبلية الذي يتسلسل من الانتهاكات الجسيمة إلى التحقيقات السريعة، ثم التستر فالإفلات من العقاب، وأخيرا محو آثار الجريمة بلا رجعة.
لكن بود داجو تتميز عن غيرها من الجرائم الأميركية بأن أصداءها لا تزال تتردد في الفلبين إلى اليوم. ولا يزال الحدث محفورا بعمق في ذاكرة شعب المورو، وتُمرر قصته من جيل إلى جيل من الملاحم الغنائية التقليدية المعروفة بـ"الكيسا". أكثر من ذلك، لا يزال الحدث يُذكي توترات متجددة بين المورو والدولة الفلبينية، حيث يعاني جنوب البلاد، بما في ذلك مينداناو، من عنف المتطرفين والقمع الحكومي القاسي دوريا.
وعلى نطاق أوسع، لم يحرر استقلال الفلبين عام 1946 البلاد من إرث العنف الاستعماري، بل على العكس من ذلك، اعتنقت الدولة الفلبينية ما بعد الاستعمار العديد من ممارسات ومؤسسات أسلافها الاستعماريين.
يعتمد فاغنر، وهو باحث في شؤون الهند الاستعمارية والإمبراطورية البريطانية، على معرفته العميقة بالإمبريالية البريطانية لاستكشاف نظيرتها الأميركية، مشيرا إلى أن سلوك الأميركيين في بود داجو متجذر في الدروس التي تعلموها من المستعمرين البريطانيين الذين طالما رأوا رعاياهم متوحشين لا يستجيبون إلا للعنف، ضاربا المثال بمذبحة أمريتسار التي قتلت فيها القوات البريطانية مئات المحتجين الهنود عام 1919.
ووفقا لدليل عام 1896 حول "الحرب الاستعمارية" من تأليف الضابط البريطاني سي إي كالويل، حقَّق البريطانيون الهيمنة من خلال "ترويع العدو" عبر تقديم عرض للقوة الساحقة تتبعه أفعال خاطفة وشنيعة لا ترحم.
بحلول الوقت الذي استولت فيه الولايات المتحدة على الفلبين من إسبانيا عام 1898، كانت واشنطن أخضعت بالفعل "الغرب القديم أو المتوحش" في أميركا الشمالية من خلال إبادة السكان الأصليين عن طريق المذابح والأمراض، وساعتها، ظهرت الفلبين بوصفها حدودا جديدة وصحراء أخرى لغزوها.
وخلال اجتماع في البيت الأبيض عام 1899، قال الرئيس الأميركي ويليام ماكينلي إن الفلبين كانت "هدية من الآلهة سقطت في أحضاننا"، ولم يتبق لنا "شيء نفعله سوى أخذها كلها، وتعليم الفلبينيين، ورفع مستواهم وتمدينهم، ثم تنصيرهم (أي إجبارهم على اعتناق المسيحية)".
بالنسبة للمستعمرين التوسعيين الأميركيين، كان غزو الفلبين استمرارا لتوسع أميركا نحو الغرب، واستكمالا لمهمتها الحضارية والديمقراطية. ولكن مثلها مثل سائر القوى الإمبريالية الأخرى، اعتقدت السلطات الأميركية أن معاملتها للأشخاص الذين اعتبرتهم غير متحضرين كانت مستثناة من جميع قواعد الحرب المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية.
ويزعم فاغنر أن الانتهاكات الأميركية في الفلبين كانت مماثلة في وحشيتها للمذابح المعاصرة التي ارتكبتها قوى استعمارية أخرى مثل البريطانيين في جنوب أفريقيا، والهولنديين في بالي، والألمان في جنوب غرب أفريقيا.
ولكن ذلك النوع من الفظائع التي ارتُكبت في بود داجو يمكن اعتبارها بالكاد من المخلفات البائدة للعصر الإمبريالي. ففي عام 2005، قتلت قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز" 24 مدنيا عراقيا في مدينة حديثة، 260 كيلومترا غربي العاصمة بغداد، بمَن في ذلك طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات وشيخ مسن تجاوز عمره 76 عاما، وذلك انتقاما لمقتل جندي واحد من المارينز.
وكما أشار بودكاست "في الظلام" (In the Dark) الذي بثته مجلة "نيويوركر" مؤخرا، فإن مذبحة حديثة كانت واحدة من 781 جريمة حرب محتملة ارتكبتها القوات الأميركية في العراق وأفغانستان خلال "الحرب على الإرهاب". وقد أسقط المحققون أكثر من نصف هذه القضايا، وحتى تلك القضايا التي أُحيلت للمحاكمة كانت "محدودة النطاق".
خلال حرب العراق، "كان الجنود يعودون إلى الولايات المتحدة ويعترفون لنسائهم وللعاملين في مجال الرعاية الصحية ومقابلات العمل بأنهم قتلوا مدنيين أو سجناء"، كما كتب باركر ييسكو، مراسل برنامج "في الظلام"، "لكنَّ المحققين العسكريين غالبا ما وجدوا أن الادعاءات لا يمكن إثباتها".
قبل مئة عام، ظهر النمط نفسه بعد مذبحة بود داجو، بعدما أخبر الجنود العائدون الصحافيين عن المذبحة، وكتب بعضهم عنها في رسائل نُشر بعضها في الصحف المحلية. وأخبر الضباط القادة المحققين العسكريين عن المذبحة، كما بيعت بطاقات بريدية تُظهر خندقا مليئا بمئات جثث المورو بوصفها تذكارات في شوارع جولو. ولكن السلطات المدنية والعسكرية خلصت إلى أن العنف كان لا مفر منه، وصدَّقت طوعا الكذبة القائلة إن نساء وأطفال المورو قاتلوا بشراسة مثل الرجال.
وفي النهاية، لم يُعاقب أي جندي على المذبحة، بل نال العديد منهم الثناء على شجاعتهم. وبعد أربع سنوات على بود داجو، عُيِّن وود، الجنرال الذي أمر بالهجوم، رئيسا لأركان الجيش، وفي عام 1921، كوفئ بتعيينه حاكما عاما للفلبين.
في الحقبة بين عامَيْ 1899-1902، حارب الفلبينيون الجيش الأميركي الغازي من أجل استقلالهم، وأودت أعمال العنف والجوع والمرض بحياة ما بين 200 ألف ومليون شخص في الأرخبيل. ومع ذلك، لا يعرف سوى قِلة من الفلبينيين أو الأميركيين الكثير عن هذه الحرب، بل إن العديد من الأميركيين لا يعرفون أن الفلبين كانت ذات يوم مستعمرة أميركية. حتى إن ويليام ماكينلي، الرئيس الأميركي أثناء الحرب، واجه صعوبة في تحديد موقع البلد الذي يضربه جنوده على الخريطة.
ومع ذلك، ساعد تورط الولايات المتحدة في الفلبين في تحديد هوية الولايات المتحدة بوصفها قوة عالمية خلال العقود التالية، وكما كشف المؤرخ ألفريد ماكوي وآخرون، كانت الفلبين هي المكان الذي ابتكرت فيه الولايات المتحدة تقنيات مكافحة التمرد التي استخدمتها فيما بعد في سلسلة من التدخلات العسكرية في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. وبعد انتصاراتها المخضبة بالمذابح في ساحة المعركة، قمعت القوات الأميركية التمرد الفلبيني من خلال الحرب النفسية، والتسلل، والمراقبة، والتعذيب، والإعدامات خارج نطاق القضاء، وتشكيل ميليشيات محلية مكلفة بقمع المعارضة.
خلال تلك الحقبة، استخدم الجنود الأميركيون لأول مرة أسلوب التعذيب بالماء أو "الإيهام بالغرق" سيئ السمعة المرتبط بـ"الحرب على الإرهاب" في القرن الحادي والعشرين. ولمنع الفلبينيين العاديين من مساعدة المتمردين، قامت الولايات المتحدة بتحصين القرى الصغيرة بهدف عزل غير المقاتلين، في محاكاة لنظام "إعادة التركيز" الذي استخدمه الإسبان ضد المتمردين في كوبا (بهدف حرمانهم من الإمدادات الغذائية)*. وأعادت الولايات المتحدة وحلفاؤها في جنوب فيتنام إحياء هذا التكتيك أثناء حرب فيتنام، وأطلقوا عليه اسم "برنامج القرى الإستراتيجية" أو برنامج "هاملت".
وبحلول الوقت الذي حصلت فيه الفلبين على استقلالها عام 1946، فإنها ورثت قوة شرطية وجيشا مدربا على مكافحة التمرد على الطريقة الأميركية. في الخمسينيات من القرن العشرين، ساعد عملاء وكالة المخابرات المركزية الجيش الفلبيني في سحق تمرد الفلاحين الذي قاده الشيوعيون، وهي الحملة التي استلهمت منها الولايات المتحدة فيما بعد عمليات مكافحة التمرد في فيتنام وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.
وتحت دكتاتورية فرديناند ماركوس، الذي حكم الفلبين من عام 1972 إلى 1986، درَّبت الولايات المتحدة وموَّلت جيشا فلبينيا عذَّب وسجن وأخفى الآلاف من المعارضين، كما أرهب الجنود أهالي الريف أثناء ملاحقتهم لمَن وصفوفهم بـ"المتمردين الشيوعيين" و"الانفصاليين من المورو".
في سبتمبر/أيلول 1981، أطلقت قوات شبه عسكرية النار على 45 رجلا وامرأة وطفلا في بلدة لاس نافاس في وسط الفلبين ما تسبب في قتلهم جميعا. وبعد عام واحد، كوفئ ماركوس وزوجته إيميلدا بزيارة رسمية إلى البيت الأبيض شملت مأدبة عشاء فاخرة. وقبل أيام من الزيارة، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا مخصصا لمذبحة لاس نافاس، لكن القضية لم تنل اهتماما رسميا يُذكر، إذ كانت الولايات المتحدة حريصة على ضمان قدرتها على استخدام القواعد العسكرية في الفلبين بغض النظر على سلوكيات نظام ماركوس.
ورثت حكومات ما بعد ماركوس قوات أمنية استمرت في الاعتماد على الدعم الأميركي والأساليب الوحشية لقمع المعارضة. وفي أواخر الثمانينيات، حاول الجيش القيام بانقلابات ضد خليفة ماركوس، كورازون أكينو، التي أعادت المؤسسات الديمقراطية والانتخابات التنافسية، ورغم فشل المحاولات الانقلابية اضطرت حكومة أكينو إلى الرضوخ لمطالب الجيش حول اتباع تدابير أكثر صرامة لمكافحة التمرد، والحصانة من المحاسبة على انتهاكاته في عهد ماركوس.
طوال العقد التالي، أبرمت الحكومات الفلبينية المتعاقبة صفقات مع الولايات المتحدة للحصول على مساعدات عسكرية، ووقَّعت هدنات مع جماعات مورو المطالبة بالانفصال (بسبب القمع والتهميش)*، لكن السلام الدائم ظل بعيد المنال. وأكثر من ذلك، وجدت المنظمات المسلحة الأكثر تطرفا، بما في ذلك فرع من تنظيم الدولة الإسلامية، أرضا خصبة للتجنيد في مينداناو، المنطقة الأفقر في البلاد.
وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، تعهدت الفلبين بأن تكون حليفا لواشنطن في حربها ضد الإرهاب، وفي عام 2002، عادت القوات الأميركية إلى مينداناو، بعد مئة عام من احتلالها الاستعماري للجزيرة. ومنذ ذلك الحين، قدَّمت واشنطن المشورة للجيش الفلبيني، وانضمت إلى دوريات الغابات لمطاردة "المتطرفين الإسلاميين"، وأجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة وتبادلا المعلومات الاستخباراتية.
عندما تولى رودريغو دوتيرتي رئاسة الفلبين عام 2016، أطلق العنان لحرب دموية على المخدرات، فأعاد إحياء فرق الموت وآليات المراقبة والحرب النفسية التي كانت سائدة في عهد ماركوس. وقدَّرت جماعات حقوق الإنسان أن الشرطة وفرق الموت قتلت ما يصل إلى 30 ألف شخص يُشتبه في تعاطيهم للمخدرات أو تورطهم في الاتجار بها، وتركت بعض فرق الموت جثثا، بعد أن لفَّت رؤوسها بأشرطة لاصقة بصحبة لافتات مكتوب عليها "تاجر مخدرات" (واليوم، مع تولي نجل ماركوس، فرديناند ماركوس الابن المعروف باسم "بونغ بونغ"، منصب الرئيس، تواصل الشرطة إعدام الأشخاص العزل المشتبه في ارتكابهم جرائم المخدرات).
عندما انتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا النهج، اتهم دوتيرتي أوباما بالنفاق، في إشارة إلى مئات المورو الذين قُتلوا خلال الاحتلال الأميركي، وقال: "في واقع الأمر، ورثنا هذه المشكلة من الولايات المتحدة. لماذا؟ لأنهم غزوا بلادنا واستعبدوا شعبنا".
وبحلول عام 2017، استولى مئات المسلحين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية على مدينة مراوي، وسط مينداناو، واحتفظوا بها لمدة خمسة أشهر. وردًّا على ذلك، نفَّذ الجيش الفلبيني حملة لاستعادة المدينة بدعم من الولايات المتحدة ودول أخرى، أسفرت عن مقتل نحو 1000 مسلح.
لكن الهجمات البرية والجوية حوَّلت المدينة، التي تُعد مركز التعليم والثقافة الإسلامية في الفلبين، إلى أنقاض، وتسبَّبت في نزوح الآلاف معظمهم من المسلمين، الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة تكتيكات الإرهاب التي ينتهجها المسلحون وسندان الاستجابة القمعية المفرطة من جانب الحكومة.
الخلاصة أنه يمكن عزو العنف الذي عانت منه الفلبين على مدى العقود العديدة الماضية، فضلا عن التوترات العِرقية والاجتماعية المتبقية، إلى إرث القمع الإمبريالي الأميركي. وبحلول وقت مذبحة بود داجو، كان معظم الفلبينيين في بقية أنحاء البلاد قد سئموا بالفعل من المعارك واستسلموا للولايات المتحدة.
لقد دفعوا الضرائب، وتعلموا اللغة الإنجليزية في المدارس العامة، وتعرفوا على الانتخابات على الطريقة الأميركية، فيما تحوَّل زعماء المعارضين الذين أغراهم "ذهب المستعمر" من القتال من أجل الاستقلال إلى خوض الحملات الانتخابية لجمع الأصوات.
نسي العديد من الفلبينيين الماضي بسهولة وهم يسعون إلى التكيف مع الحكم الاستعماري، ولقَّنت المدارس المُصمَّمة أميركيا أجيالا من الفلبينيين مفاهيم تفوق الديمقراطية وأسلوب الحياة الأميركي، في حين وظَّفت البيروقراطية الاستعمارية الطبقة المتوسطة الناشئة.
كان شعب مورو "المسلم" هو آخر المتمردين على هذه الحياة ما بعد الاستعمارية. ويصف فاغنر كيف فرَّ العديد من سكان جزيرة جولو في أوائل عام 1905 إلى بود داجو، رافضين دفع ضريبة الاقتراع أو إرسال أطفالهم إلى المدارس العامة خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تآكل دينهم واعتناقهم القيم الأميركية غير المرغوب فيها.
ووفقا للباحث الكندي الفلبيني سيزار أندريس ميغيل سوفا، فإن أولئك الذين صمدوا في بود داجو اعترضوا على "العدالة الانتقائية" التي مارسها المستعمرون وأدت فقط إلى تفاقم الصراعات المحلية حول قضايا مثل سرقة الماشية، وفضَّل هؤلاء الاحتكام إلى وساطة الزعماء المحليين أو "الداتو" الذين فهموا مفاهيم شعبهم عن الشرف والأخلاق أكثر من الخضوع للأميركيين الذين رأوهم ظالمين وغير أخلاقيين، وبالتالي غير مؤهلين للحكم.
ورغم مزاعم الأميركيين بأن الهجوم على بود داجو سوف يخمد ثورة المورو المائجة، فقد استمرت الاضطرابات. وفي عام 1913، قتلت القوات الأميركية 400 من المورو الذين تحصَّنوا في بود باغساك، وهو جبل آخر في جولو، واستمر العديد من الجنود الأميركيين في تصديق الأساطير حول خصومهم، زاعمين أن المسدسات عيار 0.38 غير فعالة ضد المورو "الذين لا يمكن إيقافهم"، الأمر الذي دفع الجيش إلى إصدار مسدسات عيار 0.45.
ويشير فاغنر إلى أن الأميركيين اعتبروا المورو "متعصبين لا يمكن إصلاحهم"، وأنهم سوف يتصرفون بجنون عند أدنى استفزاز، وبرَّر هذا الاعتقاد، في نظرهم، استخدام العنف العشوائي ضد الأقلية المسلمة، وهو ما قدَّم نذيرا مبكرا بالانتهاكات الجسيمة التي شهدتها حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
خلال فترة الاستعمار الأميركي التي دامت قرابة خمسين عاما، شجَّع المسؤولون الأميركيون في مانيلا المزارعين الذين لا يملكون أراضي من المقاطعات المسيحية على الاستقرار في مينداناو، ومنحوا هؤلاء المستوطنين الحق في احتلال الأراضي التي كانت تحت حكم قبيلة المورو وغيرها من القبائل الأصلية.
ولم يختلف الحال كثيرا بعد رحيل الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث شجعت الحكومة الفلبينية المستقلة الهجرة واسعة النطاق إلى مينداناو لتخفيف الضغوط على الأراضي في أماكن أخرى من البلاد، وبحلول أواخر ستينيات القرن العشرين، أصبح شعب المورو أقلية فقيرة ونازحة في أراضي أجدادهم.
واليوم، يُشكِّل شعب المورو بين 6-10% من سكان الفلبين، وهم يؤكدون أن تاريخهم ودينهم الفريدين يميزانهم عن الفلبينيين المستعمَرين المتنصرين. وخلال الحكم الاستعماري الإسباني للفلبين، الذي دام من منتصف القرن السادس عشر حتى عام 1898، نظَّم القساوسة الإسبان مسرحيات شعبية في ساحات البلدة، تحت اسم "مورو مورو"، جسدت جنودا مسيحيين يستولون بشكل درامي على معاقل إسلامية.
وفي أوساط الفلبينيين الكاثوليك، لا تزال الصورة النمطية للمورو باعتبارهم وثنيين خطرين باقية، ولا يزال التمييز ضدهم منتشرا على نطاق واسع.
في ضوء ذلك، تظل منطقة مينداناو المسلمة التي مزَّقتها أعمال العنف الاستعماري وما بعد الاستعماري بقعة متقلبة، ولا يتعلم معظم الفلبينيين في المدارس عن بود داجو وغيرها من الفظائع الأميركية، أو عن العديد من الانتهاكات المُرتكبة في حقبة ما بعد الاستعمار، وبالتالي فإنهم لا يفهمون عداء المورو عميق الجذور تجاه الولايات المتحدة والحكومات المركزية في الفلبين. ولكنَّ حكومتَيْ مانيلا وواشنطن، الحليفتين الوثيقتين في الصراع ضد الصين، لا تهتمان كثيرا بنبش الماضي.
أدى هذا العمى أو "التعامي" الوطني عن حقيقة استياء المورو إلى دفع الساسة وصناع السياسات في الفلبين إلى التعامل مع المورو باعتبارهم أطفالا ضالين يمكن تصحيح مسارهم من خلال بعض التنازلات البسيطة، أو عبر القوة إذا فشلت التنازلات.
ولكن في السنوات الأخيرة، كانت هناك بعض العلامات على التقدم، ففي عام 2014 وقَّعت الحكومة الفلبينية اتفاق سلام مع جبهة تحرير مورو الإسلامية اعترف لأول مرة "بالمظالم والمطالبات المشروعة" لشعب المورو، ومهَّد الطريق لمزيد من الحكم الذاتي. وفي عام 2019، بدأ أعضاء سابقون في المنظمة في حكم منطقة بانجسامورو الجديدة في وسط مينداناو، ومن المقرر إجراء أول انتخابات في المنطقة الجديدة في مايو/أيار 2025.
ينص الاتفاق على تسريح مقاتلي المجموعة ودمجهم في الجيش والشرطة الوطنية، لكن هذه العملية توقفت، إذ يعتقد قادة المورو أنهم إذا تخلوا عن أسلحتهم فإنهم سيفقدون نفوذهم على الحكومة الوطنية، ولن يتمكنوا من المطالبة بتنفيذ أحكام الاتفاق الأخرى، بما في ذلك العفو عن المقاتلين.
كما لم تتمكن الحكومة الفلبينية بعد من حل جميع الجماعات المسلحة في بانجسامورو، التي يدعمها سياسيون محليون وعشائر قوية، وارتبطت بموجة من عمليات القتل في المنطقة في السنوات الأخيرة.
ستختبر الانتخابات في مايو/أيار استقرار منطقة بانجسامورو المتمتعة بالحكم الذاتي حديثا. ولكن بالنظر إلى المستقبل، فإن السلام الدائم طويل الأمد لن يتجذَّر إلا إذا شعر المورو بالأمان في وطنهم واستمع إليهم قادتهم السياسيون، بآذان مُصغية وعقول متفتحة، متسلحين بتبصُّر حقيقي بالماضي، وتطلُّع صادق إلى المستقبل.
___________________________________________
هذا المقال مترجم عن فورين أفيرز ولا يعبر بالضرورة عن موقف الجزيرة نت