تناولت 3 من المواقع الفرنسية الكبيرة مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في غزة تحت عناوين مثيرة، فقالت ليبراسيون إن المستوطن ترامب يثير مخاوف عالمية، ورأى "ميديا بارت" أن ترامب يدعو إلى التطهير العرقي في غزة، في حين تساءلت لوبس: لماذا يدفع ترامب بفكرة جديدة شنيعة؟
بدأت "ليبراسيون" بخبر استقبال ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول رئيس دولة أجنبي يستقبله بعد عودته إلى البيت الأبيض، وقالت إن ترامب أثار الدهشة والغضب عندما أعلن أن "الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة وتمتلكه على المدى الطويل"، مشيرة إلى أن "هذا ليس قرارا اتخذ بسهولة".
وهكذا عبّر قطب العقارات السابق -حسب تقرير مراسل الصحيفة في نيويورك جوليان جيستر- عن حلمه ببناء "كوت دازور الشرق الأوسط" في غزة بعد أن أكد مرارا وتكرارا نيته تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من هناك، دون استبعاد إرسال قوات عسكرية أميركية للقيام بذلك، مزدريا بتطرف شديد كل شكل من أشكال الحقوق المحلية والدولية وحقوق الإنسان.
وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك بكثير، وقال إنه يرى مستقبلا مختلفا لقطعة الأرض هذه التي كانت مركزا للكثير من الإرهاب والعديد من الهجمات والمحن والشدائد، ورأى أن هذا شيء يمكن أن يغير التاريخ.
وبدا نتنياهو سعيدا إلى جانب ترامب ولكنه مندهش رغم أن الإعلان قدّمه الرجل الذي يمتدحه باعتباره "أفضل صديق لإسرائيل دخل البيت الأبيض على الإطلاق"، وأشار إلى أن هدفه النهائي هو ضمان ألا تمثل غزة مرة أخرى تهديدا لإسرائيل، حسب الصحيفة.
ودون أن يقول كلمة واحدة عن تاريخ الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه بدا ترامب واثقا من نفسه، مقتنعا بأنه يستطيع في غضون أسابيع قليلة حل صراع مستمر منذ أجيال عدة لم تنجح سنوات من الدبلوماسية في تحريكه قيد أنملة، حسب "ميديا بارت".
وقال "لا أعتقد أنه ينبغي للناس العودة إلى غزة، أعتقد أنها جلبت لهم الكثير من الحظ السيئ، غزة ليست مكانا يمكن للناس أن يعيشوا فيه، والسبب الوحيد الذي يجعلهم يريدون العودة هو أنه ليس لديهم خيار آخر".
وعرض ترامب اقتراحه -حسب "لوبس"- باعتباره حلا إنسانيا لمليوني فلسطيني في قطاع غزة الذي وصفه بأنه كان "حفرة من الجحيم حتى قبل بدء القصف"، بل ووصفه -حسب "ميديا بارت"- بأنه "رمز للموت والدمار لعقود عديدة"، ووصف الفلسطينيين الذين يعيشون فيه بأنهم "غير محظوظين" ويعيشون "حياة بائسة".
وقال ترامب "سنعطي الناس فرصة، الأمر الأكثر أهمية هو أن يتمكن الناس الذين دمروا بالكامل من العيش في وضع أفضل بكثير، من الواجب إخراجهم من هذا المكان البائس، والولايات المتحدة مستعدة لمساعدتهم في العثور على "مكان جميل" يمكنهم أن يعيشوا فيه حياة أفضل، حياة جميلة".
ويبدو أن الأردن ومصر المجاوران للأراضي الفلسطينية هما بالنسبة لترامب أولى الوجهات التي من شأنها أن تستقبل الغزيين، وهو مستعد لابتزازهما -كما يقول "ميديا بارت"- للحصول على الضوء الأخضر أو على الأقل الضوء البرتقالي لطموحاته في التطهير العرقي لقطاع غزة.
لكن الزعماء السياسيين والدبلوماسيين في بقية العالم -من أوروبا إلى الصين وعبر تركيا والأردن وروسيا- عبّروا عن صدمتهم وعدائهم بالإجماع تقريبا، حسب "ليبراسيون".
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو "تكرر فرنسا معارضتها أي تهجير قسري للسكان الفلسطينيين من غزة، وهو ما يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي"، وقال نظيره الألماني "هذا أمر غير مقبول".
أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فأعلن أن "الفلسطينيين يجب أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وإعادة البناء، وعلينا أن نساعدهم على القيام بذلك".
وأبدى أصحاب المصلحة الرئيسيون -وهم الفلسطينيون- إجماعا في سخطهم ورفضهم مزيدا من التهجير، وكان ممثلهم في الأمم المتحدة رياض منصور من أوائل الذين تفاعلوا مع الأمر، حتى في المنطقة الزمنية نفسها لواشنطن.
واتهمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ترامب بـ"صب الزيت على النار"، وقال عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق إن "الشعب الفلسطيني وقواه الحية لن يسمحا لأي دولة على وجه الأرض باحتلال أرضنا أو فرض وصاية على شعبنا الفلسطيني العظيم الذي سال نهر من دمائه لتحريرها وإقامة دولتنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس".
وأثارت الفكرة رد فعل فوريا من دبلوماسية المملكة العربية السعودية التي أكدت على موقف "حازم لا يتزعزع"، وقالت إن المملكة السعودية ستواصل جهودها الدؤوبة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، ولن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون ذلك".
وقد قال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك إن القانون الدولي واضح للغاية في هذه المسألة "فأي نقل قسري أو طرد للأشخاص من الأراضي المحتلة محظور تماما"، و"الحق في تقرير المصير هو مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي، ويجب أن تحميه جميع الدول".
وفي واشنطن، فضل عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين النأي بأنفسهم عن تنفيذ مثل هذا المشروع، وقال الليبرالي راند بول "اعتقدت أننا صوتنا لأميركا أولا، وقال ليندسي غراهام متذمرا "دعونا نرى ماذا يعني، ولكن من الواضح أن هذا لن يحدث".
وأثناء الخطاب تجمّع بضع مئات من المتظاهرين المؤيدين لفلسطين خارج البيت الأبيض، وهتفوا بصدمة وغضب ينتشران في جميع أنحاء العالم، مرددين "غزة ليست للبيع".
وتذكيرا منه بحتمية هذا الرفض أكد ترامب ثقته في أن "مصر والأردن سوف يفعلان ذلك، وسوف تقبله دول أخرى أيضا"، وقد أثار هذا الخطاب موجة من الاستنكار على الساحة الدولية واحتجاجات فورية من عمّان والقاهرة.
وحاول البيت الأبيض تقديم تفسير دقيق من خلال التأكيد على أن ترامب "لم يلتزم حتى الآن" بنشر قوات أميركية في غزة، وأن الولايات المتحدة "لن تمول إعادة إعمار" القطاع.
وقال ترامب إنه "يمكن تمويل ذلك من خلال دول مجاورة غنية للغاية"، مضيفا "الناس سيكونون قادرين على العيش في راحة وسلام، وسنتأكد من القيام بشيء مذهل حقا".
وذكرت "ليبراسيون" أن ترامب سبق له أن حدد الشروط الاستعمارية المثالية لمشروع النفي القسري لجميع سكان غزة من أجل محو أراضيهم، دون أن يعبر عنها بوضوح، إذ قال مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف -قبل وصول نتنياهو- إن ترامب "عندما يتحدث عن "تنظيف غزة" فهو يتحدث عن جعلها صالحة للسكن".
وأضاف أن ما هو منصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق من عودة الفلسطينيين في غضون 5 سنوات "أمر سخيف"، مع وجود 30 ألف ذخيرة غير منفجرة ومبانٍ يمكن أن تنهار في أي لحظة وعدم وجود خدمات عامة.
وذكر "ميديا بارت" أن الخطة الرامية لتحويل قطاع غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط ليست جديدة، ولكن عددا قليلا للغاية من المستشارين المقربين كانوا على علم بهذا -حسب وول ستريت جورنال- ومنهم وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو، ولكنه وجد الفكرة رائعة وهنأ ترامب الذي سوف "يجعل غزة جميلة مرة أخرى"، في إشارة إلى شعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى".
وفي اجتماع ثنائي حول الموقد في المكتب البيضاوي مع نتنياهو كان مليئا بالارتياح والمرح عبر ترامب عن "أمله" في أن يتمكن "1.7 أو 1.8 مليون" فلسطيني في غزة من العثور على ملاذ وسعادة ونعيم في أماكن "يمكنهم أن يعيشوا فيها حياة رائعة دون خوف من الموت كل يوم" حتى "لا يعودوا يرغبون في العودة" إلى هذا "الجحيم".
وخلصت "ليبراسيون" إلى أن نتنياهو وحلفاءه الأكثر تطرفا داخل ائتلافه الحكومي يشعرون بالابتهاج، ويشيدون بالحليف الذي وجدوه في ترامب، ولكنه من الصعب أن نتخيل أن مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين لن يهتز بفعل انقلاب الأوضاع في واشنطن، هذا الذي يقضي على سراب حل الدولتين المؤجل باستمرار، والذي ظل قائما لعقود من الزمن باعتباره العقيدة الرسمية للبيت الأبيض.