وصل 3000 شرطي، قبيل فجر الأربعاء، إلى مقر إقامة الرئيس الكوري الجنوبي المعزول، يون سوك يول، شديد التحصين، وكانت مهمتهم اعتقاله.
واستخدم المحققون سلالم لتسلق الحافلات وقواطع المعادن لاختراق الأسلاك الشائكة أثناء تجاوزهم العديد من الحواجز المصممة لمنعهم. فيما تسلق آخرون ممرات قريبة للوصول إلى المقر الرئاسي.
وبعد ساعات، جرى احتجازه للتحقيق معه بشأن تورطه في أعمال تمرد مزعومة.
كانت هذه المحاولة الثانية لاعتقاله، أما الأولى فكانت في وقت سابق من الشهر الجاري، وحينها وقعت مواجهة استمرت ست ساعات بين نحو 150 ضابطاً مع أفراد أمن الرئيس.
وكان عددهم أقل بكثير، أولاً بسبب العدد الكبير من مؤيدي يون الذين تجمعوا خارج مقر إقامته لمنع الشرطة، ثم بسبب جدار بشري من ضباط الأمن داخل المبنى.
في نهاية المطاف، خلص المحققون إلى أنه "من المستحيل عملياً" إلقاء القبض عليه وغادروا.
ووفق العديد من الروايات، أصبح يون زعيماً مهاناً، فقد عُزل وأوقف عن ممارسة مهامه الرئاسية، في حين ينتظر قرار المحكمة الدستورية التي يمكن أن تعزله من منصبه.
لكن لماذا كان من الصعب جداً القبض عليه؟
البرلمان الكوري الجنوبي يعزل الرئيس يون سوك يول، أسبوع حاسم في تاريخ البلاد "كشف هشاشة نظامها"
مرت كوريا الجنوبية بأسابيع غير مسبوقة، منذ أن أصدر يون أمر الأحكام العرفية الصادم وقصير الأمد في 3 ديسمبر/كانون الأول.
صوت المشرعون لصالح عزله، ثم جاء التحقيق الجنائي ورفضه المثول للاستجواب، وهو ما أدى إلى صدور مذكرة توقيف بحقه.
كان الفريق الأمني الرئاسي ليون عقبة رئيسية أمام الضباط الذين حاولوا اعتقاله، إذ شكلوا في 3 يناير/كانون الثاني جداراً بشرياً واستخدموا مركبات لمنع وصول الضباط إليه.
ورأى محللون أنه من المحتمل أن يكون هؤلاء قد تصرفوا بدافع ولائهم ليون، مشيرين إلى حقيقة أن يون نفسه عين العديد من قادة جهاز الأمن الرئاسي.
وقال خبير الشؤون الكورية، كريستوفر جومين لي: "من المحتمل أن يكون يون قد زرع موالين متشددين في المنظمة استعداداً لهذا الاحتمال على وجه التحديد".
ولم يتضح بعد السبب الذي جعلهم يبدون مقاومة أقل هذه المرة، رغم أن لي، وهو محامٍ مقيم في الولايات المتحدة، يعتقد أن الفريق ربما يكون قد تم ردعه جزئياً بسبب "الاستعراض الساحق للقوة من جانب الشرطة".
وقال: "في نهاية المطاف، أعتقد أنهم ببساطة لم يكونوا يرغبون في الانخراط في هذا النوع من العنف واسع النطاق ضد ضباط إنفاذ القانون".
تعليق محاولة اعتقال الرئيس الكوري الجنوبي المعزول
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، حذر مكتب التحقيقات في الفساد عناصر جهاز الأمن الرئاسي من أنهم يخاطرون بفقدان رواتبهم التقاعدية ووضعهم كموظفين مدنيين بسبب عرقلة الاعتقال.
وفي المقابل، طمأنت أولئك الذين "يتحدون الأوامر غير القانونية" لمنع الاعتقال بأنهم "لن يواجهوا أي ضرر".
ويوم الأربعاء، ذكرت وكالة يونهاب للأنباء، أن العديد من أعضاء جهاز الأمن الرئاسي كانوا إما في إجازة أو اختاروا البقاء داخل المقر.
ويتمتع الزعيم اليميني بقاعدة تأييد قوية.
وصرح أنصار يون في وقت سابق لبي بي سي بأنهم مستعدون للموت من أجل حمايته، وكرروا مزاعم لا أساس لها من الصحة أطلقها يون نفسه، بما في ذلك أن البلاد تعرضت للاختراق من قبل قوات موالية لكوريا الشمالية.
وفي الثالث من يناير/كانون الثاني، خيم آلاف المؤيدين، غير مبالين بدرجات الحرارة المنخفضة، خارج منزله لمنع فريق الاعتقال من الوصول إليه. وبكوا فرحاً عندما علموا أن الفريق استسلم.
وكانت القصة مشابهة، يوم الأربعاء، حين ظهر حشد كبير من المؤيدين ليون وقام بعضهم بمواجهة الشرطة بشكل عدواني لمنع اعتقاله.
وعندما سمعوا نبأ القبض على، يون، بكى بعضهم.
لكن المنظمة التي سُلطت عليها الأضواء حقاً هي مكتب التحقيق في الفساد، الذي يقود التحقيق بشكل مشترك مع الشرطة.
وأثيرت تساؤلات حول كيفية فشلها في اعتقال يون في محاولتها الأولى، إذ اتهمها منتقدوها بعدم الاستعداد والافتقار إلى التنسيق.
وأنشئت الوكالة قبل 4 سنوات من قبل الإدارة السابقة، رداً على الغضب الشعبي تجاه الرئيسة السابقة بارك غن هي التي عزلت من منصبها وسُجنت لاحقاً بسبب فضيحة فساد.
وقال الأستاذ المشارك في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية في سيول، ماسون ريتشي، إن المحاولة الفاشلة هذا الشهر بمثابة "وصمة عار أخرى" لمكتب التحقيق في الفساد، الذي "لا يتمتع بسمعة طيبة لأسباب سياسية وأخرى تتعلق بالكفاءة".
وقال المحامي لي تشانغ مين، عضو منظمة المحامين من أجل مجتمع ديمقراطي: "لقد دخلنا في هذه الفوضى بعد أن تسابقت منظمات مختلفة لقيادة التحقيق من أجل تحقيق مكاسبها الخاصة".
وأضاف: "حتى لو تم الإبقاء على هيئة التحقيق المشتركة، فيجب تسليم القضية إلى الشرطة، التي يجب أن تفرض سلطتها".
وفي الواقع، فإن مكتب التحقيقات في الفساد لا يمتلك السلطة لتوجيه اتهامات إلى يون، ويتوقع أن تسلم القضية إلى المدعين العامين بعد انتهاء تحقيقه.
ويدعي محامو يون أن مكتب التحقيقات في الفساد لا يملك السلطة في التحقيق في اتهامات التمرد ضد يون.
وباتت كوريا الجنوبية الآن في منطقة مجهولة، حيث أصبح يون أول رئيس يعتقل وهو في منصبه.
وقال لي إن التحقيقات معه "حشدت أيضاً العناصر اليمينية المتطرفة والشعبوية" داخل الائتلاف المحافظ، الذي قد "يمارس تأثيراً كبيراً" على السياسة المحافظة في البلاد مستقبلاً.