في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في الثالث من فبراير/شباط الجاري، أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب موضوع معادن أوكرانيا النادرة، وتبين سريعا أنه يريدها أكثر من رغبته بوقف الحرب الروسية المستمرة منذ 3 سنوات، وأن مقايضتها باتت شرطا رئيسا أمام كييف للحصول على دعم واشنطن بالمال والسلاح.
عين ترامب على 50% من تلك المعادن، أو ما قد يصل إلى 500 مليار دولار، لأن أوكرانيا مدينة أصلا لبلاده بـ300 مليار على مدار سنوات الحرب، كما قال؛ الأمر الذي نفاه وفنده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وهكذا، كان موضوع المعادن محل جدل وانتقادات واتهامات بين الرئيسين؛ لكنه أصبح كذلك موضع تساؤل محلي ودولي كبيرين، حول حجم وأهمية ما تملكه أوكرانيا من ثروات معدنية مهمة ونادرة، لا يعرفها كثير من الأوكرانيين أنفسهم.
وفي كتاب "الجغرافيا الفيزيائية لأوكرانيا"، يتعلم طلاب الصف الثامن في مدارس البلاد المتوسطة أن "أوكرانيا تحتل المركز الأول أوروبيا من حيث احتياطيات الحديد والمنغنيز والتيتانيوم وخام اليورانيوم، والمركز الثاني بعد إسبانيا من حيث احتياطيات خام الزئبق".
وكما يتعلمون أن "أوكرانيا تمتلك 10-16% من احتياطيات الحديد عالميا، بحجم يصل إلى 27 مليار طن، و20-42% من احتياطيات المنغنيز عالميا، بحجم يصل إلى 2.5 مليار طن؛ وأنها تعد من أغنى 5 دول باحتياطيات الغرافيت".
وبصورة عامة، تضم أراضي أوكرانيا 342 ألف طن من الألمنيوم، و147 ألف طن من النحاس، و60 ألف طن من الزنك، و8.2 آلاف طن من الرصاص، و5.3 آلاف طن من النيكل، إضافة إلى مئات الأطنان من معادن القصدير والتنغستن والكوبالت والموليبدينوم وغيرها.
وفيما يتعلق بالمعادن النادرة:
وبصورة عامة، تضم أراضي أوكرانيا 660 طنا من الفاناديوم، و90 طنا من الزركونيوم، و50 طنا من النيوبيوم، و50 طنا من الكادميوم، وأيضا 15 طنا من التنتالوم، و5 أطنان من الغاليوم، و1.8 طن من السيريوم، وكذلك تضم 1.5 طن من الإنديوم، وطنا من السيلينيوم، وطنا من البريليوم، و0.8 طن من الإيتريوم، فضلا عن نصف طن لكل من التيلوريوم والسكانديوم والغرمانيوم والهافنيوم على حدة.
لكن مجلة "فوربس أوكرانيا" تشير إلى أن الاحتياطيات الأوكرانية قد تكون أكبر بكثير، لأن أوكرانيا لم تحدث البيانات الرسمية المتعلقة بثرواتها الطبيعية منذ بداية عام 2005، كما أن مناجم البلاد لا تستخرج أكثر من 10% من الاحتياطيات المؤكدة للمعادن النادرة؛ والاستثمار في هذا المجال سيكون طويل الأمد.
ومع ذلك، شغلت صادرات المعادن وصناعات الصلب الأوكرانية نسبة وصلت إلى 26.3% من اقتصاد البلاد قبل الحرب، و20% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أدخلت لخزينة أوكرانيا نحو 40% من النقد الأجنبي.
على أساس ما سبق، تبدو أوكرانيا كأنها تجثو على كنوز وتتكاسل عن استخراجها واستثمارها؛ لكن هذه الكنوز تحولت "لعنة" عليها منذ عام 2014، إن صح التعبير، وكادت تنهي وجودها كدولة في 2022.
كل المصادر تشير إلى أن 70% من معادن أوكرانيا، وخاصة النادر منها، تقع في مقاطعات لوغانسك ودونيتسك (اللتين تشكلان معا ما يعرف بإقليم دونباس)، إضافة إلى مقاطعات زاباروجيا ودنيبروبيتروفسك، وكلها في شرق وجنوب شرق البلاد.
تسيطر روسيا -حاليا- على نحو نسبة 98% من لوغانسك، ونحو 60% من دونيتسك، بينما تحتل نحو 30% من زاباروجيا، وتقصف بشكل شبه يومي منطقة مدينة كريفي ريه جنوب مقاطعة دنيبروبيتروفسك، الغنية بالمناجم.
وتتوزع أيضا معادن أوكرانيا على مقاطعات بولتافا في الوسط، وتشيرنيهيف وكييف وجيتومير في الشمال، التي دخلتها القوات الروسية في 24 فبراير/شباط 2022، ثم خرجت منها بعد نحو 5 أسابيع من القتال العنيف.
وهكذا، تقع تحت سيطرة روسيا حاليا نسبة 20% من ثروات أوكرانيا المعدنية بين حقول ومناجم، بحسب المركز الحكومي لأبحاث الجيولوجيا، وآخرها كان منجم "شيفتشينسكي" لمعدن الليثيوم، الذي انتقل لسيطرتها قبل أسابيع في مقاطعة دونيتسك.
ولأن كثيرا من المسؤولين والمراقبين يؤكدون أن من أهداف روسيا السيطرة على ثروات أوكرانيا، يرى بعضهم أنها تشكل "طعما" لترامب، قد يدفع الولايات المتحدة لمواجهة مستقبلية مع روسيا، بينما يرى آخرون أنها طعام يثير شهيته كرجل أعمال قبل أن يصبح رئيسا.
أنصار نظرية الطعم قلة، وغالبا من الروس، أما الأوكرانيون، فيرون المعادن عنوان "صفقة صعبة" بين بلادهم والولايات المتحدة، لأن فيها طوق نجاة في خضم الحرب، حتى وإن كانت الشياطين تكمن في تفاصيلها.
ياروسلاف جاليلو، نائب مدير المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية في كييف، قال في حديث سابق مع الجزيرة نت: لأنها لا تستخرج كل ما تحتاج، "تعتمد أميركا بنسبة 80% على واردات المعادن النادرة من الصين، لذلك فإن الصفقة مربحة دون شك لترامب لأن فيها بديلا عن العدو الاقتصادي الأكبر، أو تنويعا للمصادر على الأقل يحد من حاجة الصناعة الأميركية للخامات الصينية".
ومن زاوية أخرى يقول الكاتب والمحلل السياسي، أوليكساندر بالي للجزيرة نت: "تعود الأوكرانيون سيطرة الأوليغارشية على موارد البلاد خلال 30 سنة مضت؛ ولا أعتقد أنهم يعارضون استثمار ترامب ومن خلفه الشركات الأميركية؛ ولكن بمقابل وجدوى".
ويضيف: "قدرنا أن نتعامل مع ترامب بأسلوبه المستفز المبتز، فقد حول قضية الحرب إلى صفقة تجارية؛ لكنها لن تمر على أوكرانيا كغيرها".
وتابع موضحا: "ليس لدينا أموال تسقط من السماء لنتعامل بسطحية وسذاجة مع شروط ترامب ونقبلها. أعتقد الصفقة ستتم، ولكن بعد أن تناقش وتعدل التفاصيل، وأن شرط حصولنا على مساعدات خلال الحرب وضمانات أمنية بعدها سيكون خطا أحمر لا يتم التنازل عنه في الصفقة، حتى وإن كنا بأشد الحاجة للمال والسلاح"، على حد قوله.