في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
فاز الكاتب المجري لازلو كراسنهوركاي (71 عاما) بجائزة نوبل للآداب للعام 2025، واختارت اللجنة تكريمه "لنتاجه المذهل والرؤيوي الذي يعيد التأكيد على قوة الفن في وسط رعب أقرب إلى نهاية العالم".
وجاء في بيان اللجنة أن كراسنهوركاي المعروف بأدبه الذي يخوض في الواقع المرير والشجن "كاتب ملحمي عظيم يندرج في تقليد أوروبا الوسطى الممتد من كافكا إلى توماس بيرنهارد، ويتمّيز بالعبثية والمغالاة الهزلية".
وتابع "لكن ثمة أكثر من وجه لنتاجه، وهو يتطلع أيضا إلى الشرق باعتماده نبرة أكثر تأملا وأكثر رهافة في تعابيره".
وقال الكاتب نفسه عن أسلوبه الصعب والمتطلب بأنه يعكس "التمعن في الواقع إلى حد الجنون"، كما وُصف بـ"الهوسيّ" بسبب ميله إلى كتابة جمل طويلة وفقرات قلما تنتهي،
ويأتي هذا التكريم تتويجا لمسيرة أدبية فريدة، كرّس صاحبها قلمه لاستكشاف أحلك زوايا الوجود الإنساني، بلغة تتحدى القوالب المألوفة وتنسج من اليأس جمالا قاسيا ومذهلا.
وُلد كراسنهوركاي عام 1954 في بلدة جيولا الصغيرة جنوب شرق المجر، وهي منطقة ريفية نائية تركت بصمتها العميقة على أعماله.
كانت انطلاقته الأدبية مدوية مع روايته الأولى "تانغو الشيطان" (Sátántangó) عام 1985، التي أصبحت ظاهرة أدبية في المجر، وفي العام 2015، فاز كراسنهوركاي بجائزة مان بوكر العالمية البريطانية عن مجمل نتاجه.
في هذا العمل الملحمي، يرسم كراسنهوركاي صورة قاتمة لمجموعة من السكان المعوزين في مزرعة جماعية مهجورة قبيل سقوط الشيوعية. يسود الصمت والترقب، إلى أن يظهر بشكل مفاجئ شخصيتان كاريزميتان، إيريمياس وبيترنا، كان الجميع يعتقد أنهما قد ماتا. يراهم السكان كرسل للأمل أو كنذير بيوم الحساب الأخير، ليقودهم المحتال إيريمياس في رقصة شيطانية من الخداع والأمل الزائف.
هذه الرواية، التي حولها المخرج بيلا تار إلى فيلم سينمائي أيقوني، أسست لسمعة كراسنهوركاي ككاتب للحالات القصوى. سرعان ما أطلقت عليه الناقدة الأميركية سوزان سونتاغ لقب "سيد الأدب المروع المعاصر"، وهو حكم أصدرته بعد قراءتها لعمله الثاني "كآبة المقاومة" (The Melancholy of Resistance).
في هذه الرواية، التي تشبه حلما محموما، يصل سيرك شبحي إلى بلدة مجرية صغيرة، حاملا معه جثة حوت عملاقا. هذا المشهد الغامض والمخيف يطلق العنان لقوى متطرفة من العنف والتخريب، ويصور كراسنهوركاي ببراعة الصراع الوحشي بين النظام والفوضى.
وقال ستيف سيم-ساندبرغ أحد أعضاء لجنة الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة "إلى جانب تركيبة جمله الفضفاضة والمتعرجة، التي أصبحت علامته المميزة ككاتب، يفسح أسلوبه في المجال أمام بعض الخفة وأمام جمالية شاعرية كبيرة".
وشدد ستيف سيم-ساندبرغ على "النظرة الفنية للازلو كراسنهوركاي المجردة من الأوهام والقادرة على إدراك هشاشة المنظومة الاجتماعية وإيمانه الراسخ بقدرة الفن"، وهو ما دفع اللجنة لاتخاذ قرار منحه الجائزة.
وهو ثاني كاتب مجري يفوز بجائزة نوبل للآداب بعد إيمري كيرتس في 2002. وعدد الكاتب المجري بين مصادر إلهامه الرئيسية فرانتس كافكا والمغني جيمي هندريكس ومدينة كيوتو اليابانية.
استمر هذا الخط الملحمي في أعمال لاحقة، ففي "حرب وحرب" (War & War)، ينتقل السرد خارج حدود المجر، متتبعا رحلة أمين أرشيف متواضع يسافر إلى نيويورك في محاولة يائسة لنشر ملحمة قديمة اكتشفها.
وفي "عودة البارون فنكهايم" (Baron Wenckheim’s Homecoming)، يقدم كراسنهوركاي نسخة معاصرة من شخصية "الأبله" لدوستويفسكي، في صورة بارون مفلس ومدمن على القمار يعود إلى وطنه أخيرا، ليواجه استقبالا هزليا ومأساويا من مجتمعه. أما عمله "هيرشت 07769" (Herscht 07769)، فينقلنا إلى بلدة ألمانية معاصرة، لكنها تعاني من نفس أعراض الفوضى الاجتماعية والقتل، حيث يتصارع الرعب مع الإرث الموسيقي العظيم ليوهان سباستيان باخ.
لكن عوالم كراسنهوركاي لا تقتصر على هذا الأفق المروع. ففي مرحلة لاحقة من مسيرته، اتجه بنظره شرقا، مستلهما من رحلاته إلى الصين واليابان ليتبنى نبرة أكثر تأملا ورقة.
ويتجلى هذا التحول في روايته الغامضة "جبل في الشمال، بحيرة في الجنوب، دروب في الغرب، نهر في الشرق" (A Mountain to the North, a Lake to the South, Paths to the West, a River to the East)، التي تدور أحداثها في كيوتو وتبحث عن حديقة سرية.
ويصل هذا الاتجاه إلى ذروته في عمله التحفة "سييوبو هناك في الأسفل" (Seiobo There Below)، وهو مجموعة من 17 قصة مرتبة وفق تسلسل فيبوناتشي.
ويستكشف هذا العمل دور الجمال والإبداع الفني في عالم أعمى وزائل. من خلال استلهام أسطورة سييوبو اليابانية، التي تحرس حديقة تنتج ثمار الخلود مرة كل 3 آلاف عام، يتتبع كراسنهوركاي لحظة الخلق الفني عبر أزمنة وبيئات مختلفة، من فنان ياباني قديم يصنع قناعا، إلى رسام من عصر النهضة يكمل لوحته الأخيرة.
غالبا ما يكون الفنان نفسه غائبا، وبدلا منه نرى شخصيات جانبية -عمال نظافة، حرفيين، متفرجين- يشاركون في عمل فني لا يدركون معناه بالكامل، في تصوير للغز الإبداع الذي لا يمكن تفسيره.
ويمثل فوز الكاتب المجري انتصارا لتقليد أدبي أوروبي أوسطي يمتد من كافكا إلى توماس برنهارد، ويتميز بالعبثية والمبالغة، وهو أيضا اعتراف بكاتب لم يخش يوما أن يواجه القارئ بجمل طويلة ومتعرجة، وببناء سردي يتحدى التوقعات، وبعوالم تقف على حافة الانهيار.
نشأ كراسنهوركاي في كنف عائلة يهودية من الطبقة الوسطى واستلهم من تجربته مع النظام الشيوعي فضلا عن الرحلات الكثيرة التي أجراها بعدما انتقل للإقامة في الخارج للمرة الأولى العام 1987 في برلين الغربية، بفضل منحة، وامضى حياته متنقلا بين فيينا وترييستي وبودابست.
وهنأه رئيس الوزراء فيكتور أوربان الذي لطالما انتقده الروائي بسب سياساته الشعبوية، وكتب اوربان على فيسبوك "فخر المجر، أول حائز جائزة نوبل من غيولا، لازلو كراسنهوركاي. مبروك!".