في فجر الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2025، انطلق من قاعدة كيب كانافيرال الفضائية بولاية فلوريدا صاروخ "فالكون 9" التابع لشركة سبيس إكس، حاملا معه قمرا صناعيا تركيا، يحمل الاسم "إف جي إن-100-دي2".
وكان التوقيت المحلي في تركيا يشير إلى الثامنة والدقيقة التاسعة صباحا عندما أعلن المهندسون في غرفة المراقبة بمركز التكنولوجيا الوطنية نجاح عملية الإطلاق، لتبدأ تركيا صفحة جديدة في رحلتها نحو استقلال الفضاء.
"إف جي إن-100-دي2" هو القمر الصناعي الثاني ضمن مشروع "كوكبة الأقمار لتحديد المواقع" الذي تطوره شركة "فرجاني" للتقنيات الفضائية، وهي تركية خاصة أسسها سلجوق بيرقدار رئيس مجلس إدارة شركة "بايكار" المعروفة بتطوير الطائرات المسيّرة التركية ومديرها التقني.
أما القمر الصناعي الأول فهو "إف جي إن-100-دي1" وقد انطلق في 14 يناير/كانون الثاني 2025.
وبعد مرور 74 دقيقة من الإقلاع، انفصل القمر الصناعي عن مركبة الإطلاق ودخل في مدار أرضي منخفض على ارتفاع نحو 510 كيلومترات. وهناك بدأ مهمته التجريبية، مرسلا أول بياناته إلى مركز التحكم في إسطنبول، معلنا رسميا عن بدء التشغيل.
ويدور القمر حول الأرض بسرعة 7.6 كيلومترات في الثانية، مما يعني أنه يكمل نحو 15 دورة كاملة يوميا.
ورغم حجمه المتوسط نسبيا، إذ يبلغ وزنه 104 كيلوغرامات فقط، فإن "إف جي إن-100-دي2" يحمل دلالة رمزية قوية، فهو أكبر قمر صناعي في تاريخ القطاع الخاص التركي، ومطوّر كليًا بقدرات هندسية محلية.
ويضم القمر أنظمة طيران إلكترونية، وبرمجيات تحكم، وتصميما هيكليا، ومحرك دفع صديقا للبيئة، وجميعها صنعت في معامل الشركة داخل مركز بيرقدار الوطني للتكنولوجيا.
ويحمل المشروع رؤية أبعد من مجرد قمرين صناعيين صغيرين في المدار، فشركة "فرجاني" تسعى خلال السنوات الخمس المقبلة إلى إطلاق أكثر من 100 قمر صناعي لتأسيس منظومة ملاحة عالمية خاصة بتركيا والدول الصديقة والشقيقة.
وقد أُطلق عليها اسم "نظام أُلُغ بك العالمي لتحديد المواقع" في إشارة إلى العالم الفلكي التركي الشهير أُلُغ بك الذي كان من أوائل من قاسوا مواقع النجوم بدقة في القرن الـ15.
ويهدف هذا النظام إلى تقليل الاعتماد على شبكات الملاحة الأجنبية مثل "جي بي إس" الأميركي و"جلوناس" الروسي، ومنح تركيا استقلالا إستراتيجيًا في خدمات تحديد المواقع والاتصالات الفضائية، وهي خطوة تُعد من أهم معايير السيادة التقنية في القرن الـ21.
إلى جانب ذلك، أعلن الفريق أن يعمل حاليا على تطوير مركبة نقل مداري، وهي منصة قادرة على نقل الأقمار الصغيرة بين المدارات المختلفة بعد إطلاقها، تمهيدًا لبناء قدرة إطلاق وطنية كاملة في المستقبل.
ومن المتوقع أن تستمر مهمة القمر "إف جي إن-100-دي2" بين 5 و7 سنوات، يجري خلالها اختبار أنظمة الاتصالات والتحكم والتموضع بدقة عالية، إضافة إلى تجربة أنظمة الدفع والتوجيه المصممة محليا.
وتشير الشركة إلى أن هذه البيانات ستستخدم في تصميم أقمار أكثر كفاءة ضمن مشروع ألغ بيك المستقبلي.
ومع هذا الإطلاق، تنتقل تركيا من مرحلة "المشاركة في الفضاء" إلى مرحلة "الاستثمار والابتكار في الفضاء"
فوجود شركة خاصة تطور أقمارا وأنظمة ملاحة وطنية بالكامل يعكس نضج النظام البيئي الفضائي التركي، ويضع البلاد في مسار مشابه للدول التي نجحت في بناء صناعات فضائية مستقلة مثل اليابان والهند.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة