اكتشف علماء معاهد غلاستون سببا مدهشا لموت الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين، وهي خلايا حاسمة للحركة الجسمانية السلسة، في مرض باركنسون.
وأظهرت الدراسات على الفئران أن استمرار فرط نشاط هذه الخلايا العصبية لأسابيع يؤدي إلى تدهورها، حيث تفقد أولا روابطها ثم تموت في النهاية. وهذه النتائج تعكس ما يلاحظ في المرضى من فقدان انتقائي للخلايا العصبية، حيث تنهار الخلايا المجهدة في المادة السوداء (substantia nigra، وهي بنية من الدماغ المتوسط مسؤولة عن المكافأة والحركة بشكل أساسي) في النهاية.
لغز باركنسون: لماذا تموت خلايا الدماغ الرئيسية؟
تحتوي مجموعات معينة من خلايا الدماغ على قدرة التحكم في دقة وتنسيق حركات الجسم. عندما تظل هذه الخلايا في حالة نشاط مفرط لفترات طويلة، تبدأ في التدهور وتموت في النهاية. ولاحظ باحثون في معاهد غلاستون هذه العملية مؤخرا، ما يقدم رؤى جديدة حول ما قد يحدث بشكل خاطئ في أدمغة المصابين بمرض باركنسون.
ويعاني أكثر من 8 ملايين شخص حول العالم من مرض باركنسون، وهو اضطراب تدريجي في الدماغ يؤدي إلى الرعشة وبطء الحركة وتصلب العضلات وصعوبة في المشي والتوازن.
ويعرف الباحثون أن الخلايا العصبية المسؤولة عن إنتاج الدوبامين، الضروري للحركة الإرادية، هي من بين تلك التي تموت لدى مرضى باركنسون. كما تظهر الأدلة أن هذه الخلايا غالبا ما تصبح أكثر نشاطا مع تقدم المرض، سواء قبل أو بعد بدء التدهور.
وفي الدراسة الجديدة، قام الباحثون بإدخال مستقبلات خاصة في الخلايا العصبية للدوبامين في الفئران، ما سمح لهم بزيادة نشاط الخلايا عن طريق علاج الحيوانات بعقار كلوزابين-N-أوكسيد (CNO). وأضاف العلماء العقار إلى مياه الشرب للحيوانات، ما أدى إلى تنشيط مزمن للخلايا العصبية.
وخلال أيام قليلة من الإفراط في تنشيط خلايا الدوبامين، تعطلت الدورة الطبيعية لأنشطة الحيوانات نهارا وليلا. وبعد أسبوع، تمكن الباحثون من اكتشاف تدهور في الاستطالات الطويلة (وتسمى المحاور العصبية، وهي هياكل تشبه الأسلاك الطويلة والدقيقة، تمتد من جسم الخلية العصبية لنقل الإشارات الكهربائية والكيميائية إلى خلايا أخرى) الممتدة من بعض خلايا الدوبامين. وفي غضون شهر، بدأت الخلايا العصبية في الموت.
أنماط جينية مشتركة بين البشر والفئران
عندما قاس الباحثون مستويات الجينات في عينات الدماغ من مرضى باركنسون في المراحل المبكرة، وجدوا تغييرات مماثلة: حيث انخفض التعبير عن الجينات المتعلقة بعملية أيض الدوبامين، تنظيم الكالسيوم، واستجابات الإجهاد الصحية.
ولم تكشف الدراسة عن سبب زيادة نشاط خلايا الدوبامين في مرض باركنسون، لكن الباحثين يرجحون أن هناك أسبابا متعددة، بما في ذلك العوامل الوراثية والبيئية. وقد يكون هذا النشاط المفرط جزءا من حلقة مفرغة تبدأ مبكرا في المرض.
ويطرح هذا الكشف العلمي إمكانية مثيرة للاهتمام تتمثل في إمكانية تعديل أنماط نشاط الخلايا العصبية المعرضة للخطر باستخدام الأدوية أو التحفيز العميق للدماغ لحمايتها وإبطاء تقدم المرض.
نشرت هذه الدراسة في مجلة eLife العلمية، وتمثل تقدما مهما في فهم آليات مرض باركنسون وفتح آفاق جديدة للعلاجات المستقبلية.
المصدر: scitechdaily