بأعداد كبيرة وصحبة كلاب بوليسية، اقتحمت شرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي بعنف حي وادي قدّوم ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، أما الهدف فكان بناية "الوعد" السكنية حيث أجبرت سكان 12 شقة بداخلها على إخلائها فورا.
أطلقت قوات الاحتلال كلابها البوليسية على السكان الآمنين في أسرّتهم في تمام الرابعة فجراً، وأبلغتهم بأمر هدم سينفذ مباشرة دون إعطائهم فرصة لإخلاء أيّ من مقتنياتهم.
وبالتزامن مع عملية الهدم، قمعت قوات الاحتلال المدججة بالسلاح ومعها مستوطنون، عددا من سكان العمارة الذين حاولوا التعبير عن احتجاجهم على هدم مساكنهم، في حين اعتبرت محافظة القدس ما يجري جريمة تهدف إلى تهجير المقدسيين.
وقال مؤيد برقان (25 عاما)، أحد سكان البناية للجزيرة نت إنه تفاجأ وأفراد أسرته بهجوم الكلاب البوليسية على أسرّتهم خلال نومهم، وقالت الشرطة المرافقة لهم، إن عليهم إخلاء المنزل فورا لأن البناية ستُهدم اليوم.
وأضاف أن الشرطة الجماهيرية الإسرائيلية اقتحمت البناية -التي يعيش فيها مئة مقدسي نصفهم من الأطفال- في شهر أغسطس/آب المنصرم، وأمهلت السكان أياما لإخلائها، وتحرك محامو السكان مجددا من أجل حماية هذه البناية الكبيرة من الهدم.
وتابع "كل ما طلبت منّا البلدية تقديمه من أوراق ثبوتية أو إجراءات قانونية قمنا بتوفيره، لكنهم لا يريدون أن نبقى هنا، فالهدف تهجيرنا من القدس لا أكثر".
ويعيش مؤيد في البناية منذ العاشرة من عمره، ويقول إنها احتضنت طفولته وشبابه، لكنه حُرم وثمانية من أفراد أسرته من صنع مزيد من الذكريات فيها.
وأكد برقان أنه كان يفترض أن تعقد جلسة في بلدية الاحتلال يوم 9 ديسمبر/كانون أول الجاري من أجل البناية، لكنها أُجلّت الجلسة إلى اليوم الاثنين، وبالتالي تفاجأ السكان بالاقتحام وقرار الهدم بينما كانوا يستعدون خلال ساعات للتوجه للبلدية لمتابعة ملف منازلهم المهددة بالهدم.
يشرح المواطن المقدسي اللحظات الأولى للاقتحام "عندما اقتحمت الشرطة المنازل اعتقدنا أنهم يبحثون عن أحد السكان لاعتقاله، ولم يخطر ببالنا أن الهدم هو الهدف لأننا كنا نستعد للذهاب إلى الجلسة اليوم، وتفاجأنا أكثر بإحضار 50 مستوطنا في حافلة، وتم إطلاقهم داخل منازلنا، ووضعوا بعض ملابس السكان في أكياس كبيرة وألقوها بجوار البناية".
عجز مؤيد عن وصف وحشية الاقتحام وما رافقه من تنكيل بالسكان أدى إلى اعتقال اثنين منهم، كما عجز عن تخيل مستقبل عائلات برقان والخطيب وشاور وسكافي وبدر وشويكي والرجبي والرشق وعنابي وغيرها خارج دفيئاتهم التي يعيشون فيها منذ عام 2011.
وقدّر هذا المقدسي أعداد أفراد الشرطة الإسرائيلية الذين وصلوا لتأمين عملية الهدم بين 250 و300 شرطي، تدور المناوشات بينهم وبين السكان تارة وتخفت تارة أخرى، وسيستمر الحال كذلك وفقا لبرقان حتى انتهاء عملية الهدم المتوقع أن تنتهي مع غروب شمس هذا اليوم.
عند سؤاله عن مشاعره، فاجأنا برقان "أقسم بالله أقسم بالله أقسم بالله أشعر كأنني ربحت مليون دولار في هذه اللحظات، ومعنوياتي عالية تعانق السماء" مضيفا أن ما أدخل السكينة على قلبه هو تذكره منذ الصباح للآية الكريمة "الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله" من سورة الحج.
وأضاف: "إخراجنا ظلم له أجر كبير، وأحتسب أجري عند رب العالمين إلى يوم القيامة.. هم يقولون إنهم أخرجونا لأن بنايتنا شُيّدت دون ترخيص وأنا أسأل: هل تمنح البلدية التراخيص للمقدسيين أصلا؟".
وخلال مراقبته للهدم لاحظ مؤيد أن الجرافات حرصت على جعل الأرض المجاورة للبناية مستوية قبل الشروع بالهدم لتتمكن من الوصول إليها، ووجد هذا الشاب بصيص أمل في هذه الخطوة لأنها ستساعده في نصب خيمة بجوار الركام، مع انعدام وجود منازل للإيجار في القدس بسبب الاكتظاظ السكاني الشديد، ولأنه يرفض تحقيق هدف البلدية بتهجير المقدسيين من مدينتهم.
ووفق محافظة القدس، فقد اعتدى عمال بلدية الاحتلال بالضرب على سكان العمارة، بالتزامن مع إطلاق قوات الاحتلال القنابل الصوتية باتجاه الأهالي.
وقالت -في بيان- أن هدم عمارة الوعد " جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان، تأتي في سياق سياسة ممنهجة تستهدف تهجير المواطنين الفلسطينيين قسرًا وتفريغ مدينة القدس من سكانها الأصليين، في إطار مخطط تهويدي إحلالي يهدف إلى فصل المدينة عن محيطها الفلسطيني وفرض وقائع ديمغرافية جديدة بالقوة".
وفق المحافظة فإن العمارة السكنية كانت تشكل المأوى الوحيد للعائلات المتضررة، وتهدم اليوم "باستخدم ذرائع واهية ومتكررة، أبرزها عدم الترخيص، رغم أن سلطاته تفرض قيودًا تعجيزية ومقصودة على منح رخص البناء للفلسطينيين".
وأشارت المحافظة إلى أن آليات الاحتلال نفذت نحو 370 عملية هدم وتجريف منذ بداية العام الجاري في أنحاء المحافظة، ضمن سياسة ممنهجة لإفراغ الأرض من أصحابها الأصليين، تمهيدًا لتنفيذ مشاريع استعمارية قائمة ومخطط لها.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة