كوكس بازار- يعني التوجه إلى جنوب شرق بنغلاديش ، نحو مخيمات اللاجئين الروهينغا ، الاقتراب من الحدود مع أرضهم، ولاية أراكان ، التي سماها النظام العسكري بميانمار "رِيكاين" نسبة إلى قومية "الريكاين" البوذية التي ظلت لقرون تتشارك العيش في هذه الأرض قبل أن تندلع أحداث طائفية وعمليات أمنية وعسكرية تعكر صفو العيش المشترك.
ويتوزع اللاجئون الروهينغا في منطقة "كوكس بازار" على 33 مخيما، وكأنها نواح أو أحياء، ضمن محافظة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون لاجئ، وربما أكثر.
ويتقاسم هؤلاء قصصا من جراح الماضي وما أجبرهم على النزوح والفرار بحياتهم إلى بنغلاديش، ومعاناة العيش في المخيمات التي تغني صورها عن سرد تفاصيل كثيرة، لكن مع آمال وأحلام العودة.
ونجحت الحملات العسكرية والأمنية وأعمال العنف الطائفي في تهجير معظم أبناء الروهينغا من أرياف أراكان، وبات اللاجئون منهم إلى بنغلاديش أكثر ممن بقي داخل ميانمار .
ويقول ناشطون روهينغيون إنهم أزيحوا من الوجود الديمغرافي على أرضهم، فباتوا بلا وطن جغرافيا ووثائقيا أو رسميا بعد أن انتُزعت منهم حقوق المواطنة عام 1982، وما قبل ذلك وبعده من إجراءات.
التقت الجزيرة نت في المخيم بكثير منهم، علي أحمد أحدهم ويعيش في مخيم "كوتوبالونغ" منذ 35 عاما، ويقول "عندما وصلنا إلى بنغلاديش، الحمد لله، اعترفت بنا حكومتها ومفوضية شؤون اللاجئين كلاجئين، نعيش هنا منذ عام 1980، مقابل استمرار التمييز تجاهنا من قبل حكومة ميانمار في أراكان التي قضت على معظم الوجود لأقلية الروهينغا المسلمة، وجردتنا من جنسيتنا وارتكبت إبادة جماعية ضدنا".
وكان علي أحمد ممن شهدوا على حدوث محاولات إعادة للاجئين الروهينغا من قبل حكومة داكا ومفوضية اللاجئين خلال العقود الأخيرة، لكن تلك التجارب لم تؤد إلى عودة مستدامة ومستقرة لهم في أراكان إثر اشتعال الأوضاع مجددا بعد ذلك.
وأضاف "نشعر بإحباط شديد بشأن مستقبل أطفالنا وأحفادنا، أنا مسن وفقدت والديّ في بنغلاديش ولا أعرف كم سأعيش، لكنني أفكر ليلا ونهارا في مستقبل الأجيال القادمة وتعليمهم، وفرصهم في العيش بكرامة".
ولا يقتصر وجودهم على المخيمات في بنغلاديش، فهناك من يعيش خارجها في قرى بمرتفعات قرب السواحل الجنوبية الشرقية لمنطقة كوكس بازار التابعة لمقاطعة "تشيتاغونغ" حيث تسكن عوائل روهينغية هاجرت بعد قرار الحكومة العسكرية لميانمار حرمانها من حقوق المواطنة منذ أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات.
ومن هؤلاء ظفر أحمد، الذي أتعبته سنوات النزوح والمرض بلا علاج كافٍ، يعيش في كوخه وهو اليوم في عقده السابع مع أبنائه وأحفاده، حيث هاجر قبل 44 عاما، ويعانون ظروفا اقتصادية صعبة، ويسعون وراء بعض الأعمال اليومية البسيطة بشكل غير رسمي كالمساعدة في صيد السمك، ومنهم من يضطر إلى خوض غمار البحر باتجاه ماليزيا أو إندونيسيا بحثا عن فرصة عمل.
وقد التقت الجزيرة نت بأحدهم في قرية هضبية، وهو محمد حسين الذي جاء والده مهاجرا، وولد وأبناؤه في المهجر، ويروي قصة مجيء والديه قبل 40 عاما ويقول "جئنا إلى بنغلاديش في ظروف صعبة للغاية عام 1985 بسبب السياسات التمييزية لحكومة ميانمار. وبعد وصولنا، عشنا خارج المخيم قرب الطريق في منازل صغيرة لمدة 20 عاما. والآن لدي 5 أطفال، أما والداي فقد توفيا".
وتتمثل معاناة أي شخص بلا وثائق ولا حقوق مواطنة في تفاصيل كثيرة كما يحدثنا بها محمد حسين الذي خاض تجربة الهجرة بحرا إلى ماليزيا وعمل لفترة ثم عاد إلى أهله في بنغلاديش حيث "لا يُسمح لنا بالقيام بأي شيء رسمي مثل ممارسة الأعمال التجارية أو فتح حساب مصرفي أو الحصول على وثائق قانونية، نحن شعب بلا جنسية وبلا وطن، ونُعتبر لاجئين غير نظاميين".
ويؤكد "لدي الرغبة في العودة إلى ميانمار، ولكن فقط إذا تم الاعتراف بي رسميا كمواطن ميانماري، وحصلت على الحماية الكاملة. وبدون الجنسية والحقوق، فإن العودة مستحيلة".
وبدوره، يصف طاهر حسين أحمد، الناشط في مجال التعليم وعضو منتدى بورما للسلام والتنمية، ما يجول في خاطر الروهينغيين، ويقول "أكبر أمل لنا أن يحصل شعبنا على العدالة والكرامة والحق في العيش بأمان في بلدنا".
وأضاف "نرغب بصدق في ذلك، لكننا نسعى إلى عودة حقيقية مع حقوق كاملة وضمانات للأمن من قبل المجتمع الدولي، وليست عودة مؤقتة ستجبرنا مرة أخرى على الفرار".
ويذكر "في الماضي تمت إعادة بعض اللاجئين بدعم من المجتمع الدولي وحكومة داكا، لكن العديد منهم واجهوا الاضطهاد مرة أخرى واضطروا إلى الفرار ثانية إلى بنغلاديش".
واستذكر أحمد واقع الروهينغا بين الحضور السياسي في الماضي مقابل فقدان الأرض والتهجير اليوم، موضحا "عام 1430 وما بعده كانت أراكان تحت حكم المسلمين الروهينغا، كنا نعيش بسلام، ونمارس أعمالنا التجارية ونتمتع بحياة كريمة، لكن كل شيء تغير عندما بدأت الحكومة ممارسة سياسيات التمييز الممنهج والإبادة الجماعية ضدنا".
وتابع "في الماضي، كنا نتمتع بحقوق متساوية، مثل جيراننا البوذيين الريكاين، لكن وببطء، أدخلت علينا حكومة ميانمار قرارات وخططا سياسية جردتنا من تلك الحقوق، وحُرمنا من الحريات الأساسية، وسُلبت جنسيتنا، وعوملنا كما لو أننا لا ننتمي إلى وطننا، أجبرنا بذلك مع مئات الآلاف غيرنا على الفرار إلى بنغلاديش، وأنا أحدهم وأعيش فيها منذ 8 سنوات هنا، ونعتقد أن المجتمع الدولي يجب أن يعرف حقيقة معاناتنا".
ازداد التحدي الجيوسياسي والعسكري والأمني اليوم أمام أي عودة للروهينغا تعقيدا، بتوسع سيطرة ما يعرف بجيش أراكان -من قومية الريكاين البوذية- خلال أقل من عامين، وسيطرته على معظم مساحة ولاية أراكان وتوسعه لولاية مجاورة، مقابل انكماش مناطق سيطرة الجيش الميانماري الذي بقي في مناطق ضيقة جغرافيا.
وهذا المشهد يجعل أمر العودة الشائك مرتبطا بالواقع الجيوسياسي على الأرض، ومن له السيادة في أرياف الروهينغيين التي هجروا منها، ثم الدور الإقليمي والدولي الضامن والمنسق كما يفترض مع جميع الأطراف سواء كانت جيش وحكومة ميانمار أو جيش أراكان.
أما البيت الداخلي للروهينغا، فإن مساعي ترتيبه كانت على قدم وساق خلال الشهور الماضية، تعزيزا لموقفهم على الساحة الدولية وفي التواصل مع الجهات المعنية، وبسبب وجود عشرات الجمعيات والمؤسسات والهيئات الصغيرة التي تعمل إنسانيا أو حقوقيا أو خدميا بين هذه الأقلية في الداخل والمهجر.
قرى روهينغية في مرتفعات قرب السواحل الجنوبية الشرقية لبنغلاديش (الجزيرة)وأثمرت هذه الجهود في الأسابيع الأخيرة عن تأسيس ما بات يُعرف بـ"مجلس الروهينغا الموحد" بانتخابات وإن كانت عدديا محدودة بمشاركة 3693 ناخبا ممثلا عن 33 مخيما للاجئين في بنغلاديش، اختاروا نحو 500 مستشار انتخبوا بدورهم 28 عضوا تنفيذيا، و5 رؤساء بالتناوب، حسب تقارير لنشطاء حضروا تلك الإجراءات.
لكن هذا المجلس حسب ناشطين روهينغيين سيواجه تحديات كبيرة، في التعامل مع الهيئات الدولية والمنظمات الأممية، خاصة في ملف التوطين وإعادة الروهينغا إلى بلادهم، كما أن مخيماتهم تواجه تحديات إنسانية واقتصادية واجتماعية، وأخرى تتعلق بقضايا العقود والمنح وتوفير الأمن والخدمات الحياتية من صحة وتعليم وغذاء.
ويبدو أنه لن يوقف جهود هيئات وجمعيات روهينغية كثيرة حاضرة إقليميا ودوليا في آسيا وأفريقيا ودول غربية تسعى لإبقاء جذوة الاهتمام والمتابعة لهذا الملف على الساحة الدولية سياسيا وإنسانيا وإعلاميا.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة