تونس- تعيش عائلات المعتقلين السياسيين في تونس ، الموقوفين منذ قرابة 3 سنوات في ما يعرف بـ" قضية التآمر على أمن الدولة 1″، قلقا وترقبا بعد دخول عدد من المعتقلين في إضراب عن الطعام تضامنا مع القيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك، الذي تدهورت حالته الصحية بشكل خطير منذ دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام قبل 13 يوما.
والتحق منذ نحو أسبوع عدد من المعتقلين السياسيين بإضراب بن مبارك، بينهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ، والقيادي السابق بالحركة عبد الحميد الجلاصي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، ووالد المعتقل بن مبارك المناضل عز الدين الحزقي، وجميعهم من أبرز المعارضين للرئيس التونسي قيس سعيد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 وتوليه إدارة البلاد بقبضة مشددة.
وقبل أيام بات أفراد عائلات هؤلاء المعتقلين يعتصمون يوميا في مقر الحزب الجمهوري بالعاصمة، وينظمون لقاءات ومؤتمرات صحفية لمساندتهم، مدفوعين بخوف عميق على حياتهم، خاصة أن أغلبهم مُسنّون ويعانون أمراضا مزمنة تتطلب متابعة طبية دقيقة.
وتعيش هذه العائلات وضعا نفسيا بالغ الصعوبة، بين قلق على صحة أبنائهم المضربين عن الطعام ومخاوف من إصابتهم بجلطات دماغية، وفق ما يؤكده بعض الأطباء، وبين خشيتهم من استمرار السلطة في محاكمتهم "عن بعد" خلال جلسة الاستئناف المقررة يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، دون حضورهم أمام القاضي أو تمكينهم من محاكمة علنية تنقل إعلاميا، رغم العقوبات القاسية التي صدرت بحقهم في الطور الابتدائي.
وكانت المحكمة الابتدائية بتونس قد أصدرت في أبريل/نيسان الماضي، أحكاما تراوحت بين 4 و66 سنة سجنا في القضية نفسها.
وحكم جوهر بن مبارك وعصام الشابي بـ18 سنة سجنا، وعبد الحميد الجلاصي بـ13 سنة، في حين يلاحق راشد الغنوشي في قضية "التآمر على أمن الدولة 2" وقضايا أخرى، وبلغ مجموع العقوبات الصادرة ضده في الطور الابتدائي نحو 40 سنة.
ويواصل المحامون وعائلات المعتقلين ونشطاء مطالبتهم بإطلاق سراحهم، معتبرين أن التهم الموجهة إليهم تفتقر إلى أي أدلة، وأن القضية تستهدف إقصاء المعارضين للرئيس سعيد.
ونظم أهالي المعتقلين، مؤخرا، لقاءات تحدثوا فيها عن أوضاعهم الصعبة بعد زيارة ذويهم في السجن، مؤكدين تمسكهم بالإضراب عن الطعام رفضا لما يرونه ظلما واحتجاجا على محاكمتهم عن بعد، ومطالبين بمحاكمة علنية وعادلة.
ويعيش عز الدين الحزقي، والد جوهر بن مبارك، معاناة نفسية وجسدية قاسية، فالرجل الثمانيني يواصل إضرابا رمزيا تضامنا مع ابنه، وقد بدا مرهقا ووجهه شاحب وعيناه غائرتان، وهو يُعبّر عن قلق عميق على حياة ابنه الذي أصبح غير قادر على الوقوف على قدميه والمشي ويفقد الوعي، ومع ذلك لا يُسمح له بزيارته سوى مرة واحدة أسبوعيا في سجن بلي بمحافظة نابل.
ويقول الحزقي للجزيرة نت، إن ابنه أضرب رفضا للظلم والتعسف الذي تمارسه السلطة، متسائلا عن الجرم الذي ارتكبه حتى يُعامل بهذه القسوة، وشدد على أن الملف القضائي مبني على وشايتين لا أساس لهما من الأدلة أو الوثائق، وأن القضية لا تعدو أن تكون ذريعة لتصفية حسابات سياسية مع المعارضة.
ويُعد الحزقي من أبرز المناضلين اليساريين في تونس، وقد سُجن لسنوات خلال حكم الرئيس الحبيب بورقيبة و زين العابدين بن علي بسبب نشاطه السياسي، واليوم يشعر بمرارة عميقة، قائلا "أحلام الحرية التي رافقت ثورة 2010 تحطمت مع وصول قيس سعيد إلى السلطة".
وظهر اليوم الأربعاء، نشرت دليلة بن مبارك، شقيقة المعتقل جوهر بن مبارك، مقطع مصور، قالت فيه إنه تعرض الليلة الماضية للضرب والركل المبرح من السجانين في سجن "بلي" بمحافظة نابل (شمال) ما أدى إلى إغمائه وكسر ضلعه، نقلا عن شهادة لمحامية قامت بزيارته.
وتتهم المعارضة التونسية السلطة بفبركة قضية التآمر استنادا إلى وشايات من مخبريْن -أحدهما داخل السجن- مؤكدة أن الملف يخلو من أي معطيات استخباراتية أو أمنية موثوقة، وأن اللجوء للمحاكمة عن بعد هدفه التستر على ضعف الملف وإخفاء الحقائق.
ويقول الحزقي إن القضية لا تحتوي إلا على اتصالات علنية بين سياسيين معروفين بنشاطهم السلمي، هدفها توحيد صفوف المعارضة، وهو ما أثار فزع السلطة ودفعها إلى تلفيق التهم واعتقالهم.
ويخشى الحزقي من أن تكون جلسة الاستئناف المرتقبة يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري مجرد محطة جديدة في "مسلسل التشفّي"، مستشهدا بخطابات الرئيس الأخيرة التي تكررت فيها اتهامات للمعارضين بالخيانة والتآمر والعمالة.
من جهتها، تعيش النائبة السابقة وزوجة المعتقل عبد الحميد الجلاصي، منية إبراهيم، وضعا نفسيا قاسيا بعد أن وجدت نفسها وحيدة إثر سجن زوجها.
وتقول للجزيرة نت، إن حالته الصحية ساءت بعد اكتشاف عودة مرض السرطان إليه داخل السجن، وأنه يعاني من ظروف احتجاز صعبة تتسم ببرودة الشتاء وحر الصيف وسوء التغذية ونقص الرعاية الصحية.
وتحمّل منية السلطة مسؤولية الخطر الذي يهدد حياة زوجها، مؤكدة أن إضرابه عن الطعام كان احتجاجا على الظلم وتضامنا مع جوهر بن مبارك.
وتستعيد مسيرة زوجها الذي قضى أكثر 17 عاما في سجون نظام بن علي بسبب معارضته للاستبداد، لتجد نفسها اليوم أمام المشهد نفسه بعد 3 أعوام من اعتقاله في عهد قيس سعيد، معتبرة أن قضيته سياسية بامتياز وأنها تستهدف كل من حاول توحيد المعارضة لمواجهة نزعة الحكم الفردي.
أما عبد العزيز الشابي، نجل الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، فيعبّر عن قلقه على والده الذي دخل بدوره في إضراب عن الطعام منذ أسبوع احتجاجا على محاكمته عن بعد، معتبرا أن موقفه شجاع ومبدئي دفاعا عن الحرية والكرامة، رغم المعاناة التي تعيشها العائلة في غيابه.
ويشير إلى رسالة والده من داخل سجن المرناقية، التي شدد فيها على أن التهم الموجهة إليه ولرفاقه "سياسية"، وأن الهدف منها القضاء على التعددية وخنق الحريات، مؤكدا تصميمه على مقاومة الظلم حتى النهاية، وفق تعبيره.
ويرى أن استمرار محاكمة والده وبقية المساجين السياسيين عن بعد يعكس خوف السلطة من المواجهة المباشرة، ويكشف سعيها لإخفاء الحقيقة عن الرأي العام.
هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية "التآمر" بتونس تقول إن المحامي والسياسي المعتقل رضا بلحاج دخل في إضرابٍ عن الطعام منذ السبت 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تضامنًا مع الإضراب الذي يخوضه السياسي المعتقل جوهر بن مبارك pic.twitter.com/JXFVwUmu0A
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 12, 2025
في الأثناء، دعا عميد المحامين، بوبكر بالثابت، إلى ضرورة ضمان علنية المحاكمة في قضية "التآمر على أمن الدولة 1″، مؤكدا أن عمادة المحامين لن تقبل محاكمة لا تتوفر فيها شروط العدالة والشفافية.
وتعود فصول هذه القضية إلى فبراير/شباط 2023 حين تم إيقاف عدد من السياسيين والناشطين والمحامين بتهم تتعلق بـ"تكوين وفاق بغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" والانضمام إلى تنظيم إرهابي، ويشمل الملف قرابة 40 متهما.
ويتهم الرئيس قيس سعيد هؤلاء بالتآمر وافتعال الأزمات، في حين ترى المعارضة أن السلطة تستخدم القضاء لتصفية خصومها منذ إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، التي تعتبرها "انقلابا على دستور الثورة"، في حين يصفها مؤيدو الرئيس بأنها "تصحيح لمسارها"، أما سعيد نفسه، فيؤكد أن تلك الإجراءات دستورية وتهدف لحماية الدولة من خطر داهم، دون المساس بالحريات العامة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة