يشهد قطاع غزة اليوم مأساة إنسانية صامتة، إذ يموت المرضى والمصابون ببطء في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، واستمرار للحصار الإسرائيلي، وتباطؤ المجتمع الدولي في إجلاء الحالات الحرجة للعلاج في الخارج.
وقالت صحيفة لوموند إن أكثر من 18 ألف شخص ينتظرون التحويل إلى مستشفيات أجنبية، في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصاءات وفاة نحو ألف مريض، بينهم عشرات الأطفال بسبب تأخر خروجهم.
ومن بين القصص المؤلمة التي تختصر معاناة الغزيين -كما أوردت الصحيفة في تقرير بقلم ماري جو صدر- قصة البنتين التوأمين روان ورزان بربخ المصابتين بسرطان الدم، حيث كانت رزان على وشك مغادرة القطاع لتلقي العلاج، لكن القصف الإسرائيلي دمر منزلها وأصابها بجروح بالغة أجبرت الأطباء على بتر ساقيها.
ماتت الطفلة بعد شهر من الألم والعجز في مستشفى ناصر ب خان يونس -كما تقول الصحيفة- في حين نقلت شقيقتها روان لاحقا إلى الإمارات لاستكمال علاجها، لكن العملية توقفت لعدم وجود متبرع، ولأن والدها ممنوع من السفر.
تجسد هذه الحكاية مأساة آلاف المرضى الذين تركوا لمصيرهم بعد تدمير 94% من المرافق الصحية في غزة ومقتل 1700 من الكوادر الطبية خلال الحرب التي استمرت عامين ووصفت بأنها إبادة جماعية ، كما تقول الصحيفة.
ومثل رزان، توفي نحو ألف مريض كانوا ينتظرون الإجلاء للعلاج، من بينهم 154 طفلا. يقول الدكتور محمد أبو ندى، مدير مركز السرطان في مستشفى ناصر: "لا يوجد أي علاج بيولوجي أو إشعاعي لمرضى السرطان. طوال عام كامل لم نجر أي جلسة كيماوية واحدة".
ويؤكد الأطباء أن ما يقارب نصف مرضى السرطان البالغ عددهم 12 ألفا و500 شخص لا يتلقون أي علاج، لأن معظم عمليات العلاج الكيماوي والإشعاعي توقفت بعد تدمير مستشفى الصداقة التركي ومستشفى الرنتيسي.
ورغم دخول وقف لإطلاق النار هش في أكتوبر/تشرين الماضي حيز التنفيذ، ما زال المئات يموتون بصمت بسبب نقص الدواء والمعدات، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات غير المباشرة نتيجة انهيار النظام الصحي والجوع ونقص المياه قد يتجاوز 345 ألف وفاة، وهو رقم يفوق بأضعاف حصيلة القصف المباشر، حسب الصحيفة.
وذكرت الصحيفة أن المساعدات الإنسانية لا تزال غير كافية، إذ لم يفتح سوى معبري كرم أبو سالم وكسوفيم وبشكل محدود، ويقول الدكتور محمد أبو سلمية مدير مستشفى الشفاء في غزة إنه "لم يدخل سوى 10% من احتياجات القطاع، وهي لا تلبي أولوياتنا. كل يوم يموت مرضى كان يمكن إنقاذهم".
وتفتقر المستشفيات -كما يقول الدكتور- إلى أجهزة التشخيص الحيوية، لأن جميع أجهزة الرنين المغناطيسي دُمرت، ومعظم أجهزة الأشعة المقطعية والمختبرات، كما توقفت العمليات الكبرى بسبب نقص الوقود والمعدات.
ولهذا تختصر حياة آلاف المرضى في الجلوس على قوائم انتظار طويلة لا تنتهي -كما تقول الصحيفة- حيث يفقد مرضى الفشل الكلوي حياتهم بسبب تدمير مراكز الغسيل ونقص الوقود، ويبقى الأطباء عاجزين أمام حالات شابة تموت أمام أعينهم.
ورغم أن الاتفاق الذي رعاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينص على إعادة فتح معبر رفح والسماح بخروج المرضى من دون قيود، فإن المعبر لا يزال مغلقا بأمر إسرائيلي منذ مايو/أيار 2024، كما توضح الصحيفة الفرنسية.
الناس لا يملكون سوى الانتظار وسط قوائم مكتظة بالأسماء والآمال المعلقة، في حين يموت المرضى في صمت بين جدران المستشفيات المهدمة في غزة
ومن بين أكثر من 18 ألف مريض على قائمة الإجلاء، لم يسمح لأكثر من 146 شخصا بالخروج منذ الهدنة، أي بمعدل أقل من 5 مرضى يوميا، معظمهم إلى مصر والإمارات وقطر.
وتحمّل منظمات دولية، بينها يونيسف و منظمة الصحة العالمية ، المسؤولية لإسرائيل والدول الغربية على حد سواء بسبب ضعف الضغط السياسي والإرادة الإنسانية، تقول المتحدثة باسم يونيسف فلسطين روزاليا بولن إن "المشكلة الآن ليست فقط في إسرائيل، بل أيضا في الدول الغربية التي لا تبدي استعدادا كافيا لاستقبال المرضى".
وخلصت لوموند إلى أن الواقع في غزة يختصر مأساة إنسانية غير مسبوقة، فكل تشخيص طبي جديد يعدّ حكما بالموت على صاحبه، والناس لا يملكون سوى الانتظار وسط قوائم مكتظة بالأسماء والآمال المعلقة، في حين يموت المرضى في صمت بين جدران المستشفيات المهدمة في غزة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة