آخر الأخبار

بعد اقتراع ثلث يهودها لصالحه.. تصويت نيويورك لممداني يقلق إسرائيل

شارك

فاز زهران ممداني أو محمداني في انتخابات نيويورك ليدخل التاريخ كأول مسلم يتولى منصب عمدة المدينة الأكثر يهودية في العالم بعد تل أبيب. وليس خافيا أن البعد الديني في الموضوع لم يشكل العنصر الأشد ظهورا في الصراع الانتخابي الذي سبق النتيجة مقارنة بالبعدين السياسي والاجتماعي الاقتصادي.

ورغم إعلان ممداني نفسه في كل منبر أنه مسلم اشتراكي فإنه شدد على عدائه لكل كراهية دينية وتأكيده أنه مع المظلومين والمحرومين وضد الظلم والاستغلال. ومن موقعه هذا فاز بترشيح الحزب الديمقراطي، ناقلا الجناح التقدمي في الحزب من الهامش إلى مركز الحلبة السياسية في مواجهة إدارة ترامب وإسرائيل وحتى ضد المؤسسة الحزبية الديمقراطية التقليدية. ولم يكن مبالغا فيه إعلان ممداني بعد تأكيد فوزه: "أرى فجر يوم جديد للإنسانية"، خصوصا أنه أول مسلم وأصغر عمدة في تاريخ هذه المدينة المركزية.

واستبق الرئيس الأميركي دونالد ترامب نشر النتائج بأن غرد على منصة التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" مساء الثلاثاء كتب فيها: "أي يهودي يصوت لزهران ممداني، الكاره المُعلن لليهود، هو شخص غبي" وسبق ذلك بإصدار بيان لاذع ضد ممداني وصفه فيه بـ"الشيوعي"، مهددا بأنه في حال انتخابه، "لن أُحوّل على الأرجح أموالا فدرالية إلى مدينتي الحبيبة، موطني الأول، إلا الحد الأدنى الضروري".

ورغم أن الحدث أميركي بامتياز وتبريراته الأساسية أميركية داخلية، فإن السياسة الخارجية نالت حيزا هاما من الجدل الانتخابي الذي شارك فيه وبقوة الرئيس الأميركي ترامب ولعبت فيه الحرب الإسرائيلية على غزة دورا لا يستهان به. فقد نشر استطلاع لشبكة "سي إن إن" أفاد بأن حوالي 38% من المشاركين في الانتخابات أكدوا أن موقف المرشح من إسرائيل كان عاملا أساسيا في قرارهم بشأن من سيصوتون له، بينما قال حوالي 30% إنه عامل ثانوي، وأفاد 29% بأن هذه القضية لم تؤثر على تصويتهم على الإطلاق.

انقسام يهودي

وكذلك لأن نتائج الانتخابات عنت الكثير ليس فقط لموقف ممداني وأنصاره من إسرائيل وإنما أيضا لما عكسته من انقسام يهودي أميركي داخلي تجاه إسرائيل وجرائمها. وكان يهود نيويورك بين أبرز من ناصروا الفصل بين معاداة الصهيونية والحرب ومعاداة اللاسامية، خصوصا في حركة "ليس باسمنا" المناهضة للحرب، وربما لمثل هذه الاعتبارات كان القلق الإسرائيلي واضحا من انحياز الحزب الديمقراطي، خصوصا شبابه وجناحه التقدمي، ضد الحرب.

إعلان

وتاريخيا كان معروفا أن اليهود في أميركا يميلون إلى مناصرة الحزب الديمقراطي، رغم أن نسبة من صوتوا لممداني في الانتخابات كانت قريبة من ثلث أصواتهم فقط، إذ صوت 60% من يهود نيويورك لمنافس ممداني الرئيسي الديمقراطي المستقل أندرو كومو، وبنسبة 5% فقط للمرشح الجمهوري كورتيس سليوا.

مصدر الصورة حدث فوز ممداني أميركي بامتياز لكنه ترك أثره العميق في إسرائيل (رويترز)

ومعروف أن الانتخابات أثارت قلقا وانقساما بالغا داخل الجالية اليهودية في نيويورك، وهي الأكبر في الولايات المتحدة. ممداني، الذي أصبح أحد أبرز الأصوات المناهضة للصهيونية في السياسة الأميركية خلال العام الماضي، رفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

وسبق أن أعرب عن دعمه لحركة المقاطعة ضد إسرائيل، ودعا إلى اعتقال رئيس حكومتها، المطلوب للجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو إذا زار مدينة نيويورك. كما أنه أيام دراسته الجامعية، أسس فرعا لمنظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (إس جي بي) ودعا إلى مقاطعة إسرائيل. ويصف باستمرار أفعال إسرائيل في غزة بأنها "إبادة جماعية" و"جرائم حرب". ويتهم الولايات المتحدة "برعاية الإبادة الجماعية " ويصف إسرائيل بأنها "دولة فصل عنصري".

ومع ذلك تحدثت قناة "سي إن إن" مع إحدى ناخبات ممداني، غلوري ميسان، وهي يهودية من نيويورك تبلغ من العمر 91 عاما، التي قالت عنه: "أُعجب بأفكاره في التعليم والإسكان وخطوط الحافلات، ورؤاه وحساسيته الإنسانية"، مضيفة أن ممداني سيكون "رائعا" في مواجهة الرئيس ترامب. وأضافت: "من يهتمون فقط بقضية إسرائيل، في رأيي، ضيقو الأفق ولا يرون الصورة كاملة".

وتحدث ناخب آخر لممداني لصحيفة " نيويورك تايمز "، زاك كادي، 37 عاما، الذي أحضر طفليه إلى صناديق الاقتراع عندما صوّت. قال: "بصفتي عائلة يهودية، أجد موقف كومو مسيئا ومتعاليا. انتقاد إسرائيل ليس معاداة للسامية".

المنظمات الأميركية الصهيونية

وقد أصدرت المنظمات اليهودية الصهيونية الأميركية بيانا مشتركا بعد فوز ممداني تناول مواقفه المعادية للصهيونية: "لقد قال شعب نيويورك كلمته وانتخبوا زهران ممداني ليكون عمدة نيويورك القادم. نتفهم أن الناخبين كانوا مدفوعين بمجموعة واسعة من القضايا، لكن لا يمكننا تجاهل حقيقة أن رئيس البلدية المنتخب يتبنى مواقف جوهرية تتعارض جوهريا مع المعتقدات الراسخة والقيم الأعز لمجتمعنا".

مصدر الصورة حاخامات يتجمعون لالتقاط صورة سنوية أمام مقر الطائفة اليهودية الأرثوذكسية العالمي في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في نيويورك (غيتي)

الواقع يشهد على أن جانبا من نجاح ممداني في حملته يعود إلى تراجع دور ومكانة اللوبي الصهيوني في أميركا وإلى فشل محاولات صده من جانبهم. فتوقيع أكثر من ألف حاخام في جميع أرجاء الولايات المتحدة على نداء يحذر من انتخابه بسبب موقفه من الصهيونية وإسرائيل لم يؤثر على 33% من اليهود الذين صوتوا له.

كما أن التحذيرات من العواقب الاقتصادية حيث توجد آلاف المشاريع اليهودية والإسرائيلية في نيويورك لم تحقق غايتها، ولذلك فإن انتهاء الانتخابات تعد بداية معركة دعائية واقتصادية كبرى لإفشال ليس فقط ممداني وإنما أيضا لصد موجة التغيير الكبرى المتوقعة، ليس في أميركا وحدها وإنما ربما في العالم أيضا.

إعلان

ولذلك من أبرز ما قال ممداني فور نجاحه: "في عصر سياسي مظلم، ستكون نيويورك نورا. هنا سندافع عن أحبائنا. سواء كنت مهاجرا، أو شخصا أسود طرده ترامب من وظيفة فدرالية، أو أمّاً عزباء. سنبني مدينة تقف مع اليهود وتحارب معاداة السامية، حيث يشعر مليون مسلم بالانتماء، ليس فقط في الشوارع بل في صفوف السلطة. ليست مدينة أخرى يمكنك فيها نشر الإسلاموفوبيا والفوز في الانتخابات". وإذا كان هذا الكلام يطمئن اليهود فإنه يزعج إسرائيل التي تبني دعايتها وسياستها على أساس نشر الإسلاموفوبيا من خلال التركيز على ما تسميه "التراث اليهودي المسيحي المشترك" وصراع الحضارات.

لكن ممداني من الآن فصاعدا سوف يقاس بالأفعال وليس بالأقوال، خصوصا في تعامله مع يهود نيويورك المنقسمين على أنفسهم تجاهه. هل سيكسب المزيد منهم فيزيد الشرخ بينهم وبين إسرائيل عبر تكريس التمييز بين معاداة الصهيونية ومعاداة اللاسامية أم سينجح خصومه في تبهيت هذا التمييز؟ وهل سيفلح ممداني في التوفيق بين شعاراته الانتخابية وممارساته الواقعية على الأرض في ظل احتشاد الخصوم من داخل أميركا ومن إسرائيل ضده لمنع اتساع موجة التغيير التي يعبر عنها.

صاعقة في إسرائيل

وفي إسرائيل كان فوز ممداني أشبه بالصاعقة في أسوأ الأوقات، خصوصا في ظل تراجع مكانة إسرائيل في العالم عموما وفي أميركا على وجه الخصوص، ورأى كثير من الإسرائيليين في هذا الفوز دلالة شؤم على ما هو قادم وأن نيويورك ليست سوى البداية.

ففي موقع القناة 12 كتب عوفر حداد أنه "بعد 24 عاما من تعرضها لأسوأ هجوم إرهابي في تاريخ الولايات المتحدة والعالم، رفعت مدينة نيويورك إلى مستوى العظمة رجلا، كالمجرم الفاشل، يُشيد بمنظمة إرهابية جهادية تُدعى حماس. كما رفض عمدة نيويورك الجديد، زهران ممداني، وصف حماس بالمنظمة الإرهابية حتى بعد هجوم 7 أكتوبر ". واعتبر أن انتخاب ممداني "بمثابة جرس إنذار لإسرائيل. الغرب، بما في ذلك أقرب صديق لنا، يتجه نحو منطقة مُرعبة، ويستحق الاستعداد لذلك، ويفضل أن يكون ذلك قبل عام".

كما طالب يائير بالاخوفسكي أيضا في موقع القناة 12 إسرائيل بالاستيقاظ لأن انتخاب ممداني "ليس مجرد انتصار سياسي محلي، بل هو رمز لاضطراب ثقافي عميق يهدد الهوية اليهودية والصهيونية". وفي نظره فإنه "خلف الكلمات الجميلة، تكمن ثورة هادئة، ثورة لا تأتي بالقنابل والإرهاب، بل بالابتسامات والكلمات الرقيقة. إنها ثورة وعي، ما أسميه الجهاد الصامت. صراعٌ طويل الأمد من أجل روح الغرب، وتسللٌ مُدبّر للأفكار المعادية للصهيونية إلى أهم مراكز القوة في الأوساط الأكاديمية والثقافية والإعلامية، والآن، كما رأينا في نيويورك، في السياسة. وإسرائيل، رمز الدولة القومية اليهودية، في قلب العاصفة".

مصدر الصورة قلق في إسرائيل من أن يؤدي فوز ممداني إلى فطر الارتباط التدريجي بالاستثمارات الإسرائيلية (أسوشيتد برس)

والقلق الإسرائيلي، وفق نيويورك تايمز، يعود جزئيا إلى احتمال استخدام ممداني صلاحياته كعمدة للترويج لسياسة فك الارتباط التدريجي بالاستثمارات الإسرائيلية. ومعروف عنه دعمه سابقا لحركة المقاطعة علنا، وقيادته مبادرات ضد المنظمات الاستيطانية في الضفة الغربية.

كما سبق له أن صرح بأنه لا يوجد مبرر لاستثمار الأموال العامة "بطريقة تنتهك القانون الدولي "، في إشارة إلى صناديق التقاعد البلدية التي تبلغ قيمتها حوالي 300 مليار دولار. وأوضح أنه سينظر في وقف الاستثمار في سندات الخزينة الإسرائيلية، وإعادة النظر في أنشطة مجلس "نيويورك-إسرائيل"، الذي أُنشئ لتعزيز العلاقات الاقتصادية، بل تحدث حتى عن إعادة النظر في التعاون القائم، مثل التعاون بين معهد التخنيون وجامعة كورنيل.

الارتباك

وكتب الوزير الليكودي السابق، زلمان شوفال، أن الأرض بعد انتخاب ممداني تهتز تحت أقدام ترامب وأن على إسرائيل أن تقلق، وبدا واضحا أن الارتباك سيد الموقف الرسمي الإسرائيلي حيث امتنعت الخارجية الإسرائيلية عن إبداء أي موقف.

إعلان

وطفت على السطح مواقف المتطرفين جدا أمثال الوزير بن غفير الذي قال إن انتخابه "سيُذكر مدى الحياة"، على حد تعبيره. وأضاف بن غفير: "لقد تغلبت معاداة السامية على المنطق السليم. ممداني مؤيد لحماس، وكاره لإسرائيل، ومعادٍ صريح للسامية".

كما أن زعيم حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان ، علق على انتخاب ممداني قائلا: "الرجل الذي دعم حماس، وهاجم إسرائيل، وحمّل الغرب مسؤولية كل مشاكل العالم، انتُخب عمدة لنيويورك. بعد 3 عقود فقط من الكارثة المزدوجة، انتخبت نيويورك عنصريا وشعبويا وإسلاميا شيعيا عمدة لها. ممداني هو رمز الجهاد الصامت".

مصدر الصورة أردان: هذا يوم أسود وحزين (الجزيرة)

كذلك علق السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة، جلعاد أردان، قائلا إن "كارها لإسرائيل، ينظر إلينا كدولة فصل عنصري، ترتكب إبادة جماعية ولا يعترف بإسرائيل كدولة يهودية، قد اختير لقيادة أهم مدينة في العالم تضم أكبر عدد من اليهود خارج إسرائيل". وأضاف: "هذا يوم أسود، يوم حزين. إنها علامة تحذيرية كبيرة. على إسرائيل أن تستيقظ وتنفذ خطة شاملة لتعزيز صورتها في الولايات المتحدة".

أما وزير التراث، عميحاي إلياهو، فشن هجوما على يهود نيويورك الذين دعموا العمدة الجديد، قائلا: "إن دعم يهود نيويورك للعمدة المنتخب، زهران ممداني، ليس مفاجئا. هذا الرجل، الذي لا يُخفي كراهيته لدولة إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي ، وجد إلى جانبه بعض اليهود الذين رفعوا أيديهم إلى جانب معاداة السامية في قلب الولايات المتحدة. وأضاف قائلا: "اليهود الكارهون لليهود موجودون حولنا منذ بداية تاريخنا".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا