رأى الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس غيدي ويتز، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال يخوض معركته القضائية الطويلة بإصرار على تأجيل محاكمته لأطول فترة ممكنة، وذلك على الرغم من أن الحرب في غزة ربما تكون قد وضعت أوزارها.
وبعد أكثر من 5 سنوات على بدء محاكمته بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، يشير ويتز إلى أن القضية التي وُصفت يوما بأنها اختبار لما يسمى الديمقراطية الإسرائيلية تحولت إلى مسرح سياسي يهدد ركائز النظام القانوني في إسرائيل ، بعدما كان يُفترض أن تكون دليلا على المساواة أمام القانون، فإذا بها تصبح مثالا صارخا لانتصار السلطة الحكومية على القضاء.
ويشير الكاتب -الذي يُعدّ أحد أبرز الصحفيين الاستقصائيين المعروفين بمتابعتهم لقضايا الفساد السياسي ولا سيما قضايا نتنياهو-، إلى أن رئيس الوزراء يسعى بكل الوسائل إلى تمديد المحاكمة لأطول فترة ممكنة، على أمل إيجاد مخرج سياسي أو قانوني يجنّبه الإدانة.
ويستعير في هذا السياق وصف مصدر إستراتيجي لما يجري بالقول "نحن على أعتاب نظام حكم مختلف". ويؤكد أن نتنياهو يعمل عبر شبكة واسعة من المساعدين والمقربين، بدءا من علاقاته الخارجية التي تصل حتى البيت الأبيض ، وصولا إلى شركائه في الائتلاف الحاكم الذين يروّجون لقوانين تهدف إلى تقويض سلطة النيابة العامة وتفكيكها إلى 3 هيئات منفصلة، بحيث يتمكن من تعيين شخصية موالية في منصب المدعي العام لإنهاء محاكمته.
ويستدعي الكاتب السياق التاريخي لمحاكمة نتنياهو، ويقول إنه منذ عام 2020، حين وافقت المحكمة العليا على منحه الضوء الأخضر لتولي رئاسة الحكومة رغم توجيه لائحة الاتهام ضده، تعهد بالفصل بين مهامه الرسمية كزعيم للبلاد ووضعه كمتهم في المحكمة.
ويعلق على ذلك بالقول إن "الجدار الذي تحدث عنه نتنياهو كان من ورق"، مضيفا أن "المحاكمة تأجلت عشرات المرات بناء على طلبات نتنياهو أو فريقه، بحجة اجتماعات أمنية أو التطورات السياسية. وفي كل مرة، كان القضاة يوافقون، مما أضعف ثقة الجمهور بالمؤسسة القضائية وأعطى انطباعا بأن رئيس الوزراء فوق القانون".
وبحسب المقال، فإن القضاة حاولوا مرارا تسريع الإجراءات من خلال زيادة عدد الجلسات الأسبوعية، لكن الحرب في غزة نسفت تلك الخطط. وعندما قرروا أخيرا استئناف الجدول المكثف، واجهوا مقاومة شديدة من محامي الدفاع عميت حداد الذي هدد بالاستقالة، قبل أن يتراجع بعدما أدرك أن القضاة مستعدون مرة أخرى لتلبية طلبات نتنياهو وتأجيل الجلسات متى شاء.
ويصف ويتز مشاهد الجلسات الأخيرة بأنها أقرب إلى "عرض انتخابي" منه إلى محاكمة قضائية. فقد أمر نتنياهو كبار أعضاء حزب الليكود بالحضور إلى المحكمة لإظهار الدعم له وممارسة الضغط على القضاة والمدعين العامين. وأحد هؤلاء كان نائب الوزير ألموج كوهين، الذي صرخ في وجه المدعي العام جوناثان تدمور قائلا "نحن بحاجة إلى إعادة الرهائن، لا إلى محاكمة انهارت!".
كما حضر إلى المحكمة أحد عناصر اليمين المتطرف المعروفين بعنفهم، وهو مردخاي دافيد، الذي دخل القاعة بناء على طلب مكتب رئيس الوزراء، بحسب ما نقل شهود عيان، وهدد صحفيين اثنين داخل المحكمة قبل أن يُعاد إدخاله بعد اعتذار شكلي.
وينقل الكاتب عن أحد الحاضرين في القاعة قوله "هذا ليس سوى عرض ترويجي للانتخابات. نتنياهو يريد ترهيب خصومه وإرسال رسالة للقضاة".
ويرى ويتز أن ما يجري يذكّر بأساليب الحركات الفاشية التي استخدمت العنف اللفظي والجسدي لإسكات المعارضين.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، يتوقع الكاتب أن تتكرر هذه الطقوس في كل جلسة قادمة، حيث سيتذرع نتنياهو بأسباب أمنية لتأجيل استجوابه، ويتولى وزراؤه ومؤيدوه الضغط على القضاء والإعلام، في حين يتصاعد خطاب الكراهية ضد كل من يجرؤ على انتقاده.
ويضيف ويتز أن المدعي العام غالي بهاراف ميارا وقضاة المحكمة العليا فقدوا السيطرة على سير المحاكمة، مشيرا إلى أنهم لو كانوا صادقين مع أنفسهم لأعلنوا منذ وقت طويل أن نتنياهو غير قادر على أداء مهامه بسبب تضارب المصالح الواضح، وقرروا استبعاده من منصبه. لكنهم فضلوا الصمت، مما جعل المحكمة تبدو كأنها متواطئة في "سيرك سياسي وقانوني" يديره رئيس الوزراء.
مع استمرار المحاكمة وتزايد التوتر السياسي في البلاد، يحذر الكاتب من أن الخطوط الحمراء في إسرائيل تُمحى واحدا تلو الآخر. فالقضاة يُهانون علنا، والمدعون العامون يُتهمون بالتآمر، والصحفيون يُهدَّدون، في حين يتحول رئيس الوزراء المتهم إلى زعيم يهاجم مؤسسات الدولة ذاتها.
ويخلص إلى القول "قد تنتهي المحاكمة بصفقة فاسدة أو بحكم نهائي بعد سنوات، لكن نتيجتها الحقيقية أصبحت واضحة منذ الآن: لقد هزمت السلطة الحكومية سيادة القانون بالضربة القاضية".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة