قال جيه بي مورغان في شهادته أمام الكونغرس الأميركي عام 1912: "الذهب هو المال، وكل شيء هو ائتمان".
ومن غير المستغرب إذن أن يهرب العديد من المستثمرين من الائتمان ويضعون ثرواتهم في الذهب بدلا من ذلك، وهو ما دفع أسعار المعدن الأصفر إلى تجاوز مستوى 4 آلاف دولار للمرة الأولى بالتاريخ أمس الأربعاء.
وقال راي داليو، مؤسس شركة "بريدج ووتر أسوشيتس" (Bridgewater Associates): "إن المستثمرين يجب أن يخصصوا ما يصل إلى 15% من محافظهم للذهب في سوق قابلة للمقارنة بأوائل السبعينيات من القرن الماضي عندما أدت عوامل مثل الديون المرتفعة وعدم اليقين النقدي إلى تآكل الثقة في الأصول الورقية والعملات الورقية"، وفقا لـ"سي إن بي سي".
وعلى العكس من جيه بي مورغان يميل الرأي الآخر إلى الاستشهاد بوارن بافيت، المعروف بتشككه في جدوى الذهب، كحجة مضادة.
بافيت قال في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد عام 1998: "يُستخرج الذهب من الأرض في أفريقيا، أو من مكان آخر، ثم نصهره، ونحفر حفرة أخرى، وندفنه مجددا، وندفع لأشخاص ليقفوا حوله ويحرسوه. لا فائدة منه. أي شخص يراقب من المريخ سيحك رأسه".
قد يكون سكان المريخ في حيرة من أمرهم، لكن سكان الأرض ليسوا كذلك، ويتسابقون على شراء الذهب.
ارتفع سعر الذهب الأربعاء إلى أكثر من 4050 دولارا للأونصة وهي قمة تاريخية أخرى، ويتوقع المراقبون أن يواصل المعدن الوصول إلى قمم جديدة.
وفي الحقيقة فإن السعر هو مجرد عرض جانبي للقصة الحقيقية وفقا لمنصة "إنفستنغ" (investing). فالذهب لم يصل إلى 4 آلاف دولار من فراغ. لقد وصل إلى هنا لأن هناك أزمة ثقة هائلة في العملات الورقية (مثل الدولار)، وتضخما جامحا، وحربا تجارية عالمية، وتوترات جيوسياسية تهدد استقرار العالم. كما أن المشترين يعتقدون أن هذه المشاكل لم تُحل بعد، بل هي في بدايتها فقط.
وعلى أرض الواقع، فإن الذهب ليس مجرد استثمار، بل هو مال حقيقي، فالذهب ليس سهما تشتريه اليوم لتبيعه غدا. إنه مخزن للقيمة وأصل نقدي حقيقي في عالم تطبع فيه البنوك المركزية النقود بلا حسيب أو رقيب.
أنت لا "تستثمر" في الذهب، بل "تحول" أموالك الورقية الزائفة إلى مال حقيقي يحافظ على قوته الشرائية، ولهذا يواصل المستثمرون أفرادا ومؤسسات مواصلة شراء الذهب، كما تقول المنصة.
الذهب مخزن للقيمة وأصل نقدي حقيقي في عالم تطبع فيه البنوك المركزية النقود بلا حسيب أو رقيب.
يقول محللون في غولدمان ساكس إن الذهب لا يزال أمامه الكثير ليقطعه، ويتوقعون الآن أن يتم تداول المعدن الأصفر عند نحو 5 آلاف دولار للأوقية بحلول نهاية العام المقبل، لأن التدفقات الداخلة التي قادت الارتفاع بنسبة 17% منذ 26 أغسطس/آب -بما فيها تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة الغربية، وعمليات الشراء من البنوك المركزية- ما زالت ثابتة، مما يرفع فعليا نقطة البداية لتوقعاتنا السعرية" بحسب ما ذكرت منصة "ماركت ووتش" (MarketWatch).
ويتوقع هؤلاء أن تشهد تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة دفعة من تخفيضات أسعار الفائدة التي سيجريها الاحتياطي الفدرالي بمقدار 100 نقطة أساس بحلول منتصف العام المقبل. كما أن مستوى حيازات هذه الصناديق الآن مُطابق تماما لتقديرات غولدمان ساكس الضمنية لأسعار الفائدة الأميركية، مما يُشير إلى أن "قوة صناديق الاستثمار المتداولة الأخيرة ليست تجاوزا للتوقعات".
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: هل ارتفع الذهب بهذا القدر من قبل؟ وهل هذه أول مرة يشهد فيها المعدن الأصفر صعودا قويا في التاريخ؟
عبر الخمسين عاما الماضية، شهد الذهب قمما تاريخية عديدة، نتجت جزئيا عن أحداث بارزة أثرت في أسعاره، وفق ما ذكرت منصتا "ماكرو ترندز" و"إنفستوبيديا".
ومن أهم هذه القمم:
لم تكن مسيرة الذهب خالية من العثرات والقيعان، حيث شهد الذهب تقلبات حادة خلال الـ50 سنة الماضية.
وفيما يلي أبرز قيعان الذهب وفقا للمصدرين السابقين:
يتوقع تقرير "في الذهب نثق 2025" (In Gold We Trust Report 2025) أن يصل سعر الذهب إلى 8900 دولار للأوقية عام 2030 بناء على توقعات التضخم والسياسات النقدية.
والتقرير من تأليف رونالد بيتر ستوفرل ومارك جيه فاليك، مديري الصناديق في شركة إدارة الأصول "إنكرمنتوم" (Incrementum).
ويتمتع التقرير بشهرة ومصداقية عالمية وقد كرمته صحيفة وول ستريت جورنال باعتباره "المعيار الذهبي لجميع دراسات الذهب"
وختاما، وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية، يجب مراعاة أن أسواق الذهب تتسم بالتقلبات، وقد تؤثر عوامل غير متوقعة على الأسعار، لذا فإن من المهم متابعة التطورات الاقتصادية والجيوسياسية بشكل مستمر.