في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
رام الله- "كان خبر استشهاد شقيقتي وزوجها وبناتها الثلاث، أصعب حدث مر علي، ولم أتمكن من تخطيه طوال هذين العامين" بهذه الكلمات، بدأ الصحفي محمد الفرا (47 عاما) حديثه عن أوضاع عائلته المقيمة في قطاع غزة .
داخل مقر عمله في مدينة رام الله في الضفة الغربية ، التي قدم إليها من غزة قبل 27 عاما، يتابع الفرا مجريات وقف الحرب بكثير من الترقب والأمل، متمنيا أن تكون هذه الأيام الأخيرة لحرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل منذ 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023، علّه يطمئن على مصير والديه وأقاربه.
يشرح الفرا -في حديثه للجزيرة نت- صعوبة الأيام التي مرت على عائلته في القطاع خلال الحرب، حيث قُصف منزل عائلته في خان يونس بداية الحرب، واستشهدت شقيقته و18 فردا من أقاربه، في حين يعيش والداه وأشقاؤه في مواصي خان يونس بعد نزوحهم منذ عام ونصف.
ويضيف "عائلتي كبقية العائلات النازحة، يعيشون في الخيام، والتواصل معهم صعب جدا، وأحيانا أحتاج ليوم كامل لأتمكن من التحدث معهم عبر اتصال هاتفي، لصعوبة الاتصالات في غزة، وتقطعها".
ويتابع "كنت أتواصل مع أفراد من جمعية الهلال الأحمر ، وأطلب منهم أن يبعثوا لي أخبارا عنهم إن كانوا بخير أو إن تعرضت مناطقهم للقصف، واليوم أقضي ساعات في محاولة الاتصال، وفي غالب الأحيان تنجح المكالمات بعد منتصف الليل أو قبيل الفجر".
ولا تقتصر معاناة أهالي غزة المقيمين في الضفة على صعوبة التواصل مع ذويهم في القطاع، فمنذ الأيام الأولى لحرب الإبادة، لاحظ الفلسطينيون أن غالبية المكالمات التي تجري بين الضفة وغزة يتم مراقبتها إسرائيليا، يقول الفرا.
ويضيف أن دقائق الاتصال مع والديه تكون دقيقة وحذرة جدا، لأنهم يلاحظون ويسمعون في أحيان كثيرة وجود طرف ثالث معهم على الخط نفسه.
ويعاني أهالي غزة ممن يسكنون الضفة الغربية من قلق دائم على مصير ذويهم في غزة، إضافة لشعور بالعجز، وعدم القدرة على المساعدة ما يعمِّق إحساسهم بالحزن.
ويقول الفرا "يقيدني العجز على حالهم حتى أصبحت أسرح بخيالي، فأرى نفسي أحيانا، أطير حتى أصل إلى مكان نزوحهم وأحملهم معي وأعود إلى رام الله وأحيانا إلى خارج فلسطين كلها، وحين أستفيق من خيالاتي أحس أني بدأت أفقد عقلي، العجز أوصلنا لهذه الحالة، عقولنا لا تستوعب ما يعيشه أهلنا وأحبتنا ونحن في الوطن نفسه، لكن لا نستطيع نجدتهم".
ويؤكد أنه لا يوجد طريقة لمساعدة العائلة في غزة، فالسفر ممنوع، وحتى تحويل الأموال ليس سهلا.
ويشرح بكثير من الحزن "في الأيام التي أسمع فيها عن استهداف قريب من مكان نزوح العائلة، أنتظر للتأكد من أسماء الشهداء والمصابين".
وفي متجر للبقالة يعمل وليد (29 عاما) الذي قدم مع شقيقته من غزة إلى رام الله قبل الحرب بسنوات بهدف الدراسة والعمل، يقول للجزيرة نت إن البعد عن عائلته في غزة يعني العيش بنصف روح، وإن الأيام تمضي ثقيلة وصعبة، ويلازمها الخوف الدائم.
ويضيف "أي اتصال هاتفي يشعرني بالفزع، وأخاف أن يحمل أخبارا سيئة عن عائلتي، أو أن يصيبهم صاروخ إسرائيلي وأفقدهم لا سمح الله".
ويؤكد أن بعده عن غزة أفقده دفء العائلة، والعلاقات الاجتماعية والمشاركة في المناسبات، ويتابع أن كل شيء أصبح بلا طعم ولا قيمة منذ 7 أكتوبر، وأن الأيام أصبحت واحدة، لا يختلف العيد عن أي يوم عادي، لأن الحرب فرقتهم، وأبعدتهم عن أحبتهم، إضافة لما حملته من مجازر وقتل وتجويع، وتحولت كل اهتماماتهم لما يعيشه أهاليهم في غزة، وما عداه لم يعد ذا قيمة.
وفي بيت صغير بالقرب من مستشفى ابن سينا في مدينة جنين ، تعيش أم مجدولين، وكانت قد قدمت قبل أيام من الحرب على غزة بعد حصولها على تحويلة طبية لعلاج ابنتها.
وتروي أم مجدولين للجزيرة نت كيف فرَّقت الحرب عائلتها وتقطعت الأوصال معهم قائلة "منذ عامين لم أر أولادي في غزة ولا عائلتي وأهلي، ولم تنجح أي جهود لحصولنا على تنسيق للعودة لغزة". ويعيش أولادها في الخيام بينما تعيش هي وابنتها مع 4 عائلات أخرى من غزة قدمت للعلاج ومنعت من العودة بسبب الحرب، وتعيش على أمل رؤية أولادها.
وتؤكد أن أوضاع المواطنين في غزة صعبة جدا، ولا يمكن تحملها أو وصفها، وتقول إن عائلتها تعيش يومها منتظرة أي أمل لوقف الحرب، وابنتها الصغيرة تخبرها عبر الهاتف بأن أمنيتها أن تراها قبل أن تستشهد.
وتضيف الأم أن من أصعب الأيام التي عاشتها في حياتها كانت بدء التجويع في القطاع، وأولادها عانوا كثيرا وهي بعيدة عنهم، لا يجدون الماء ولا الطعام والقصف لا يتوقف، ويعيشون في تهديد مستمر، ويحرمون أبسط مقومات الحياة، "كل هذا وأنا هنا لا أملك شيئا سوى الدعاء والبكاء" تقول بحسرة.
وحاولت أم مجدولين تعويض ابنتها البعد عن إخوتها وأقاربها ومدرستها في غزة، فألحقتها بمدرسة في مدينة جنين، حيث تدرس الآن في الصف العاشر الأساسي، وترى الوالدة أن هذا جزء بسيط من حقها في إكمال حياتها الطبيعية التي تغيرت بشكل كامل بسبب الحرب.
وتضيف "إخوتها فقدوا كل شيء، وحرموا من التعليم على مدار عامين، على الأقل تكمل مجدولين دراستها".