عدن- تشهد الساحة السياسية في اليمن تصاعدا متسارعا في حدة الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي، مما يفتح الباب أمام تساؤلات مصيرية عن مستقبل هذا الكيان الذي يُعد أعلى سلطة شرعية معترف بها دوليا في البلاد.
تشكّل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/نيسان 2022، عندما تنحى الرئيس عبد ربه منصور هادي عن منصبه وحوّل صلاحياته كاملة إلى هذا المجلس المكوّن من 8 أعضاء برئاسة رشاد العليمي ، وقد أنيطت به مهام إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا خلال المرحلة الانتقالية.
لكن المجلس حمل منذ ولادته بذور الانقسام، إذ جمع في إطاره قوى سياسية وعسكرية متباينة الرؤى والمشاريع، بدءا من المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لاستعادة دولة الجنوب، مرورا بالقوى المتمسكة بالشرعية التقليدية، وانتهاء بقيادات تسعى لترسيخ نفوذها في معادلة ما بعد الحرب.
هذا الخليط غير المتجانس انعكس سلبا على أداء المجلس الذي فشل في تجاوز منطق المحاصصة وتضارب المصالح. ورغم أن المعركة ضد الحوثيين فرضت على هذه الأطراف الاجتماع تحت مظلة واحدة، فإن الخلافات الداخلية لم تلبث أن ظهرت إلى السطح، لتتكرر الأزمات التي كانت تهدأ أحيانا وتنفجر في أحيان أخرى.
ولم تبق الخلافات داخل المجلس حبيسة الجدران المغلقة، بل تحولت مؤخرا إلى صدامات علنية بلغت حد القطيعة، مما أدى إلى توقف اجتماعات المجلس وتعطيل وظائفه الفعلية خلال الأشهر الماضية.
وزاد من تعقيد المشهد غياب 6 من أعضاء المجلس بشكل شبه دائم، بالتزامن مع تصاعد الخلافات حول رئاسة المجلس، وسط مطالبات متزايدة بتطبيق مبدأ "التدوير" لضمان التوازن بين المكونات.
وبلغت الأزمة ذروتها في الأسبوع الماضي حين أصدر عضو المجلس ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي 11 قرارا شملت تعيينات في وزارات وسلطات محلية، وقد وُصفت هذه الخطوة من قبل خصومه بأنها تجاوز لصلاحياته، في حين اعتبرها أنصاره استحقاقا "للشراكة الجنوبية الغائبة".
وأثارت تلك القرارات احتجاجات واسعة داخل المجلس، حيث اعتبرها الأعضاء الآخرون إخلالا بمبدأ التوافق وتقاسُم المناصب، مما فجّر أزمة سياسية حادة استدعت تدخلا سعوديا عاجلا عبر استدعاء الأعضاء للتشاور، في محاولة لاحتواء التصعيد.
ولم تكن قرارات الزبيدي الأخيرة سوى امتداد لسلسلة من الإجراءات الانفرادية التي دفعت الأعضاء الآخرين إلى استدعاء الفريق القانوني لمراجعة نحو 500 قرار مثير للجدل، معظمها يخص تعيينات عسكرية وإدارية صدرت عن الزبيدي، ومن قبله رئيس المجلس رشاد العليمي.
ولم تُعد تلك التعيينات مجرد إجراءات تنظيمية، بل عكست سباقا محموما لإعادة تشكيل موازين القوى داخل مؤسسات الدولة، مما زاد من حدة الانقسام داخل كيان يُعوّل عليه لقيادة مرحلة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي.
وفي محاولة لفهم خلفيات هذه الأزمة، يرى مراقبون أن تصاعد الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي لم يكن مفاجئا، بل يعكس عمق الانقسامات البنيوية بين مكوناته، في ظل تضارب المشاريع السياسية والأهداف الإستراتيجية. ويرجع البعض جذر الأزمة إلى الطبيعة غير المتجانسة للمجلس منذ تشكيله.
وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عبد الوهاب العوج أن ما يحدث حاليا داخل المجلس "يعكس هشاشة التحالفات وتضارب المشاريع السياسية، وهو ما يجعل مستقبل المجلس مفتوحا على عدة احتمالات".
وقال في حديث للجزيرة نت إن الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني يعود إلى "تباينات واختلافات متعددة يصعب اختزالها"، مشيرا إلى أن "المؤشر الأبرز هو وجود مشاريع متباينة داخل المجلس، تشمل مشروعا يسعى للانفصال، وآخر لاستعادة الدولة، وثالثا يسعى لتحقيق مكاسب وأدوار سياسية فردية".
وأوضح أن النظرة المستقبلية تشير إلى "وجود تسوية سياسية قادمة قد تُجبر الأطراف داخل المجلس على عقد اتفاقات أو تحقيق إنجازات معينة"، وهذا ما أسهم في تعميق الانقسام الحالي داخل المجلس.
ويخلص العوج إلى أن السيناريوهات المحتملة لمستقبل المجلس تتراوح بين "تماسك هش" إلى حين نضوج تسوية برعاية إقليمية ودولية، وبين تفكك فعلي يُدخل البلاد في تعقيدات سياسية أكبر.
وفي السياق ذاته، يتفق الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي مع العوج في أن ما يحدث داخل المجلس "ليس سوى نتيجة طبيعية لتباينات جوهرية في المشاريع السياسية التي يمثلها أعضاؤه، بعضها يمس كيان الدولة اليمنية ووجودها وهويتها".
وقال التميمي، في حديثه للجزيرة نت، إن تشكيل المجلس كان يُفترض أن يوحد القرار السياسي داخل معسكر الشرعية وينهي الصراعات، "لكن ما حدث هو العكس؛ إذ تم التكيف مع التناقضات، مما أدى إلى شلل فعلي داخل هرم السلطة، امتدت آثاره إلى أداء الحكومة".
ويضيف أن "كل المؤشرات تؤكد أن الصيغة الحالية للمجلس، المؤلف من 8 أعضاء، لم تعد قابلة للاستمرار، غير أن أي بديل محتمل لن يكون مجديا ما لم تُقرن إعادة الهيكلة برغبة جادة في توحيد القرار السياسي والعسكري، والتوافق على هدف استعادة الدولة دون المساس بوحدة اليمن وهويته السياسية".