وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة المتحدة في زيارة رسمية غير مسبوقة، إذ لم يُمنح أي رئيس أميركي من قبل شرف "زيارة دولة" مرتين للبلد نفسه.
وتتزامن الزيارة، التي بدأت مساء أمس الثلاثاء، مع مفاوضات تجارية صعبة بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها التجاريين الرئيسيين، بمن فيهم المملكة المتحدة.
خلال الزيارة، يعتزم الطرفان الإعلان عن عدة اتفاقيات في مجالات التكنولوجيا والطاقة النووية المدنية، في حين تأمل بريطانيا التوصل إلى اتفاق بشأن الرسوم الجمركية على المعادن.
وحظِي ترامب وزوجته ميلانيا باستقبال ملكي فخم خلال إقامتهما، شمل مراسم ترحيب رسمية من الملك تشارلز الثالث في قلعة وندسور.
وتعوّل الحكومة البريطانية على تأثير "القوة الناعمة الملكية" في جذب اهتمام الرئيس الأميركي المعروف بذوقه الاستعراضي.
وقبيل مغادرته أمس متوجها إلى المملكة المتحدة، أعرب ترامب عن تطلعه للقاء "صديقه" الملك تشارلز الثالث، واصفا إياه بأنه "رجل أنيق". كما أشار إلى أن استقباله في "زيارة دولة" مرة أخرى يُعد سابقة، لافتا إلى أن المراسم ستُقام في قلعة وندسور بدلا من قصر باكنغهام.
وقال "لا أريد أن أقول إن أحدهما أفضل من الآخر، لكنهم يقولون إن قلعة وندسور هي الأرقى"، مؤكدا أن محور زيارته سيكون التجارة.
ويأمل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن تُسهم زيارة ترامب في صرف الأنظار عن الجدل المتصاعد حول قيادته، وسط تراجع شعبيته واستقالات بارزة في حكومته.
وقد ألقت إقالة اللورد بيتر ماندلسون من منصبه كسفير لبريطانيا في واشنطن بظلالها على الزيارة، بعد الكشف عن علاقته بجيفري إبستين. كما أثارت علاقات ترامب السابقة بإبستين جدلا واسعا في الأسابيع الأخيرة.
استقبال رسمي من الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا، بحضور الأمير ويليام والأميرة كاثرين في قلعة وندسور ويشمل:
سيستضيف ستارمر ترامب في مقر إقامته الريفي "تشيكرز" غدا الخميس، لمناقشة عدد من الملفات، من بينها الأمن في أوكرانيا. إلا أن الهدف الأساسي لستارمر هو دفع ترامب للوفاء بوعده بخفض الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم.
وكانت المملكة المتحدة أول دولة توقع اتفاقا تجاريا ثنائيا مع إدارة ترامب في مايو/أيار الماضي، ينص على خفض الرسوم الجمركية من 25% إلى الصفر، لكن ذلك لم يُنفذ بعد.
وقال وزير الأعمال البريطاني بيتر كايل لهيئة الإذاعة البريطانية يوم الأحد "فيما يتعلق بالصلب، سنحرص على الإعلان عن اتفاق في أقرب وقت ممكن".
كما أعرب وزراء آخرون عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن المعادن الأساسية خلال زيارة ترامب.
ومن المتوقع أيضا أن يوقع الطرفان اتفاقا بمليارات الدولارات لتطوير مشاريع نووية صغيرة، قد تُستخدم في تشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
وكان ستارمر قد أعلن يوم الاثنين عن مشروع مشترك بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لبناء أسطول من المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة.
وقال متحدث باسم مكتب ستارمر للصحفيين "العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة هي الأقوى في العالم. هذا الأسبوع، نُحدث نقلة نوعية في هذه العلاقة".
من أبرز محاور النقاش خلال الزيارة، شراكة تقنية جديدة تشمل زيادة الاستثمارات الأميركية في المملكة المتحدة، وتعزيز التعاون البريطاني مع وادي السيليكون في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
وكان هذا الملف من أولويات اللورد ماندلسون، الذي وصفه في رسالته الوداعية لموظفي السفارة بأنه "مصدر فخره الشخصي"، مؤكدا أنه "سيسهم في كتابة الفصل التالي من العلاقة الخاصة بين البلدين". ولم يُعلن بعد عن خليفة دائم لماندلسون، لكن جيمس روسكو يتولى مهام السفير مؤقتا.
شرطي مسلح عند مدخل قلعة وندسور في مدينة وندسور، إنجلترا، يوم الأربعاء 17 سبتمبر/أيلول 2025 (أسوشيتد برس)وبحسب وكالة رويترز، من المتوقع أن تعلن شركات نيفيديا وأوبن إيه آي وغوغل عن صفقات استثمارية ضمن هذه الشراكة.
في المقابل، حصلت الحكومة البريطانية مؤخرا على تعهدات استثمارية خاصة بقيمة 1.25 مليار جنيه إسترليني (1.7 مليار دولار) من شركتي باي بال وبنك أوف أميركا.
وفي سياق متصل، تخطط شركة بلاكستون لضخ 100 مليار جنيه إسترليني (136 مليار دولار) في الأصول البريطانية خلال العقد المقبل، مع التركيز على البنية التحتية.
ويأتي هذا الاستثمار ضمن حزمة أوروبية سبق الإعلان عنها بقيمة 500 مليار دولار.
تُعد هذه الزيارة الثانية لترامب إلى المملكة المتحدة خلال الشهرين الماضيين، بعد زيارته إلى أسكتلندا في يوليو/تموز، لكنها تمثل ثاني زيارة دولة له، وهو امتياز لم يُمنح لأي رئيس أميركي سابق.
وكان ترامب قد زار بريطانيا في زيارة دولة عام 2019 بدعوة من الملكة إليزابيث الثانية.
لكن توقيت الزيارة ليس مثاليا. فقد أُقيل ماندلسون من منصبه كسفير لبريطانيا في واشنطن في 11 سبتمبر/أيلول، بعد نشر رسائل إلكترونية تُظهر أنه حث إبستين على السعي للإفراج المبكر من السجن عام 2008.
كما أثارت علاقة ترامب بإبستين انتقادات واسعة، حتى من داخل قاعدته الشعبية، بعد أن نشر الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي رسالة تهنئة بعيد الميلاد يُزعم أن ترامب كتبها لإبستين عام 2003، وهو ما نفاه الرئيس الأميركي.
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يأمل أن تسفر زيارة ترامب عن اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة (رويترز)من جانبه، يأمل ستارمر أن تُسهم مراسم الزيارة في التغطية على التحديات الداخلية التي يواجهها، بما في ذلك الانتقادات الموجهة إليه بسبب تصنيفه منظمة "العمل من أجل فلسطين" كمنظمة إرهابية.
وبعد سلسلة من الإخفاقات في إصلاحات الرعاية الاجتماعية، وتعديلات وزارية مرتجلة، وتباطؤ في النمو الاقتصادي، بدأ عدد من النواب في التشكيك في قيادة ستارمر، خاصة مع تصاعد شعبية حزب "الإصلاح البريطاني" بقيادة نايجل فاراج في استطلاعات الرأي.
ويُتوقع أن يسعى ستارمر إلى إبراز أي مكاسب تُحقق خلال زيارة ترامب، رغم التحديات التي قد تواجهها، بما في ذلك احتجاجات محلية ضد إقامة الرئيس الأميركي في قلعة وندسور.
أحد أنصار العائلة الملكية يلتقط صورا تذكارية أمام قلعة وندسور في إنجلترا، يوم الأربعاء 17 سبتمبر/أيلول 2025 (أسوشيتد برس)كما سيحاول رئيس الوزراء البريطاني إقناع ترامب بأن اختراق روسيا للمجال الجوي البولندي عبر 20 طائرة مسيّرة الأسبوع الماضي لم يكن عرضيا، خلافا لما يعتقده الرئيس الأميركي.
وقد رفض وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي هذه الفرضية خلال مؤتمر صحفي في كييف يوم 12 سبتمبر/أيلول، قائلا "لا نصدق بوقوع 20 خطأ في وقت واحد".
وفي ختام الزيارة، يُنتظر الإعلان عن مبادرات لتعزيز الروابط الثقافية، تشمل دعم رياضة كرة السلة في المملكة المتحدة، وتطوير شراكات بين المؤسسات التراثية والفنية في البلدين.
صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جانب جيفري إبستين على إحدى المركبات (رويترز)تزامن وصول ترامب مع دعوات واسعة للتظاهر، حيث عرض محتجون صورا له إلى جانب جيفري إبستين على جدران قلعة وندسور، وتظاهر العشرات في البلدة المجاورة، فيما يُتوقع مشاركة آلاف المحتجين في مسيرة بالعاصمة لندن.
ووجّه عمدة لندن صادق خان انتقادات حادة لترامب، متهما إياه بتشجيع اليمين المتطرف حول العالم، ووصف سلوكه بأنه "مستمد من دليل الطغاة".