آخر الأخبار

ما وراء اغتيال تشارلي كيرك

شارك

قُتل الناشط السياسي المحافظ، تشارلي كيرك، يوم الأربعاء الماضي برصاص مهاجم. وقد احتجزت الشرطة المشتبه به، وهو تايلر روبنسون البالغ من العمر 22 عاما، بعد حملة مطاردة واسعة اعتمدت على معلومات قدمها مقربون من عائلة روبنسون.

وقال حاكم ولاية يوتا، سبنسر كوكس، إن أحد أقارب روبنسون تواصل مع صديق، الذي بدوره اتصل بالسلطات، مضيفا أن الأصدقاء والأقارب الذين استجوبهم المحققون وصفوا روبنسون بأنه كان "مفعما بالكراهية" عند حديثه عن كيرك في إحدى المناسبات الأخيرة. ولا تزال دوافع روبنسون المحتملة قيد التحقيق.

وكما جرت العادة في حالات الهجمات ذات الطابع السياسي، قد تكشف الأيام القادمة معلومات أوفى بشأن دوافع روبنسون، لكننا لا نحتاج إلى قراءة بيان أيديولوجي أو التنقيب في منشوراته على وسائل التواصل لنوقن بأن محاولة تبرير قتل كيرك؛ بسبب آرائه أو أقواله، هي أمر لا يمكن الدفاع عنه.

لقد تجنبت إلى حد كبير الاستماع إلى خطابات كيرك على مر السنين. إذ وجدت ما سمعته منها مستفزا ومزعجا لي وللكثير من الأميركيين، ومنافيا للحقائق ولروح الخطاب العقلاني.

كثيرا ما لجأ كيرك إلى انتقاء الأحداث التاريخية وتحريفها لترويج أجندات يعتبرها الكثيرون منا، ليس فقط غير مقبولة، بل خطرة على الأقليات العرقية والإثنية، والمهاجرين، وغيرهم من الفئات المهمشة.

لكنني لم أرغب يوما في أن يُصاب كيرك بأذى. وعندما علمت أنه أُطلق عليه النار، لم أتمنَّ موته، بل صليت أن تتحقق إرادة الله فيما حدث.. ذلك الإله الذي نؤمن به، مهما اختلفت توجهاتنا السياسية. كنت آمل أن يتعافى، وأن تمنحه هذه التجربة القريبة من الموت فرصة لاكتساب نظرة جديدة وبناءة نحو السياسة والحياة.

في الصيف الماضي، راودتني آمال مشابهة (وإن لم تكن توقعات حقيقية) بأن يتغير دونالد ترامب نحو الأفضل بعد نجاته من محاولة اغتيال خلال أحد تجمعاته الانتخابية. كتبت آنذاك: "أمام ترامب فرصة لتقديم أمن البلاد وسلامها على طموحاته الشخصية. لعل اقترابه من الموت يغير نظرته إلى تحريض مؤيديه".

إعلان

لكن ذلك لم يحدث. فعاد ترامب سريعا إلى ذات الخطاب التحريضي والتجريم الانتقائي الذي عمق الانقسام في المشهد السياسي الأميركي. عفا عن مثيري شغب السادس من يناير/كانون الثاني الذين هاجموا الشرطة في مبنى الكابيتول، بل وعن أعضاء مجموعة "براود بويز" المدانين بالتآمر على الحكومة.

وحتى مع مقتل كيرك برصاص مشابه لذلك الذي كاد يودي بحياة ترامب العام الماضي، لم يفعل الرئيس الأميركي ومؤيدوه إلا أن ضاعفوا من حدة الخطاب السام الذي أصبح جزءا مألوفا من السياسة في بلادنا.

ولا يعني هذا أن حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددا" أو التيار اليميني وحده من برر العنف السياسي أو تجريد الآخرين من إنسانيتهم. فعندما قُتل الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد هيلث كير"، براين طومسون، في أواخر العام الماضي، تحول المتهم بقتله، لويجي مانجيوني، إلى ما يشبه "البطل الشعبي".

ورغم أن الجريمة لا تبدو ذات دافع حزبي صريح، فإن الكثير من التعليقات التي سخرت من طومسون أو امتدحت مانجيوني حملت نغمة "الحرب الطبقية".

ومؤخرا، عندما بدأت شائعات غير مؤكدة حول صحة ترامب تنتشر، لم يخفِ كثير من خصومه فرحتهم باحتمال أن يكون عاجزا أو أسوأ، بل أبدوا خيبة أمل حين ظهر مجددا على الساحة.

لكن الخطاب المسموم على الإنترنت أمر، ووجود قادة يتبنون نفس هذا الخطاب أمر آخر تماما. فمع حركة ترامب، أصبح من الصعب التمييز بين تعليقات المتطرفين عبر الإنترنت، وخطاب أبرز وجوه الحركة. فعلى سبيل المثال، بعد إعلان وفاة كيرك على وسائل التواصل، نشر ترامب مقطع فيديو مدته أربع دقائق يمجد فيه كيرك، ويهاجم اليسار السياسي.

قال ترامب: "لسنوات، قارن اليساريون الراديكاليون بين أميركيين عظماء مثل تشارلي وبين النازيين وأبشع المجرمين في التاريخ. هذا النوع من الخطاب مسؤول بشكل مباشر عن الإرهاب الذي نشهده في بلادنا اليوم، ويجب أن يتوقف فورا. لقد حان الوقت لكل الأميركيين ووسائل الإعلام أن يواجهوا حقيقة أن العنف والقتل هما نتيجة مأساوية لتجريم المختلفين يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة، بأبشع الصور وأكثرها كراهية".

ولا بأس هنا من التذكير بأنه، قبل أقل من عام، ظهر ترامب في مقابلة على قناة فوكس نيوز ووصف اليساريين بأنهم "العدو من الداخل"، ونعتهم بـ"الماركسيين والشيوعيين والفاشيين"، مع تسميات مباشرة مثل آدم شيف، وعائلة بيلوسي، واصفا إياهم بأنهم "مرضى وشريرون".

قال ترامب في التسجيل ذاته: "من الهجوم على حياتي في بتلر بولاية بنسلفانيا العام الماضي، والذي راح ضحيته أب وزوج، إلى الهجمات على عملاء دائرة الهجرة، إلى القتل الوحشي لمسؤول في قطاع الرعاية الصحية في شوارع نيويورك، إلى إطلاق النار على زعيم الأغلبية في مجلس النواب، ستيف سكاليز، وثلاثة آخرين.. لقد أودى عنف اليسار الراديكالي بحياة الكثيرين، وأصاب عددا لا يُحصى من الأبرياء".

ولكن ما غاب عن قائمة الرئيس كانت حوادث عنف أخرى، بعضها مميت، ارتُكبت ضد الديمقراطيين أو كان مرتكبوها من أتباع حركة "ماغا" أنفسهم.

وقد يكون هذا الغياب متعمدا، خاصة حين يُدين إطلاق النار على جمهوري بارز في 2017، ويتجاهل جرائم القتل التي استهدفت ديمقراطيين في مينيسوتا قبل ثلاثة أشهر، أو حرق قصر حاكم بنسلفانيا أثناء نوم الحاكم الديمقراطي جوش شابيرو وأسرته داخله. أن تُدين الهجمات على عملاء الهجرة وتُعفي في الوقت نفسه عشرات من مهاجمي شرطة الكابيتول، هو قمة الازدواجية الأخلاقية.

إعلان

لقد تعرفت من خلال التفاعل مع وفاة كيرك على مصطلح "التعاطف الانتقائي"، وهو تعبير موجز لمفهوم بات مألوفا لكثيرين. ففي أسوأ حالاته، يُمارس ترامب- وحتى كيرك هذا النوع من النسبية الأخلاقية- حيث يبرر أفعالا إذا وُجهت ضد خصومه، ويُدينها إن طالت حلفاءه.

ونحن، من نرفض أيديولوجيا "ماغا"، نبلغ أدنى درجاتنا الأخلاقية حين نقبل أو نبرر، بل وأحيانا نحتفي بالعنف ضد من يخالفوننا أو يحتقروننا.

لقد عبر كيرك، في أفضل حالاته، عن قناعاته الدينية والسياسية من خلال دعوته إلى قيم المحبة والكرامة الإنسانية المتجذرة في المسيحية، وفي مبدأ المساواة الذي تأسست عليه الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن خطابه كثيرا ما ابتعد عن هذه المبادئ، فإن كيرك ومن هم في معسكره الأيديولوجي يستحقون أن نمنحهم التعاطف ذاته المنبثق من هذه المبادئ. أن ننكر عليهم هذا الاعتبار بسبب آرائهم، هو في جوهره خيانة لموقفنا الأخلاقي الرافض للخطاب التحريضي والانقسامي الذي ينتجونه.

من أجل الجميع، يمكننا -ويجب علينا- أن نكون أفضل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا