في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لندن – لا يبدو أن المسؤولين البريطانيين يجدون تناقضا بين إدانتهم الصارمة للهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة واستعدادهم للاعتراف بالدولة الفلسطينية في غضون أيام، وبين استقبال رئيس الوزراء كير ستارمر أمس الأربعاء الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ المتهم بالدعاية لحرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين في قطاع غزة .
وتصر الحكومة البريطانية على أن هرتسوغ يتولى منصبا شرفيا دون التزامات سياسية، لكنه يعد قناة تواصل مهمة لإبلاغ الإسرائيليين بالاحتجاج البريطاني على سلوك الاحتلال في المنطقة، في وقت اعتبرت فيه المحكمة الجنائية الدولية تصريحاته المحرضة على التطهير العرقي ضد الفلسطينيين دليلا على ممارسة إسرائيل حملة إبادة جماعية في غزة.
وقبل اللقاء المثير للجدل، حاول زعيم حزب العمال البريطاني -خلال رده على أسئلة النواب في البرلمان- الدفاع عن ترحيبه بهرتسوغ، مذكرا بتبنيه نهج الواقعية السياسية التي تدفعه للحديث إلى كل أطراف الصراع أملا في الدفع بحل دبلوماسي لإنهاء الحرب.
ولم يتردد الرئيس الإسرائيلي -عقب لقائه ستارمر- في إطلاق تصريحات عدائية تجاه قطر، رافضا الاعتذار عن الهجوم على أراضيها، ومنكرا حملة التجويع الممنهجة التي يتعرض لها أهالي القطاع.
لكن مكتب رئاسة الوزراء البريطاني حاول أن ينتقي بعناية أهم ما دار من مجريات اللقاء خلف الأبواب المغلقة بين ستارمر وهرتسوغ لإطلاع الرأي العام عليه، مركزا على مواقف قد تخفف الضغط الشعبي عن ستارمر كإدانته بصرامة هجوم تل أبيب على سيادة الأراضي القطرية أمام الرئيس الإسرائيلي، وتشديده على ضرورة وقف حكومة الاحتلال المجاعة المتعمدة التي تتسبب بها في قطاع غزة.
وتبدو الحكومة البريطانية غير قادرة على صياغة موقف منسجم من التصعيد الإسرائيلي المتواصل في المنطقة، ففي الوقت الذي شدد فيه وزير التجارة دوغلاس ألكسندر على أن بلاده حريصة على تحقيق التوازن الصعب في علاقتها بكل أطراف الصراع، شن زميله وزير الصحة في الحكومة نفسها ويس ستريتينغ هجوما على هرتسوغ لضلوعه في جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في القطاع.
وردّ ستريتينغ على تصريحات الرئيس الإسرائيلي التي أيد فيها الهجوم على الدوحة وأكد فيها "سعي تل أبيب لتحقيق مستقبل أفضل في المنطقة"، مطالبا إياه بتوضيح ما إذا كانت إسرائيل تهدف لارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة لتحقيق هدفها المعلن من الحرب من أجل جعل المنطقة أكثر استقرارا.
ويرى عضو حزب العمال السابق كامل حواش أن ستارمر عمد إلى استدعاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولقائه وإعادة استهلاك الخطاب الغربي بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بهدف التغطية على زيارة هرتسوغ ومحاولة تسويق الموقف البريطاني على أنه محاولة لإمساك العصا من المنتصف للتقريب بين الخصوم.
ويشير حواش، في حديث للجزيرة نت، إلى أن استقبال الرئيس الإسرائيلي يكشف حقيقة الموقف البريطاني الذي ينظر لتل أبيب كشريك إستراتيجي وتاريخي وليس مجرد طرف في الصراع بالشرق الأوسط، في وقت تتعمد فيه إسرائيل إلى نسف كل جهود التسوية والوساطة وإرباك قواعد الاشتباك في المنطقة مهددة المصالح الغربية.
ودعا 60 نائبا من مجلس اللوردات (الغرفة الثانية) لمنع هرتسوغ من دخول المملكة المتحدة حيث تساءلوا عن المشورة القانونية التي حصلت عليها الحكومة بشأن شرعية استضافته على أراضيها، في حين حث نواب من حزب العمال في وقت سابق زعيم الحزب كير ستارمر إلى تجنب مقابلة الرئيس الإسرائيلي، في محاولة لتكثيف الضغط وتنبيهه للتكلفة السياسية والقانونية لهذه الخطوة.
وتساءل زعيم الحزب الوطني الأسكتلندي ستيفن فلين -خلال الجلسة البرلمانية التي عقدت قبل اللقاء- إن كان ستارمر مستعدا لاستقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكتبه، مستغربا أن يلتقي بالرئيس الإسرائيلي في وقت يموت فيه الأطفال في غزة بسبب التجويع الإسرائيلي المتعمد.
كما طالب زعيم الحزب الأخضر الجديد زاك بولانسكي، وهو سياسي من أصول يهودية، الشرطة البريطانية باستجواب هرتسوغ لضلوعه في التحريض على جرائم الإبادة الجماعية، وإلى "تقييده بالأصفاد" بدلا من مصافحته.
بدورها، لم تتأخر النقابات العمالية الغاضبة أيضا من سياسات الحكومة البريطانية في شن هجوم شرس على الحكومة، حيث وافق أعضاء النقابات في مؤتمرهم الاتحادي على قرار بالإجماع يعارض زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى بلادهم.
ويتزامن وصول هرتسوغ إلى العاصمة لندن مع أجواء مشحونة وغير مسبوقة يعيش على وقعها الشارع البريطاني الذي يتصاعد في أوساطه الغضب من استمرار الحرب على غزة، في وقت "تتلكأ" فيه الحكومة العمالية في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل لمعاقبتها.
ونظمت عدة هيئات داعمة ل فلسطين في بريطانيا مظاهرة حاشدة أمام مقر "تشاتام هاوس"، وهو أحد المراكز البحثية المرموقة، حيث كان هرتسوغ يلقي خطابا، مطالبين باعتقاله وإصدار مذكرة مستعجلة بذلك الشأن.
وفي وقت لا تزال فيه الحكومة البريطانية مترددة في فرض حظر شامل على توريد السلاح لإسرائيل، أو توصيف انتهاكات الاحتلال باعتبارها جريمة "إبادة جماعية"، يتوقع أن يزور هرتسوغ معرضا عسكريا في لندن بمشاركة أكثر من 50 شركة سلاح إسرائيلية، ويرتقب أيضا تنظيم احتجاجات مناوئة لهذا الحدث على هامشه.
وقد لا يقلق تنديد الحكومة البريطانية المسؤولين الإسرائيليين بقدر ما يثير توجسهم المزاج العام في أوروبا الغاضب من استمرار الحرب وما يرافقها من جرائم إبادة يرتكبها الاحتلال، مما دفع الرئيس الإسرائيلي إلى تغليف زيارته بشعار "دعم الجاليات اليهودية في مواجهة معاداة السامية"، في محاولة للتقليل من حجم الضرر البالغ الذي ألحقته الحرب بمستوى التأييد لسردية الاحتلال.
ويحذر منسق اتحاد البرلمانيين المستقلين من أجل غزة جيمس جييل من "الحمولة البالغة السوء" التي تبعث بها هذه الزيارة للشارع البريطاني المستفز من الممارسات الإسرائيلية، وللفلسطينيين أنفسهم الذين ينتظرون تدخل المجتمع الدولي لإنهاء مأساتهم بدل إضفاء الشرعية على "رئيس محرض على الإبادة".
ويضيف جييل، في حديث للجزيرة نت، أن مواقف الحكومة البريطانية تضر بمصداقيتها دوليا كدولة مدافعة عن تطبيق القانون الدولي، الذي عجزت عن تطبيقه حين وصول الرئيس الإسرائيلي إلى أراضيها، وفرشت السجاد الأحمر له عوضا عن اعتقاله ومحاسبته.