آخر الأخبار

في ظروف معقدة ينتظر طلاب غزة أولى اختباراتهم عن بعد

شارك

غزة- في صباح اليوم الأول للامتحانات، ارتدى عبد القادر الكفارنة ملابسه على عجل، لم يأخذ حقيبة ولم يحمل قلما، ولم يتوقف أمام بوابة مدرسة، وجهته كانت مختلفة تماما: مطعم صغير في أحد الأحياء الغربية ل مدينة غزة ، تحوّل على نحو غريب إلى "قاعة امتحان".

لم يكن الهدف الجلوس إلى مائدة لتناول الطعام أو احتساء القهوة، بل البحث عن إشارة إنترنت تُمكّنه من فتح منصة الوزارة، والبدء بأول اختبار بعد عامين من الانتظار.

هذا المشهد عاشه، السبت، عشرات الآلاف من الطلاب الذين غادروا خيام النزوح وبيوتا مهدمة، متنقلين بين عدة مقاهٍ قبل أن يكتشفوا أن "الباب الإلكتروني" للامتحان مغلق منذ اللحظة الأولى.

وجاء إعلان وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بتنظيم الامتحانات إلكترونيا بمثابة بارقة أمل للطلبة وذويهم، وأعاد إلى الطلبة وعائلاتهم حلم اللحاق بمستقبل بدا بعيدا جدا.

لكن اليوم الأول حوّل الأمل إلى إحباط، بعدما اصطدمت الأحلام بجدار الواقع، حيث تعطلت منصة الامتحانات، وأعلنت الوزارة عن تأجيل اختبار اللغة العربية الذي كان مقررا، لكنها وعدت بإصلاح الخلل، واستئناف تقديم الاختبارات غدا.

مصدر الصورة الطلاب تفاجؤوا بتعطل منصة تقديم الامتحانات في اليوم الأول (الجزيرة)

رحلة البحث

عاش طلاب غزة، معاناة هائلة طوال عامي الحرب، بعدما دُمرت البيوت، وأُغلقت المدارس، وضاع كل ما له علاقة بالكتب والدفاتر تحت ركام المنازل.

بالمقابل لم تمنح الخيام التي لجأ إليها الطلاب مع عائلاتهم، مكانا صالحا للدراسة، فلا خصوصية ولا هدوء، وإنما هو حر خانق وازدحام، أما التعليم الإلكتروني، فلم يكن خيارا متاحا للجميع، فلا كهرباء، ولا إنترنت، ولا أجهزة.

الطالب عبد القادر الكفارنة، الذي اختار مطعما كمكان بديل، لم يخف شعوره بالخذلان، وهو ينظر إلى شاشة هاتفه الجوال، وصورة منصة الامتحانات العاطلة عن العمل.

إعلان

ويستذكر منزله الكائن في بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة ، الذي دُمر منذ اليوم الأول للحرب، لينزح مع عائلته إلى منطقة نائية بلا مقومات أساسية، يقول وهو يسترجع أنفاسه "هُدم بيتنا وضاعت كتبي تحت الركام، التعليم الإلكتروني كان شبه مستحيل، لا كهرباء ولا إنترنت ولا خصوصية، واليوم هذا هو المكان الرابع الذي أتنقل إليه، ومع ذلك لم أستطع تقديم الامتحان".

ويضيف للجزيرة نت "كنت أحلم بدراسة البرمجيات، وكنت متفوقا فيها، لكن الحرب دمرت كل شيء، الآن لا نملك طموحا ولا مستقبلا واضحا".

من جهته يبدي الطالب أحمد خليل، انزعاجه الشديد حيال تعطل منصة الامتحانات، بعد أن كان يمنّي نفسه باجتياز الاختبارات، ويضيف "دفعت تكاليف كبيرة على دروس خصوصية، ومع ذلك اصطدمت بكل هذه المعاناة، أطالب وزارة التربية والتعليم بمراعاة طلاب غزة ومساعدتهم".

ويشترك أحمد مع عبد القادر في الكثير من محاور معاناته، فقد واجهته مشاكل كثيرة، وكان يطمح أن يكون مهندسا، والآن يقول إن "المستقبل مجهول".

مصدر الصورة يطالب أحمد خليل وزارة التربية والتعليم بمراعاة ظروف طلبة غزة والعمل على حل مشاكلهم (الجزيرة)

امتحان بطارية الهاتف

من جهته، عاش الطالب مصطفى الزعانين مأساة أخرى مختلفة، فبينما كان يجري بحثا طويلا عن إنترنت، كانت بطارية هاتفه في سباق مع الزمن.

يحكي "اليوم مشكلتي كانت شحن الجوال، ما في كهرباء، بطارية هاتفي كانت 28% فقط، تنقلنا من حي تل الهوا حتى منطقة التشريعي لنجد مقهى فيه كهرباء وإنترنت، لكن ساعة كاملة ضاعت، وهي مدة الامتحان، ولم نتمكن من الدخول للمنصة، ولم أستطع شحن بطارية الهاتف".

ويوضح مصطفى للجزيرة نت أنه كان قبل الحرب، يطمح لدراسة " الأمن السيبراني "، لكنه اليوم "ينتظر مستقبلا مجهولا".

مصدر الصورة أحمد الزعانين: قبل الحرب كنت أحلم بدراسة الصحافة لكنني الآن لم أعد أفكر بالمستقبل أصلا (الجزيرة)

وفي مشهد لا يقل قسوة، حطّ ابن عائلته أحمد الزعانين، رحاله في المقهى بعد بحث طويل، لكنه جلس بوجه يعلوه الإحباط، ويقول "بحثنا كثيرا حتى وجدنا هذا المكان، لكن المعاناة لا تنتهي، وخيبة الأمل تلاحقنا، لا ندري هل سنقدم الامتحانات أم تضيع علينا سنة أخرى".

ويقول أحمد وهو الذي هُدم منزله في بداية الحرب، ويعيش في خيمة مع عائلته في ظروف قاسية، لا تسمح له بالمذاكرة، "كنت أنوي دراسة الصحافة والإعلام، أما الآن فلا نفكر في المستقبل أصلا".

مصدر الصورة الطالبة ليلى البطش تحدق في شاشة هاتفها بخيبة أمل بعد إعلان تأجيل الاختبار (الجزيرة)

امتحان مكلف

وتلفت الطالبة ليلى البطش النظر إلى جانب آخر من معاناة طلاب الثانوية العامة، يتعلق بتقديم امتحاناتهم، وتقول "هذا النظام مكلف جدا، لا إنترنت ولا كهرباء في منازلنا، ويجب أن نقدم في مقاه أو مطاعم".

وتوضح في التفاصيل "الجلسة في المقهى تكلف 60 شيكلا، ولدينا عشرة امتحانات، يعني 600 شيكل (180 دولارا)، هذا غير تكلفة المواصلات، اليوم تنقلت بين ثلاثة أماكن، وفي كل مرة الرابط لا يفتح".

وتضيف "نحن في حالة إحباط شديد، انتظرنا عامين كاملين لتقديم الامتحانات، وفوجئنا أن الرابط معلق، لا نعرف إن كنا سنقدم الامتحانات أصلا".

إعلان

تقول ليلى، وهي التي خلفت وراءها بيتا مهدّما ورحلة نزوح طويلة مع أسرتها، إنها لم تعد ترى في الأفق ما يدعو للتفاؤل، وتضيف بأسى أنها كانت قبل الحرب تختزن في قلبها الكثير من الأحلام والطموحات، لكن جميعها تلاشت تحت وطأة الحرب وقسوة الظروف القاهرة.

الوزارة: الامتحانات مستمرة

يؤكد صادق الخضور، الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، أن عملية تقديم الامتحانات مستمرة، دون توقف، رغم ما حدث اليوم من تعطل منصة الاختبارات، وقال للجزيرة نت "نطمئن الطلاب أن عملية الامتحانات مستمرة، والوزارة تعمل على إصلاح الخلل، واستخلاص العبر مما جرى".

وذكر أن اختبار اللغة العربية الذي كان مقررا تقديمه اليوم، سيتم تأجيله لليوم الأخير من الامتحانات، مع استمرار تقديمها كالمعتاد، بدءا من غد الأحد.

وشرح الخضور ما جرى بالقول "حدث ضغط كبير على الموقع، فقد جُهز لـ26 ألف طالب، وهم العدد الذي سجل للاختبارات، لكن العدد الذي دخل أكبر بكثير، ربما بسبب دخول أقارب الطلبة، ولا نستبعد وجود هجمات سيبرانية أيضا، وتزامن ذلك مع أضرار لحقت بأبراج اتصالات بسبب القصف الإسرائيلي".

وأضاف في محاولة لطمأنة الطلبة "هذا الاختبار ليس لإعطاء علامات بقدر ما هو لإعادة الأمل، ندرك أن طلبة غزة يواجهون مشاكل انقطاع الكهرباء والإنترنت، وسنوفر فرصا بديلة لأي طالب يتعرض لمشكلة".

وختم في رسالة وجهها لطلاب غزة "تحملونا، ما حدث خارج عن إرادتنا، وسنواصل العملية رغم الصعوبات"، مؤكدا أن حرمان طلبة غزة من تقديم امتحانات التوجيهي خلال العامين الماضيين، هو نتيجة مباشرة للعدوان الإسرائيلي المستمر.

وذكر أن 78 ألف طالب من مواليد 2006 و2007 كان يفترض أن يمتحنوا في السنة الدراسية 2024 و2025، لكن الحرب منعت ذلك، وأوضح أن قرابة 4 آلاف طالب ثانوية عامة قد استشهدوا، وغادر مثلهم القطاع، ليبقى نحو 70 ألف طالب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا