آخر الأخبار

لماذا تشهد مصر ارتفاعاً في جرائم قتل النساء؟

شارك
مصدر الصورة

تعيش حليمة في صدمة فقدان ابنتها الكبرى رضا، التي قُتلت طعنًا بالسكين على يد زوجها أمام أعينها وأعين حفيدتيها الصغيرتين. العائلة تقول إن الخلافات المادية، خاصة بعد صدور حكم قضائي بإلزام الزوج بالنفقة، كانت السبب الرئيسي في تصاعد العنف حتى انتهى بالقتل.

حادثة قتل رضا ليست الأولى، لكنها حلقة جديدة في سلسلة متكررة من جرائم العنف ضد النساء في مصر، غالباً ما يكون الجاني فيها شريكاً حالياً أو سابقاً أو أحد أفراد الأسرة.

"كل ذلك من أجل النفقة"

في منزلها الواقع بحي كرموز وسط مدينة الإسكندرية، تكتسي حليمة بالسواد من رأسها إلى قدميها، تجلس وبجانبها حفيدتيها، طفلتان لا تتجاوز أعمارهما العاشرة، لا يفترقان عن جدتهما أينما تحركت.

تتذكر حلمية تفاصيل ليلة الحادث "كنا نجلس وفجأة بدأ يطرق على الباب حتى كسره، دفعني على الأرض، وبدأ في ضربها، بدأت أصرخ، والأطفال يصرخون، حتى أتى بسكين من المطبخ وطعنها".

لا ينسيها الحزن رغبتها في الثأر، "أشعر بالغلب وبالمرار، أشعر أني أريد أن انتقم".

مصدر الصورة

قبل الحادث بأيام، انتقلت حليمة للعيش في منزل ابنتها رضا القريب من منزلها، خوفاً من محاولات الزوج التعدي عليها: "كان يريد طردها من المنزل الذي دفعت نصف ثمنه"، تقول في حديثها لبي بي بي "كل ذلك حدث من أجل النفقة، لم يرغب في الدفع، كانت ابنتي تصرف عليه وعلى البنات، تطعمه وتسقيه، وفي النهاية قتلها".

لم تكن هذه المشاجرة الأولى بين رضا وزوجها، إذ تقول عائلتها إن المشاكل بدأت بينهما منذ بداية زواجهما قبل أكثر من 10 سنوات، وإنه اعتدى عليها بالضرب سابقا، كما اعتدى على شقيقها، وكثيراً ما هددها خاصة بعد حصولها على حكم المحكمة الذي يلزمه بالإنفاق عليها.

ويقول محمد شقيق رضا "منذ حصولها على حكم النفقة بدأ في تهديدها، كان يرغب في الزواج مجدداً، ولم يكن يرغب في الإنفاق عليها أو على البنات".

حاولت رضا الحصول على مساعدة عدة مرات لكن دون جدوى، يقول شقيقها "طلبنا مساعدة من والدته رفضت، ومن أقاربه وأصدقائه رفضوا، وحين طلبنا مساعدة من الحكومة قتلها".

مصدر الصورة

تصاعد في أعداد الجرائم

بحسب تقرير حديث صادر عن مؤسسة "إدراك للتنمية والمساواة" في يوليو 2025، وُثّقت 120 جريمة قتل لنساء على يد الزوج أو أحد أفراد العائلة خلال النصف الأول من عام 2025 وحده. ويُعد هذا امتداداً لتصاعد بدأت مؤشراته منذ عام 2023 ، حيث رُصدت 140 جريمة، وارتفع العدد إلى 261 جريمة في عام 2024 .

غالبًا ما ترتبط هذه الجرائم بخلافات زوجية تتعلق بالوضع الاقتصادي أو بالشكوك في السلوك، وفقاً لتقرير إدراك، الذي يستند إلى بلاغات رسمية وأخبار منشورة، مع الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الحالات لا يتم توثيقها أو الإبلاغ عنها من الأساس.

في الوقت نفسه، رصدت مؤسسة إدراك خلال عام 2024 أكثر من 1,195 جريمة عنف ضد النساء والفتيات في مصر، تنوعت بين القتل، والشروع في القتل، والضرب المبرح، والاغتصاب، والانتحار، والابتزاز الإلكتروني، وغيرها من الانتهاكات.

مديرة وحدة الرصد في مؤسسة إدراك، شيماء فكري، تقول إن " المعطيات المتاحة تظهر أن جرائم قتل النساء لا تأتي وليدة الصدفة، بل تأتي في الغالب كنهاية مسار طويل من أشكال مختلفة من العنف أوسعها انتشااً العنف المنزلي. فأغلب الحالات يكون الجاني فيها شريكاً حالياً أو سابقاً أو أحد الأقارب، وغالباً ما يسبق الجريمة تاريخ من التهديد والاعتداء والمطاردة".

ثغرات قانونية ومجتمعية

مصدر الصورة

رغم صدور بعض أحكام الإعدام في قضايا قتل النساء، إلا أن محامين وحقوقيين يشيرون إلى ثغرات قانونية تُخفف العقوبات على الجناة، خاصة إذا كانت الجريمة داخل الأسرة.

المحامية بالنقض مها أبو بكر توضح أن القوانين الحالية لا تتعامل بجدية مع التهديد أو العنف المنزلي، إذ تُقيد أغلب البلاغات كـ"إثبات حالة" دون اتخاذ إجراءات فعلية.

وتضيف أن هناك ثقافة مجتمعية تضع اللوم على النساء عند التبليغ، وتجعل من لجوئهن للقانون "فضيحة عائلية"، مما يضاعف من تردد النساء في طلب الحماية.

في السياق ذاته، طالب برلمانيون تحدثت إليهم بي بي سي بضرورة تغيير بعض مواد قانون العقوبات التي تمنح القاضي سلطة تخفيف العقوبة إذا وقعت الجريمة داخل نطاق الأسرة.

وتقول النائبة البرلمانية مها عبد الناصر "الأوقع إصدار قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة وهو قانون تقدمنا به في الدورة البرلمانية السابقة، وسنتقدم به مجدداً".

مصدر الصورة

العنف مضاعف في ظل الأزمة الاقتصادية

يقول أستاذ علم الاجتماع سعيد صادق إن تدهور الوضع الاقتصادي في مصر أسهم في تصاعد العنف الأسري، حيث يتزايد التوتر داخل البيوت نتيجة الضغوط المالية، بينما تبقى النساء الحلقة الأضعف.

ويضيف أن "العنف يصبح أكثر حضوراً في البيوت، والنساء هنّ أكثر من يدفع الثمن في ظل غياب قوانين رادعة ونظام حماية فعّال".

في بلد تعول فيه النساء أكثر من 30% من الأسر المصرية، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021، وتتحمل فيه ملايين السيدات مسؤولية الإنفاق والرعاية اليومية، تبقى الحماية القانونية من العنف قاصرة، سواء على مستوى التشريع أو التنفيذ.

تشير أحدث بيانات الجهاز المركزي نفسه إلى أن نحو ثلث النساء المتزوجات في الفئة العمرية بين 15 و49 عاماً تعرّضن لشكل من أشكال العنف على يد الزوج – سواء نفسياً أو جسدياً أو جنسياً، وذلك بحسب مسح أُجري عام 2021.

ورغم إعداد مسودة قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء تشمل تعريفات واضحة للعنف الأسري وآليات لحماية الناجيات، إلا أنها لم تُطرح حتى الآن للنقاش في البرلمان، وسط مطالبات مستمرة من منظمات حقوقية وبرلمانيين بإقرارها.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا