إدلب – لم يكن حمزة العمارين، أحد عناصر الدفاع المدني السوري " الخوذ البيضاء "، يعلم أن رحلة إنقاذ جديدة قد تتحول إلى مأساة شخصية.
فبعد أن وُثَّقت صورته وهو يخرج طفلة من تحت أنقاض منزل في مدينة إدلب بعد الزلزال الذي ضرب سوريا و تركيا في فبراير/شباط 2023، يقبع العمارين اليوم في مكان مجهول بعد اختطافه أثناء مشاركته في مهمة إخلاء خلال الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء قبل شهر.
وصورة العمارين التي لفتت أنظار العالم قبل عامين تعود اليوم، لكن بقصة أخرى مقلوبة، فبينما كانت العدسات تلاحق بطولته في شمال سوريا، تبحث عنه اليوم ولا تجده في جنوبها.
ويقول غزوان العمارين، شقيق المنقذ المختطف للجزيرة نت، إن حمزة وبعد يوم واحد على اختطافه، تمكَّن عند العاشرة صباحا من الاتصال عبر تطبيق واتساب بزوجته، وأخبرها أنه في السويداء، وطلب منها الاعتناء بأطفاله الثلاثة في غيابه، وكان ذلك آخر تواصل بينهم.
ويضيف غزوان أن الدفاع المدني تواصل مع هاتف حمزة بعد ساعات من اتصاله بزوجته، فجاء الرد من الخاطفين بأن حمزة بخير ولا تقلقوا عليه.
وطرقت العائلة كل الأبواب وتواصلت مع شخصيات في السويداء، لكن دون أي نتيجة سوى وعود بأن من لا يحمل السلاح سيكون بخير، بينما يقول شقيقه إنهم يعيشون قلقا لا يوصف، ويترقبون أي خبر عنه.
ويضيف "نعوّل على جهود الدفاع المدني وندعو للإسراع في إطلاق سراحه، فهو أب لثلاثة أطفال ينتظرونه، وأي تأخير قد يضاعف معاناتهم".
وانضم حمزة للدفاع المدني في درعا منذ تأسيسه وعمل في أكثر المناطق خطورة قبل اتفاق التسوية الذي سيطر النظام السوري بموجبه على درعا في عام 2018.
ثم غادر عبر حافلات التهجير إلى الشمال السوري وعمل هناك ضمن فرق الدفاع المدني، حيث ترك بصمة واضحة من خلال قيادة أحد فرق الإنقاذ بعد الزلزال الذي راح ضحيته الآلاف.
وإلى درعا عاد حمزة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون أول الماضي، وأشرف على إعادة هيكلة الدفاع المدني السوري في المحافظة بعد سنوات من التوقف، وتسلم إدارة مركز مدينة إزرع.
ويروي مدير الدفاع المدني في درعا شادي الحسن تفاصيل المهمة الإنسانية الأخيرة التي كُلّف بها حمزة، موضحا أنه كان متوجها إلى مدينة السويداء لإخلاء وفد أممي عالق داخل أحد الفنادق، بعد تنسيق بين الوفد والدفاع المدني، إلا أن الاتصال به انقطع قبل أن يصل إلى وجهته.
وعن دور العمارين، يؤكد الحسن أنه كان من أبرز العاملين في عمليات إخلاء المدنيين من السويداء إلى مناطق أكثر أمانا، ونجح بنقل عشرات العائلات خلال اليوم الذي سبق اختطافه، حيث كانت فرق الإخلاء تعمل تحت إشرافه المباشر.
وشدد الحسن على أن فرق الدفاع المدني لم تواجه أي مضايقات أثناء دخولها إلى السويداء خلال تنفيذ عمليات نقل المدنيين، ما يجعل حادثة اختطاف العمارين صادمة ومقلقة، وتثير المخاوف لدى عناصر الفرق من احتمالية تعرضهم لمصير مشابه.
وعن الجهود المبذولة للإفراج عنه، أوضح الحسن أن وزارة الطوارئ والكوارث تبذل قصارى جهدها للتواصل مع منظمات أممية بهدف إطلاق سراح العمارين، معربا عن أمله في أن تثمر هذه الجهود عن عودته سريعا ليكون بين أسرته وأطفاله، ومن ثم بجانب زملائه في ميدان العمل الإنساني.
وكان الدفاع المدني السوري قد نظم وقفات احتجاجية في عدة محافظات، منها دمشق وحلب ودرعا، شاركت بها الفعاليات المدنية والأهالي، الذين طالبوا المجتمع الدولي بالتحرك للضغط لإطلاق سراح حمزة العمارين، مؤكدين أن عمل الدفاع المدني إنساني وليس طرفا في النزاع.
ويقول أحد زملاء حمزة في العمل إنه عمل إلى جانبه في السويداء، وشهد شجاعته وإصراره على إنقاذ المدنيين رغم المخاطر، ويضيف "أذكر يوما كنا نُجلي عائلة محاصرة في أحد الأحياء الغربية للمدينة، وكانت أصوات الاشتباكات قريبة جدا، لكنه أصر على الدخول بنفسه وحمل طفلة صغيرة على كتفه حتى وصلنا بها إلى بر الأمان".
ويضيف أن حمزة كان آخر من يغادر موقع الإخلاء، ويرفض المغادرة قبل التأكد من خروج آخر عائلة ووصولها إلى النقطة الآمنة، ولم يكن ينظر إلى عمله كمهمة فقط، بل كان يعتبر كل عائلة يتم إنقاذها وكأنها عائلته، ويتابع "اختطاف حمزة ليس استهدافا لشخصه فقط، بل لكل من يعمل من أجل إنقاذ المدنيين".
وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت محافظة السويداء تصاعدا في الأحداث الأمنية واشتباكات عنيفة بين فصائل محلية وقوات الحكومة السورية، خلفت قتلى وأسرى، وأجبرت العشرات من العشائر البدوية على ترك منازلهم هربا من السويداء باتجاه درعا.