في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
فجر الأول من يونيو/حزيران الماضي دوّى إطلاق نار مفاجئ في قاعدة بوكيسي العسكرية جنوبي مالي، حيث شن مقاتلون من جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة هجوما مباغتا أربك الجنود الجدد في القاعدة الحدودية مع بوركينا فاسو.
فر بعض الجنود إلى الأدغال القاحلة، في حين بحث آخرون عن مأوى في قلب الفوضى، وفقا لجندي سابق تحدث إلى ناجين من الهجوم مشترطا عدم كشف هويته.
ولاحقا، انتشرت مقاطع مصورة على الإنترنت تظهر مقاتلي الجماعة وهم يحتفلون ويتجولون بين جثث الجنود، معلنين مقتل أكثر من 100 منهم وأسر نحو 20 آخرين، وهي مزاعم لم تتمكن وكالة رويترز من التحقق منها بشكل مستقل.
وأكد الجيش المالي في بيانه أن قواته "ردت بشراسة، قبل أن تتراجع"، مشيدا بجنود "قاتلوا حتى الرمق الأخير".
هجوم بوكيسي شكّل جزءا من سلسلة هجمات شنتها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين على قواعد عسكرية ومدن في مالي وبوركينا فاسو والنيجر .
وتزعم الجماعة أنها قتلت أكثر من 400 جندي خلال تلك الفترة، في حين تشير بيانات مشروع مواقع النزاعات المسلحة إلى مقتل نحو 850 شخصا، أي أعلى من المعدل الشهري الذي يبلغ نحو 600 قتيل.
ويقول محللون أمنيون إن هذا التصعيد يعكس تحولا نوعيا في إستراتيجية الجماعة التي نشأت على يد إياد أغ غالي عام 2017 بالتحول من حرب العصابات في الأرياف نحو فرض السيطرة على المناطق الحضرية وبناء مشروع سياسي ممتد من غرب مالي حتى شمال بنين وجنوب النيجر .
بدوره، يصف الخبير الأمني موشاهيد دورماز من مجموعة "فيريسك مابلكروفت" هذا التحول بأنه محاولة لـ"تطويق عواصم الساحل وبناء دولة موازية"، مدفوعة بتطور تكتيكات الجماعة واستخدامها أسلحة مضادة للطائرات وطائرات مسيّرة للمراقبة والضربات الدقيقة.
وتشكلت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" من اندماج فصائل جهادية عدة، أبرزها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة "المرابطون"، وكتيبة ماسينا، ويتراوح عدد مقاتليها بين 6 آلاف و7 آلاف مقاتل وفقا لمصدر أمني غربي، وقد أصبح إياد أغ غالي المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية قائد التحالف الجديد.
وفي مقطع فيديو نادر نشر في ديسمبر/كانون الأول 2023 دعا أغ غالي المسلمين إلى مقاومة الحكومات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وحلفائها الروس، متهما تلك الحكومات بـ"الردة عن الإسلام".
تعهدت الحكومات العسكرية التي وصلت إلى السلطة بين عامي 2020 و2023 بإعادة الأمن قبل العودة للحكم المدني، لكنها قطعت علاقاتها العسكرية مع الدول الغربية وطردت قواتها، متهمة إياها بالفشل في إنهاء التمرد، واتجهت بدلا من ذلك نحو روسيا .
لكن حتى مع نشر المرتزقة الروس فشلت الحكومات في احتواء التهديد، وسط تمدد نفوذ الجماعة التي باتت تسيطر جزئيا على نحو 60% من أراضي بوركينا فاسو، الدولة التي تعادل نصف مساحة فرنسا .
في مايو/أيار سيطرت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على مدينتين رئيسيتين في بوركينا فاسو هما جيبو (60 ألف نسمة) ودياباغا (15 ألف نسمة)، وفي الأولى بقي المسلحون نحو 11 ساعة وفي الثانية لبضعة أيام، وفقا لهيني نسايبيا كبير المحللين في مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة، والذي وصف هذه الحوادث بأنها "سابقة لم تحدث من قبل".
وأضاف نسايبيا أن الجماعة استولت على ذخائر تقدّر قيمتها بنحو 3 ملايين دولار من جيبو وحدها، مما يرفع قدرتها على تنفيذ هجمات مستقبلية أكثر تعقيدا.
اعتمدت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على مصادر تمويل متنوعة من الغارات المسلحة، مثل سرقة الماشية واختطاف البضائع، وفرض ضرائب باسم "الزكاة" على المجتمعات المحلية.
وبحسب سكان ومقاتل سابق، فإن الجماعة ساهمت أحيانا في التهدئة بين المكونات المجتمعية، مما عزز حضورها في بعض المناطق الريفية.
استندت الجماعة في استقطابها إلى مشاعر التهميش لدى الفولاني، وهي إحدى أبرز الجماعات الرعوية في المنطقة التي تعرضت لاستهداف حكومي في سياق حملات مكافحة الإرهاب.
ويقول زعيم محلي من الفولاني إن انخراطهم في الجماعة غالبا ما يكون بدافع الإحباط وغياب الفرص أكثر من كونه نابعا عن اقتناع بفكر الجماعة.
وقد امتدت عمليات الجماعة إلى شمال بنين وتوغو، حيث كثفت الحكومتان قواتهما الأمنية في المناطق الحدودية.
ويرى دورماز أن "توغو وبنين هما الأكثر عرضة للخطر نتيجة ضعف قدراتهما في مكافحة الإرهاب وتوافر نزاعات محلية وحدود يسهل اختراقها مع بوركينا فاسو".