آخر الأخبار

ماذا سيحدث في الشيشان لو غاب رجلها الأقوى؟

شارك

تواجه الشيشان اليوم اختبارًا غير مسبوق في تاريخها الحديث، إذ يتدهور الوضع الصحي للرئيس رمضان قديروف، بينما تتجه الأنظار نحو مستقبل الجمهورية القوقازية التي تحولت خلال العقدين الماضيين إلى نموذج سياسي فريد داخل الاتحاد الروسي، قائم على الولاء الشخصي وقوة القبضة الأمنية.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي ينتظر الشيشان إذا غاب رجلها الأقوى فجأة عن المشهد؟

لم يأتِ صعود رمضان قديروف إلى سدة الحكم في الشيشان مصادفة، بل كان امتدادًا لمرحلة محورية من الجدل السياسي والشخصي في تاريخ عائلته، بدأت مع والده أحمد قديروف. فقد كان الأب أحد أبرز قادة المقاومة الشيشانية خلال التسعينيات، ثم غيّر موقفه في ظل تعقيدات المشهد لينتقل إلى التعاون مع موسكو تحت شعار "الاستقرار مقابل الولاء".

هذا التحول الحاد أثار جدلًا واسعًا بين الشيشانيين وخصومه السياسيين، إذ اعتبره كثيرون خيانة لتطلعات الاستقلال، في حين رأى آخرون أنه كان محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدمار والفوضى.

وقد أدى هذا الجدل، وتزايد الاستقطاب الداخلي، إلى اغتيال أحمد قديروف في انفجار استهدفه داخل ملعب دينامو في غروزني في 2004 أثناء الاحتفال بيوم النصر، في حادثة هزت الأوساط الشيشانية والروسية معًا، وفتحت الباب أمام تصعيد ابنه رمضان إلى الواجهة.

في تلك الفترة، لم يكن رمضان بعيدًا عن مركز الأحداث؛ إذ كان قائدًا لمليشيات والده، وشارك بقوة في التحولات الميدانية، لكنه سرعان ما أعاد تموضعه مع تقارب عائلته من موسكو، لينتقل لاحقًا إلى الحكم المباشر عام 2007 بدعم الرئيس فلاديمير بوتين، معتمدًا على معادلة الولاء الشخصي كضمانة للاستقرار في منطقة القوقاز المضطربة.

خلال سنوات حكمه، أرسى قديروف الابن نظامًا أمنيًا شديد المركزية، معتمدًا على أجهزة أمنية وقوات خاصة شديدة الولاء للعائلة، وأدار شبكة علاقات معقدة في الداخل ومع الشتات الشيشاني بالخارج، وبنى صورة الدولة الحديثة عبر مشاريع الإعمار ومظاهر الرفاه النسبي مقارنة بسنوات الحرب.

إعلان

اليوم، ومع تدهور صحة قديروف، عاد النقاش حول سيناريوهات الخلافة بقوة إلى الواجهة. فابنه آدم، الذي لم يبلغ بعد سن الرئاسة القانونية وفق الدستور الروسي (ثلاثين عامًا)، جرى تصعيده مؤخرًا إلى مواقع سيادية وأمنية بارزة، في ظل إشراف مباشر من الكرملين.

وفي الوقت نفسه، برزت أسماء قوية أخرى مثل آدم دليمخانوف، وأبتي علاء الدينوف قائد قوات "أخمت" (أحمد) الخاصة، وماغوميد داودوف رئيس الوزراء، وجميعهم محسوبون على الدائرة الضيقة التي تفضل موسكو استمرارها كضامن للاستقرار.

ما يعزز مخاوف الفراغ أن النخبة الحاكمة الشيشانية ظلت لعقدين تدور في فلك أسرة قديروف، دون تطوير مؤسسات حكم ديمقراطية أو تداول حقيقي للسلطة.

وقد وزعت المناصب العليا بين الأقارب والموالين، في وقت عانى فيه المجتمع من رقابة أمنية مكثفة، وقيود اجتماعية ودينية، وتكررت التقارير الدولية حول الانتهاكات الحقوقية والاعتقالات التعسفية وملاحقة المعارضين حتى خارج البلاد.

ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل التحسن النسبي في الوضع المعيشي وبنية الإعمار، بالاستفادة من تدفقات مالية ضخمة من موسكو تمثل أكثر من 80% من الميزانية الشيشانية، وهو ما جعل قطاعات واسعة تفضل استمرارية الاستقرار الحالي على العودة إلى أجواء الحرب والصراع المسلح.

ومن التطورات اللافتة في السنوات الأخيرة مشاركة قوات الشيشان بقيادة قديروف وقوات "أخمت" إلى جانب الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية.

هذا الدور منح قديروف موقعًا متقدمًا في منظومة الولاء للكرملين، لكنه في الوقت نفسه ولّد استياءً في بعض الأوساط الشيشانية، خصوصًا مع تزايد أعداد القتلى في صفوف الجنود المحليين، واحتدام الجدل حول جدوى المشاركة في صراعات لا تمس الشيشان مباشرة.

نجح قديروف في تحويل الدين إلى عنصر أساسي في شرعية الحكم؛ إذ عمل على إحياء الهوية الإسلامية للشيشان، وشيد مسجد غروزني الكبير، واستقبل رموزًا دينية مثل شيخ الأزهر، في رسالة واضحة لإبراز البعد الديني لنظامه أمام موسكو والعالم الإسلامي.

وقد ساهم هذا التوجه في دمج الشيشان في المنظومة الدينية الروسية الأوسع، وأعطى للنظام بُعدًا رمزيًا يُستثمر في تعزيز علاقة الكرملين بالمجتمع المسلم الذي تزداد نسبته في روسيا عامًا بعد عام.

يقف ملف حقوق الإنسان في الشيشان في قلب الجدل الدولي، مع تكرار الاتهامات بانتهاكات جسيمة، وعمليات إخفاء قسري واعتقال للمعارضين، بالإضافة إلى تقارير عن ملاحقة خصوم النظام في الشتات، وخصوصًا في تركيا وأوروبا.

وقد أدى ذلك إلى ضغوط غربية متزايدة على موسكو، مع تهديد بفرض عقوبات إضافية في حال تدهورت الأوضاع بعد غياب قديروف.

ويحمل الشتات الشيشاني، خاصة في تركيا وأوروبا، دورًا سياسيًا وإعلاميًا متزايدًا، ويعد نافذة لتصعيد الخطاب المعارض أو حتى لإعادة إنتاج مشاريع المقاومة المسلحة إذا ما تزعزع الاستقرار الداخلي.

في المقابل، تتابع أوروبا بقلق إمكانية تكرار موجات هجرة واسعة إذا انفجر الوضع الأمني في الشيشان، خصوصًا مع هشاشة منظومة الحكم وغياب مؤسسات تداول السلطة.

إعلان

وهكذا، يظل المجتمع الشيشاني معلقًا بين أمل التغيير ومخاوف الفوضى، حيث تختصر الشيشان اليوم معضلة الاستقرار في منطقة القوقاز: دولة صغيرة، مجتمع جريح، سلطة متمركزة حول أسرة واحدة، وولاء متبادل بين زعيم محلي ورئيس دولة عظمى.

لذا، يبقى مصير الشيشان بعد قديروف معلقًا بين أمل التغيير ومخاطر الفوضى، وسط ترقب حذر محلي وإقليمي ودولي لما ستسفر عنه الأيام القادمة.

إن طبيعة الإرث السياسي المعقد الذي تركه أحمد قديروف، واستمرار الجدل حول شرعية خيارات ابنه رمضان، ومسار السلطة من بعده، ستظل عنصرًا حاسمًا في رسم مستقبل الشيشان للسنوات المقبلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا