شنّت إسرائيل سلسلة غارات مكثفة استهدفت "مؤسسات استراتيجية" في دمشق ومواقع حكومية في درعا والسويداء جنوب سوريا. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن "الضربات المؤلمة ضد سوريا قد بدأت وقد تستمر لأيّام".
شاركت اليوم في جلسة إحاطة بشأن الأوضاع في سوريا، نظّمتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في واشنطن.
تناولت الجلسة موضوع عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى وطنهم منذ سقوط نظام حكم الرئيس السابق، بشار الأسد، وهو ما وصفته المفوضية بأنه "فرصة فريدة من نوعها لا تتكرر سوى مرة واحدة في الجيل".
وتسعى المفوضية إلى توطيد الدعم الأمريكي والدولي للحفاظ على الاستقرار، وضمان عودة مزيد من اللاجئين بشكل آمن.
وطُرحت أسئلة على المسؤولين بشأن الهجمات الإسرائيلية على دمشق والسويداء، فضلاً عن أعمال العنف الطائفي في تلك المناطق.
وقالت ريما جاموس إمسيس، مديرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "الوضع هش للغاية، وما تحتاجه سوريا وشعبها للتعافي وإعادة البناء هو الاستقرار، وهذه الأعمال لا تسهم في تحقيق ذلك الهدف بأي حال من الأحوال".
كما أضافت أن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أعرب بالفعل عن بالغ قلقه، وطالب بوقف العنف.
على الرغم من أن الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية قد تبدو بمظهر استعراض للقوة، إلا أنها تنطوي على أبعاد أعمق تتجاوز مجرد استعراض العضلات.
فالحكومة السورية في مرحلة ما بعد الأسد لا تزال في مرحلة التشكُّل، ويعاني جيشها وأجهزتها الأمنية من ضعف وانقسام، في ظل محاولات مستميتة لبسط السيطرة.
وعقب سقوط الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، شنت إسرائيل هجمات جوية مكثفة استهدفت ما يزيد على 400 موقع عسكري خلال 48 ساعة، في خطوة واضحة لمنع أي تصعيد عسكري سريع قد يهدد أمنها القومي، لا سيما عند حدودها الشمالية.
ورغم أن القيادة السورية الجديدة لا تُظهر نية الدخول في صراعات إقليمية، وسط تلميحات عن مفاوضات هادئة برعاية أمريكية، إلا أن إسرائيل تعتبر وجود عناصر مرتبطة بتيارات إسلامية بالقرب من المناطق الدرزية أو المنطقة العازلة بمثابة تجاوز للخطوط الحمراء.
وبناء عليه تعد هذه الضربات بمثابة أداة ردع وتحذير في آن واحد.
بيد أن تلك العمليات العسكرية ليست دون تداعيات، فقد أثارت موجة من الغضب في الأوساط الشعبية السورية، بل وأحدثت انقساماً داخل المجتمع الدرزي نفسه، في ظل رفض بعض أفراده أي تقارب مع إسرائيل.
وعموما تحمل هذه العمليات في طياتها بعداً سياسياً إلى جانب البُعد العسكري، إذ تهدف إلى التأثير في معالم النظام السوري المقبل قبل أن يستقر على شكله النهائي.
قاومت الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، منذ سقوط نظام حكم الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، جميع محاولات إعادة فرض سلطة الحكومة المركزية.
وعلى الرغم من وجود تباينات في مواقف الفصائل الدرزية، إلا أن كثيراً منها يرفض وجود القوات العسكرية والأمنية الرسمية في المدينة الرئيسة، مفضلين إدارة شؤونهم والدفاع عنها من خلال ميليشيات محلية.
وقد أدت هذه الرغبة في الحكم الذاتي إلى تصاعد التوترات مع الجماعات البدوية في المنطقة، والتي تحظى بدعم من الحكومة الجديدة التي تقودها عناصر إسلامية في دمشق.
وسرعان ما انهار التوازن الهش، إذ اندلعت اشتباكات يوم الأحد الماضي بين المقاتلين الدروز والقوات السورية المنتشرة بذريعة استعادة الاستقرار، بيد أن مصادر محلية أفادت بأن تلك القوات ارتكبت تجاوزات، شملت قتل مدنيين، ونهب المنازل، وإهانة وجهاء المجتمع، وقد انهار اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بالأمس خلال بضع ساعات.
كما يُعد التدخل الإسرائيلي عاملاً إضافياً في تعقيد المشهد، إذ تبدو الضربات الإسرائيلية موجّهة نحو ردع دمشق ومنعها من التوغل في السويداء، لكنها أيضاً تعزز احتمالية توسع النزاع على أسس طائفية أو إقليمية.
ويواجه الدروز، في الوقت الراهن، واقعاً محفوفاً بالتحديات، فمطالبهم بالحكم الذاتي تتعارض بوضوح مع رغبة دمشق في فرض السيطرة، وفي ظل سفك الدماء وتدخل قوى خارجية، تبدو الطريق نحو المستقبل أكثر اضطراباً وغموضاً.
نظمت مظاهرات في مناطق عدة في سوريا بينها دمشق "دعماً للحكومة والجيش تنديداً بالغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية"، بحسب وكالة الأنباء السورية "سانا".
أصدرت عشائر بني معروف في الأردن، التي تمثل الجزء الأكبر من الطائفة الدرزية في المملكة، الأربعاء، بياناً عبّرت فيه عن قلقها العميق إزاء الأحداث المتصاعدة في محافظة السويداء في سوريا، وما تشهده من "اقتتال داخلي يهدد السلم الأهلي ويُفتح الباب لتدخلات خارجية".
وأكد البيان على "وحدة الصف العربي ورفض أي تدخل صهيوني في الجنوب السوري"، موجّهاً نداء إلى الحكومة السورية لوقف التصعيد.
أدانت دمشق ما وصفته بـ "العدوان الإسرائيلي الغادر" الذي استهدف مؤسسات حكومية ومنشآت مدنية في العاصمة السورية والسويداء، ما أسفر عن قتلى وعشرات الجرحى المدنيين بينهم نساء وأطفال، وأدى إلى "أضرار جسيمة بالبنية التحتية والمرافق العامة"، بحسب بيان لوزارة الخارجية.
واعتبرت الوزارة في البيان، "هذا الاعتداء السافر الذي يأتي في سياق سياسة ممنهجة ينتهجها الكيان الإسرائيلي لإشغال التوتر وخلق الفوضى، وتقويض الأمن والأمان في سوريا، يمثل خرقاً فاضحاً لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي الإنساني".
وحملت سوريا، إسرائيل، "المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد الخطير وتداعياته"، مؤكدة أنها "ستحتفظ بكامل حقوقها المشروعة في الدفاع عن أرضها وشعبها وبكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي".
أفاد موقع أكسيوس الأربعاء، نقلا عن مسؤول أمريكي لم يُكشف عن هويته، بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب تقترب من التوصل إلى اتفاق لتهدئة الوضع بين إسرائيل وسوريا.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو للصحفيين في البيت الأبيض في وقت سابق الأربعاء، إنه يتوقع إحراز تقدم نحو خفض التصعيد خلال الساعات القليلة المقبلة، بعد أن شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة على دمشق.
تعد الدرزية فرعاً من الإسلام الشيعي، ولها هوية دينية ومذهبية مستقلة.
واحتلّ الدروز عبر التاريخ موقعاً هشاً داخل الهيكل السياسي السوري، ويقيم نصف أتباع الدرزية، الذين يُقدّر عددهم بنحو مليون شخص، داخل الأراضي السورية، ويُشكّلون ما نسبته 3 في المئة من إجمالي عدد السكان، فيما تتوزع تجمعات أصغر في لبنان وإسرائيل وهضبة الجولان المحتلة.
ويُشير أبناء طائفة الدروز إلى أنفسهم باسم "الموحدون"، أي المؤمنون بتوحيد الله، كما يُطلق عليهم أيضاً "بنو معروف"، ويُقال إن اسم "دروز" يعود إلى نشتكين (محمد بن إسماعيل) الدرزي، الذي نشر دعوته في لبنان وسوريا.
ويرجع تاريخ وجود الموحدين الدروز في سوريا إلى مئات الأعوام، وقد لعبوا دوراً أساسياً في بلاد الشام عبر مراحل تاريخية مختلفة، حيث شاركوا في معركة حطين ضد الصليبيين عام 1187، وتولّوا مهام قيادية بعد نيلهم ثقة الأيوبيين والزنكيين،و كما انخرطوا لاحقاً مع المماليك ضد المغول في معركة عين جالوت، وفي القرن التاسع عشر، وقف الدروز إلى جانب العثمانيين ضد حملة محمد علي باشا على بلاد الشام، وكبّدوا الجيش المصري خسائر كبيرة في جبل العرب جنوبي دمشق، بقيادة الشيخ يحيى الحمدان، الذي كان يحكم الجبل آنذاك.
يبلغ عدد الموحدين الدروز في سوريا اليوم نحو 700 ألف نسمة، يتوزعون في مناطق مختلفة من بينها السويداء والجولان، وبالقرب من دمشق وفي إدلب.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد وجّه تحذيراً، في مطلع العام الجاري، مفاده أنه لن "يتهاون مع أي تهديد يستهدف الدروز في جنوب سوريا"، في إشارة إلى التشكيلات الأمنية الجديدة الناشئة في البلاد.
كما طالب نتنياهو بإخلاء مناطق واسعة من جنوب سوريا من السلاح، معتبراً أن جماعة "هيئة تحرير الشام" ذات التوجه السني الإسلامي، والتي يتزعمها الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تُشكّل تهديداً مباشراً.
وقالت لينا سنجاب، مراسلة بي بي سي لشؤون الشرق الأوسط، إنها التقت مؤخراً عدداً من أبناء الطائفة الدرزية، والذين أفادوا بأن الهجمات الأخيرة التي تعرّضت لها مجتمعاتهم على يد ميليشيات إسلامية مرتبطة بشكل غير مباشر بالحكومة في دمشق، أسهمت في تعميق حالة انعدام الثقة تجاه الدولة السورية.
ويقيم نحو 150 ألف درزي في إسرائيل، الغالبية منهم يعتبرون أنفسهم إسرائيليين واندمجوا بالفعل في المجتمع الإسرائيلي وجيشه. بينما يقيم 23 ألف درزي في الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان، ويتسمك غالبيتهم بالهوية السورية، رافضين الجنسية الإسرائيلية.
وأعلن نتنياهو في 17 فبراير/شباط الماضي قائلاً: "لن نسمح لقوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول الأراضي الواقعة جنوب دمشق. ونطالب بنزع السلاح الكامل من جنوب سوريا، في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء".
واجتمع الشرع بوفد درزي على أثر تصريحات نتنياهو في 25 فبراير/شباط، ضمّ قائدَيْ "قوات الكرامة" و"أحرار الجبل" - وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية سانا.
وقال الشرع خلال اللقاء إنّ السويداء جزءٌ لا يتجزأ من سوريا، كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن قرار السماح لدروز سوريين بالدخول إلى الجولان، للعمل، بدءاً من 16 مارس/آذار.
كان يوماً هادئاً في محل لبيع المجوهرات حيث يعمل، أمين، إلى أن تحطم الزجاج وشعر بأن الأرض تهتز في دمشق.
وبدون أن يتوقف ليفكر، اندفع أمين، أحد أفراد الطائفة الدرزية في سوريا ويستخدم اسماً مستعاراً لحماية هويته، تحت الطاولة.
وعلى بُعد بضع مئات من الأمتار فقط، قصفت طائرات حربية إسرائيلية مبنى وزارة الدفاع السورية، مما تسبب في تصاعد سحب داكنة ضخمة غطّت التقاطع المزدحم.
وقال أمين "كانت صدمة كبيرة"، مشيراً إلى وجود بعض الأشخاص في المتجر، "لكن لم يُصب أحد بأذى".
بعد ساعتين، خرج بحذر لتفقد الأضرار. كانت الضربات الإسرائيلية قريبة جداً، ولا سبيل له لمعرفة ما إذا كانت الضربة القادمة ستقترب أكثر من منزله. وقال أمين "أنا قلق جداً جداً جداً".
قال الجيش الإسرائيلي إنه "يواصل ضرب أهداف عسكرية للنظام السوري" في جنوب سوريا.
وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن طائرات سلاح الجو أغارت "بتوجيه استخباري" على "أهداف عسكرية للنظام السوري" في جنوب سوريا، مشيراً إلى "استهداف بعض الآليات المدرعة والمسلحة بالرشاشات الثقيلة والوسائل القتالية والتي كانت تتحرك نحو منطقة السويداء" خلال الساعات الماضية.
وتحدث عن "مهاجمة مرابض إطلاق نار ومستودعات أسلحة وأهداف عسكرية أخرى تابعة للنظام السوري في جنوب سوريا".