( CNN ) -- خصّص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساحة أكثر من 41.5 ألف فدان (ما يعادل 174 مليون متر مربع) بمحافظة البحر الأحمر، لصالح وزارة المالية لاستخدامها في خفض الدين العام وإصدار الصكوك السيادية، حسبما أفادت الجريدة الرسمية.
وأثار القرار تساؤلات حول خطة الحكومة لخفض الدين، وارتباط القرار بهذه الخطة، واستمرار ملكية الدولة للأرض بعد إصدار الصكوك، وكيف سيتم استغلال هذه المساحة الضخمة من الأرض الواقعة في منطقة رأس شقير .
وتواجه مصر أزمة تضخم الدين العام لأجهزة الموازنة، سواء داخليًا أو خارجيًا، والذي ارتفع إلى 12.5 تريليون جنيه (251.5 مليار دولار) (ما يعادل 89.4% من الناتج المحلي الإجمالي) مُوزع ما بين 8.7 تريليون جنيه (175.3 مليار دولار) الدين المحلي لأجهزة الموازنة، و3.8 تريليون جنيه (76.2 مليار دولار) الدين الخارجي الحكومي، مما تسبب في تحمل مدفوعات فوائد بلغت 1.656 تريليون جنيه (33.3 مليار دولار) خلال الفترة من يوليو/تموز إلى أبريل/نيسان من السنة المالية الحالية 2024/2025، وفق بيانات وزارة المالية .
وتقول بيانات وزارة المالية إن الحكومة تحاول مواجهة تضخم الدين بالعمل على توزيع أعباء مدفوعات الفوائد على السنة المالية، وتنويع مصادر التمويل من خلال تقليل الاعتماد على حساب الخزانة الموحد والالتزام بالحدود القانونية، إضافة إلى خفض الاستثمارات العامة الممولة من الخزانة بالالتزام بسقف الإنفاق الاستثماري عند تريليون جنيه للعام المالي الحالي.
وتستهدف الحكومة استمرار خفض معدل الدين للناتج المحلي إلى 81% بنهاية يونيو/حزيران 2026، واستمرار النزول بحجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة بنحو 1 إلى 2 مليار دولار سنويًا، وفق تصريحات رسمية لوزير المالية أحمد كجوك .
ولتحقيق ذلك تعتزم الحكومة المصرية بيع صكوك إسلامية بقيمة مليار دولار في طرح خاص لصالح بيت التمويل الكويتي لأجل 3 سنوات بعائد نصف سنوي، لتحقيق مصلحة الطرفين، فبالنسبة لمصر يسهم إصدار الصكوك في توفير احتياجات مصر الدولارية وخفض الدين، وبالنسبة للكويت يفوق العائد على الصكوك المحقق من البنك المركزي على الودائع الكويتية البالغ قيمتها 4 مليارات دولار، كما تعتزم الحكومة المصرية عرض محفظة مشروعات لاستثمار باقي أموال الوديعة الكويتية، بحسب مصدر حكومي مطلع .
وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها الحكومة المصرية صكوكًا، إذ سبق أن أصدرت ما قيمته 1.5 مليار دولار في عام 2023 بضمانة قطعة أرض بالعاصمة الإدارية الجديدة. ولقى هذا الطرح إقبالًا مرتفعًا من المستثمرين، وجرى تغطيته أكثر من 4 مرات، وفق بيانات رسمية سابقة.
ويأتي طرح الصكوك بعد إقرار البرلمان في عام 2021 قانونًا لإصدار الصكوك السيادية، عرّفها بأنها أوراق مالية حكومية اسمية متساوية القيمة وقابلة للتداول تصدر لمدة محددة، لا تتجاوز 30 عامًا وتمثل حصصًا شائعة في حقوق منفعة الأصول، وهذه الأصول إما أموال ثابتة أو منقولة ذات قيمة اقتصادية مملوكة ملكية خاصة للدولة عدا الموارد الطبيعية .
وبالنسبة لمخاوف بيع هذه المساحة المميزة من الأراضي بالبحر الأحمر، أكدت وزارة المالية أن تخصيص الأرض لإصدار صكوك لايعني بيعها بل استخدامها وتطويرها واستخدام جزء منها ضمانة لإصدار صكوك سيادية، مما يسهم في توفير تمويل يغطى احتياجات الموازنة العامة للدولة بشروط مميزة .
وكشفت وزارة المالية، في بيان رسمي، خطة استغلال الأرض من خلال الدخول فى بعض الصفقات والشراكات مع بعض جهات الدولة التي تعمل في القطاع المالى، وبعض الهيئات الاقتصادية، لاستبدال جزء من المديونية القائمة على أجهزة الموازنة لدى تلك الجهات الحكومية مقابل الدخول في استثمارات مشتركة .
وعدّد البيان مزايا إصدار الصكوك بضمانة الأرض في تحقيق أولًا خفض مديونية أجهزة الموازنة، وكذلك فاتورة وأعباء خدمة الدين، ثانيًا المساهمة في تطوير تلك الأراضى، وتحويلها إلى مشروعات إنتاجية وخدمية وسياحية وعقارية؛ بما يحقق عائدًا اقتصاديًا جيدًا، وتوفير فرص عمل .
وفرّق رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية الأسبق، شريف سامي، بين صكوك الشركات التي تصدرها الشركات والمؤسسات المالية وينظمها تعديلات قانون سوق رأس المال عام 2018، وقد أصدرت عدة إصدارات من هذه الصكوك لكبرى الشركات آخرها لإحدى شركات التمويل متناهي الصغر في فبراير/شباط الماضي، وبين الصكوك السيادية، والمنظمة بقانون رقم 138 لسنة 2021، ونص على أن إصدارها حق حصري لوزارة المالية، على أن تستخدم في تمويل المشروعات الاستثمارية والتنموية المدرجة بالموازنة العامة للدولة .
وأوضح سامي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن "الأصول التي تصدر الصكوك السيادية على أساسها تكون في صيغة تقرير حق انتفاع أو تأجير دون حق الرقبة – أي بدون حق التصرف بالبيع – مما يؤكد أن الأرض المخصصة بالبحر الأحمر ليست للبيع، كما أن حصيلة هذه الصكوك تستخدم في تمويل المشروعات الاستثمارية والتنموية، ولذا تمثل الصكوك قناة تمويل إضافية للاستثمارات العامة، لا سيما أن هناك مؤسسات مالية تفضل هذه الأداة المالية لتوافقها مع الشريعة الإسلامية" .
وربط شريف سامي، الإقبال على الاستثمار في الصكوك المصرية، بدراسة المستثمرين المستهدفين لجدوى المشروع الممول ومقدار المخاطر المحيطة بالإصدار والعملة والعائد المتوقع، مشيرًا إلى أن تسعير العائد على الصكوك السيادية يتأثر بالتصنيف الائتمانى للدولة المصدرة، فكلما ارتفع هذا التصنيف ارتضى المستثمرين بعوائد أقل نسبيًا.