في نهاية فترته الرئاسية الأولى، كتب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تغريدة على تويتر، فجرت قنبلة دبلوماسية، في قضية "مجمدة"، ونزاع عربي، عمره 50 عاما.
أعلن ترامب يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، المتنازع عليه بين الرباط وجبهة بوليساريو، التي تكافح من أجل إقامة دولة مستقلة للشعب الصحراوي.
وغيرت تغريدة ترامب الموقف الأمريكي من الحياد إلى مساندة صريحة للمقترح المغربي، بمنح الصحراويين حكما ذاتيا، تحت سيادة المملكة المغربية.
وبعد انتخاب ترامب لفترة رئاسية ثانية، عاد الحديث عن صفقاته، وجدد هو تعهداته بإنهاء الحروب والنزاعات، في أوكرانيا والشرق الأوسط، بطريقته الخاصة.
والمعروف أن ترامب ينظر إلى القضايا السياسية والنزاعات الدولية بمنطق رجل الأعمال. لذلك عرفت مبادرته لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي "بصفقة القرن". وهو يتحدث عن إعادة إعمار غزة، مثلما يتحدث المستثمرون عن مشاريع الترقية العقارية.
وبهذا المنطق، قرر اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابل أن تنضم الرباط إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" الشهيرة، لتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، رفقة أبوظبي والمنامة والخرطوم.
وتتناقض "صفقة" الرئيس الأمريكي بخصوص السيادة المغربية على الصحراء الغربية مع اعترافه بالقدس كاملة عاصمة لإسرائيل.
فالعاهل المغربي، محمد السادس، هو رئيس "لجنة القدس"، التي أسسها والده الملك، الحسن الثاني، في 1975، وكان رئيسا لها حتى وفاته.
وتقول اللجنة على موقعها الإلكتروني إن مهمتها "التمسك بالحرم القدسي الشريف وجميع الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية"، التي تشكل "جزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967"، وكذلك مواجهة "تهويدها ومحاولات طمس هويتها العربية الإسلامية".
وتجاهل ترامب رأي الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وقرارات الأمم المتحدة، بخصوص السيادة على القدس الشرقية والجولان ومزارع شبعا.
وكذلك لم يشر في تغريدته عن الصحراء الغربية إلى الصحراويين ومطالبهم، ولا إلى موقف الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وقال: "إن مقترح الحكم الذاتي المغربي يتسم بالجدية والمصداقية والواقعية، وهو الأساس الوحيد لحل عادل، من أجل تحقيق السلم والازدهار".
وسجلت الدبلوماسية المغربية نصرا عظيما بتأييد الولايات المتحدة لمقترح الحكم الذاتي، الذي تطرحه منذ 2007. وشجع تحول موقف واشنطن دولا أوروبية، مثل فرنسا وإسبانيا، على الميل الصريح إلى الطرح المغربي لحل النزاع.
وتتسابق باريس ومدريد، عبر شركاتهما، إلى اغتنام فرص الاستثمار المجزية، التي تعرضها الرباط، في الأراضي الصحرواية، الواقعة تحت سيطرتها، مقابل تأييد مطالبها بالسيادة على الإقليم.
وأثار موقف فرنسا وإسبانيا غضب الجزائر، التي تعترف "بالجمهورية الصحراوية"، وتدعم جبهة بوليساريو، ومطلب تقرير المصير، الذي ترفعه أمام الأمم المتحدة، لحل النزاع مع المغرب.
وعندما عرض ترامب خطته لإنهاء الحرب في غزة، تحدث بمنطق المستثمر، فقال للصحفيين "سنأخذ غزة، وسنملكها ونطورها".
واقترح ترحيل أهلها إلى مصر والأردن. وعندما سأله الصحفي عن الجانب الإجرائي للمبادرة، رد عليه: "فكر في الأرض على أنها مشروع عقاري".
ووعد الرئيس الأمريكي بتحويل القطاع، بعد تفريغه من سكانه الفلسطينيين، إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". وأثارت تصريحاته إدانة واسعة في العالم، بينما أشاد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وأنصاره.
وبمنطق "المشروع العقاري"، لا تختلف الصحراء الغربية، عن غزة، فهي إقليم متنازع عليه منذ نصف قرن من الزمن، ولها واجهة بحرية على المحيط الأطلسي تضاهي، بشواطئها ومياهها، السواحل الإسبانية، فضلا عن ثرواتها الطبيعية الهائلة.
وربما يؤهلها هذا لتكون "مشروعا" يغري طموحات الرئيس الأمريكي "بامتلاكها، وتطويرها". وتحويلها إلى "ريفييرا الأطلسي"، على حد تعبير خبير العلاقات الدولية في المجلس الأوروبي، هيو لوفيت.
وقال لوفيت لبي بي سي إنه لن يتفاجأ بأن "يسوق المغرب هذا التصور لترامب سعيا من الرباط لجلب المزيد من الاستثمار في الإقليم".
ولم يكن الرئيس الأمريكي ليقدم للمغرب "اعترافا"، بهذا الحجم، دون أن ينتظر مقابله مصلحة استراتيجية لبلاده.
والواقع أن اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لم يكن نتيجة لتطبيع الرباط لعلاقاتها مع إسرائيل، بل إن العكس هو الذي حدث.
فقد ذكرت القناة 13 الإسرائيلية أن نتنياهو كان يسعى، منذ سنوات طويلة، لإقناع الولايات المتحدة بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وأنه التقى سرا بوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في 2018 لمناقشة الأمر.
وأضافت القناة أن رجل الأعمال اليهودي المغربي، ياريف الباز، المقرب من ترامب، هو الذي نظم اللقاء.
وفي يوليو/تموز 2022 نشر جاريد كوشنر، وزوجته إيفانكا ترامب، صورا لهما، على شواطئ الداخلة، في الصحراء الغربية. وكتبا تعليقا على الصور أنهما في المغرب، ربما تأكيدا على التزام الرئيس الأمريكي بقراره.
ماهي الصحراء الغربية؟
الصحراء الغربية إقليم في منطقة المغرب العربي، شمال غربي أفريقيا. وتبلغ مساحة اليابسة فيها 226 ألف كيلومتر مربع (مساحة المغرب 446550 كيلومتر مربع). ولها واجهة بحرية على المحيط الأطلسي، لا تبعد عن جزر الكناري الإسبانية، إلا بنحو 50 كيلومترا.
وتحتوي أراضيها القاحلة على ثروات طبيعية هائلة، منها الفوسفات (المغرب من أكبر مصدري الفوسفات في العالم)، والحديد واليورانيوم والذهب، وربما النفط والغاز، فضلا عن معادن نادرة أخرى، يجري استكشافها أوالتنقيب عنها، في الإقليم.
ويتمد ساحل الصحراء الغربية على المحيط الأطلسي بطول 1200 كيلومتر (ساحل الجزائر طوله 1200 كيلومتر). وتعد مياهها البحرية من أغنى المياه في العالم، من حيث الثروة السمكية.
وتتوافر فيها إمكانيات لتوليد الطاقات المتجددة، تسد احتياجات المغرب العربي كله.
صفتها القانونية؟
الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة، أدرجتها الأمم المتحدة، منذ 1963، ضمن مجموعة من الأقاليم "غير المتمتعة بالحكم الذاتي". ولا تزال، منذ 1975 إلى اليوم، إقليما متنازعا عليه، بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بوليساريو.
وتطالب جبهة بوليساريو، منذ تأسيسها في عام 1973، بالاستقلال التام في الصحراء الغربية. بينما شرع المغرب، بعد حصوله على الاستقلال من فرنسا في 1956، في المطالبة بسيادته على الإقليم، الذي كانت تحتله إسبانيا، منذ 1884.
وفي بداية السبعينيات، تضاعفت الضغوط الداخلية والخارجية على إسبانيا، بخصوص وجودها في الصحراء الغربية. فاضطرت الحكومة الإسبانية إلى الرحيل عن الإقليم، وأعلنت في 1974 عن تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحرواي.
فالبلاد كانت تمر بمرحلة انتقالية صعبة، وحكومة الجنرال، فرانتشيسكو فرانكو، المريض، لم تكن قادرة على التعامل مع تمرد المسلحين الصحراويين، على الأرض، ومطالب المغرب ثم موريتانيا، بالسيادة على الإقليم، بعد اكتشاف الفوسفات فيه.
لكن إعلان إسبانيا عن إجراء استفتاء لتقرير المصير لم يعجب المغرب، فلجأ إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لإثبات "حقوقه الشرعية" في الإقليم. ولذلك طلبت الأمم المتحدة رأيا استشاريا من المحكمة الدولية في دعاوى المغرب وموريتانيا.
وخلصت المحكمة إلى أن الوثائق والمعلومات، التي قدمت لها، "لا تثبت أي رابطة سيادة إقليمية بين الصحراء الغربية والمملكة المغربية أو موريتانيا". وأنها لم تجد "أي رابطة قانونية" تحول دون تطبيق مبدأ استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي، وفق مبادئ الأمم المتحدة.
وبعد صدور القرار، دعا العاهل المغربي، الحسن الثاني، إلى "المسيرة الخضراء"، وهي تظاهرة شعبية، شارك فيها 350 ألف مغربي، توجهوا يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 نحو الحدود مع الصحراء الغربية، للضغط على الإدارة الإسبانية في الإقليم.
ومما جاء في خطاب الحسن الثاني إلى المغاربة يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1975: "غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطالون أرضا من أراضيكم، وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز".
وخرج عشرات الآلاف فعلا إلى الشوارع تلبية لنداء الملك، بتأطير من القوات المسلحة، ولكن لم يسمح إلا لعدد قليل منهم بعبور الحدود، رمزيا، حرصا على عدم إحراج السلطات الإسبانية.
وعجلت "المسيرة الخضراء" بمفاوضات، وقعت فيها إسبانيا يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 على اتفاق سلمت بموجبه ثلثي أراضي الإقليم (في الشمال) للمغرب، والثلث الباقي (في الجنوب) لموريتانيا، مع احتفاظها باستثمارتها في مناجم الفوسفات هناك.
ورفضت جبهة بوليساريو تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا. وتعهدت بالتصدي "للغزاة" المغاربة والموريتانيين على حد سواء. وفي فبراير/شباط 1976 أعلنت قيام الجمهورية العربية الصحرواية الديمقراطية، في بير لحلو.
العمل المسلح
وشرعت جبهة بوليساريو، بدعم من الجزائر وليبيا، في شن هجمات على مواقع القوات المغربية، التي انتشرت شمالي الإقليم، وعلى الجيش الموريتاني في المنطقة الجنوبية منه، ودفعت الاشتباكات بآلاف المدنيين الصحراويين إلى النزوح عن ديارهم.
ولجأ قطاع منهم إلى الفيافي النائية، التي تنعدم فيها مظاهر الحياة، وتصل الحرارة فيها إلى درجات لا يحتملها البشر. ونزح آلاف آخرون إلى الجزائر، حيث يقيمون في مخيمات بمنطقة تندوف الحدودية، إلى اليوم. وهناك مقر "الحكومة الصحرواية" المؤقتة.
وفي 1979، قررت موريتانيا، بعد انقلاب عسكري في البلاد، وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي كانت تمر بها، التخلي عن مطالبها في الصحراء الغربية، وسلمت المنطقة الجنوبية، من الإقليم، لجبهة بوليساريو، ووقعت على معاهدة سلام معها.
"الجدار العازل"
وأعلنت الرباط، إثر ذلك، عن ضمها للمنطقة الجنوبية من الصحراء الغربية. وشرعت، منذ بداية الثمانينيات، في بناء جدار رملي، يفصل، من الشمال إلى الجنوب، بين المناطق، التي تسيطر عليها القوات المغربية (80 في المئة)، وتلك التي بيد جبهة بوليساريو (20 في المئة).
ويمتد الجدار، الذي أنجزه الجيش المغربي، بمساعدة إسرائيلية، على مسافة 2700 كيلومتر، بارتفاع ثلاثة أمتار. وزرع حوله 10 ملايين لغم مضاد للأفراد، على منطقة بعرض مئات الأمتار. وتحرسه قوات عسكرية قوامها 100 ألف جندي.
وتقول الرباط إن "جدار الدفاع" يهدف إلى "منع تسلل المسلحين" الصحراويين، بينما ترى جبهة بوليساريو أنه "جدار العار"، الذي "يقسم البلاد، ويفصل بين آلاف العائلات". وتشبهه بالجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وقف إطلاق النار وتقرير المصير
وبعد 16 عاما من الحرب المفتوحة بين جبهة بوليساريو والقوات المغربية، في الصحراء الغربية، وافق الطرفان في سبتمبر/ أيلول 1991 على وقف لإطلاق النار، توسطت فيه الأمم المتحدة. ونص الاتفاق على إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، في السنة التالية 1992.
لكن مسار الاستفتاء توقف بسبب خلاف بشأن تحديد هوية من يحق لهم التصويت. فجبهة بوليساريو أصرت على أن تقتصر المشاركة على المسجلين في إحصاء سكان الصحراء الغربية في 1974، وذرياتهم، وهو ما كان سيضمن لها التصويت بنعم للاستقلال.
أما الموقف المغربي، فكان حريصا على أن تشمل المشاركة في الاستفتاء المغاربة المقيمين في الصحراء الغربية والصحراويين المقيمين في المغرب أيضا. وهو ما كان سيرجح حتما كفة أنصار الانضمام إلى المملكة.
وبعد وفاة الملك الحسن الثاني، تولى العرش نجله، محمد السادس، وأعلن في 2001 رفض بلاده لإجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية. وفي 2003 اقترحت الأمم المتحدة الحكم الذاتي لمدة 5 سنوات، يتبعها استفتاء للشعب الصحراوي.
وردا على المقترح الأممي، طرحت الرباط في 2007 فكرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، فرفضتها جبهة بوليساريو في حينها.
وكانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في 2020، ثم تبعتها إسرائيل في 2023.
شعب مشرد على أرضه
يعيش الصحراويون، منذ عشرات السنين، مشردين في بلادهم، أو منفيين في مخيمات منسية خارج الحدود. قطعت الحروب أوصالهم، وتركتهم فريسة للألغام أوالطائرات المسيرة، في غفلة من العالم والإنسانية.
تجاوز عدد اللاجئين الصحراويين في الجزائر 170 ألفا، موزعين على 5 مخيمات بمنطقة تندوف، في جوف الحمادة، التي تعرف بأنها صحراء الصحراء، أو "بوابة جهنم". تبلغ حرارة نهارها 50 درجة مئوية، وليلها برد زمهرير.
أرض لا نبات فيها ولا ماء، وبحر من الرمال والعواصف لجأ إليه الصحرايون، هربا من الحرب في بلادهم، منذ 50 عاما. وفي انتظار العودة إلى مدن العيون والداخلة والسمارة وأوسرد، أطلقوا أسماءها على مخيماتهم.
وتدير جبهة بوليساريو مخيمات تندوف كما تدار الدولة، بمؤسساتها الإدارية وأجهزتها الأمنية، وخدماتها الصحية والتعليمية الأساسية. ولكنها تعتمد على المساعدات الإنسانية في الكثير من المجالات، مثل الغذاء والماء والطاقة.
الحمدي، الذي يعمل مترجما للمنظمات الإنسانية في المخيمات ونزحت عالته من مدينة الداخلة في السبعينيات، قال لي بمرارة إن دولا أوروبية "تتصدق" على اللاجئين الصحراويين بالسمك المعلب، الذي "سرقته" من سواحل الصحراء الغربية.
ويقيم ما يقارب من 30 ألفا من الصحراويين في موريتانيا، و18 ألفا في إسبانيا وإيطاليا وغيرها من دول أوروبا الغربية. وآلاف الشباب المولودين في المخيمات يدرسون في الجامعات الجزائرية والكوبية.
وفي مناطق الصحراء الغربية، التي يسيطر عليها المغرب، تقع المدن الساحلية على المحيط الأطلسي. ويواجه الصحراويون فيها القمع والتمييز بسبب تضامنهم مع بوليساريو، وفق تقارير المرصد الدولي لمراقبة الموارد الصحراوية، واللجنة النرويجية لدعم الصحراء الغربية.
أما في المنطقة التي تسيطر عليها جبهة بوليساريو، فعددهم يترواح ما بين 20 و30 ألفا. لكن الكثيرين منهم نزحوا، في السنوات الأخيرة، إلى مخيمات تندوف بالجزائر أو إلى موريتانيا.
هربوا خوفا من الطائرات المسيرة، التي يستعملها الجيش المغربي، لاستهداف مقاتلي بوليساريو. لكن المسيرات تقتل المدنيين من البدو الرحل والمسافرين أيضا.
كان يسلم من بين الشباب الذين انتقلوا في 2017 من مخيمات تندوف إلى بلدة مهيريز، بتشجيع من بوليساريو، لتعمير "المناطق المحررة". وهي واحة في الشمال الشرقي من الصحراء الغربية، تحولت إلى مدينة صغيرة، في الجهة الشرقية من الجدار الرملي.
لكن منذ عامين، عاد يسلم ومئات العائلات إلى المخيمات، أو نزحوا إلى بير مغرين، على بعد 100 كيلومتر، في الأراضي الموريتانية. ويقول إن "السكان هجروا البلدة، بسبب المسيرات المغربية، التي تكررت غاراتها وتزايد عدد ضحاياها".
ويذكر المكتب الصحراوي لتنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام أنه "سجل 73 هجوما للجيش المغربي بالمسيرات من 2021 إلى 2023. وأسفرت هذه العمليات عن مقتل 86 شخصا، بينهم طفلان، وإصابة 170 آخرين بجراح".
وجاء في صحيفة هآرتس أن إسرائيل زودت المغرب، في عام 2021، بطائرات مسيرة انتحارية قيمتها 22 مليون دولار، في إطار توقيعها على الاتفاقيات الإبراهيمية.
وتحمل مسيرات هاروب 20 كيلوغرام من المتفجرات، وتستطيع التحليق لمدة 7 ساعات لمسافة 1000 كيلومتر.
وتنفي الرباط استعمال المسيرات في الجهة الشرقية من الجدار الرملي. ولكن الجزائر اتهمتها في 2021 "باغتيال" ثلاثة سائقين جزائريين في غارة استهدفت، شاحنتين لنقل السلع بين ورقلة (الجزائر) ونواقشوط (موريتانيا)، مرورا بالأراضي الصحراوية.
وانقطعت حركة الناس بين مناطق الصحراء الغربية منذ إقامة الجدار الفاصل، في ثمانينيات القرن الماضي. وأصبحت الزيارات العائلية ضربا من المستحيل. ونشأت أجيال من الصحراويين، في مخيمات اللاجئين أو في المهجر، لا يعرفون عن بلادهم شيئا إلا القصص والأخبار.
عزة عمرها 50 عاما وتعمل في مدينة العيون بالصحراء الغربية. أمامها طريقان لزيارة خالها الشيخ المختار، المريض في مخيمات تندوف، إما أن تسافر بالطائرة إلى الجزائر، عبر فرنسا أو إسبانيا، ثم تقطع مسافة 2000 كيلومتر إلى تندوف، أو عبر موريتانيا، في رحلة تستغرق 5 أيام. وهو أمر فوق طاقتها.
"المغرب الكبير"
لم تقتصر مطالب المغرب الإقليمية تاريخيا على الصحراء الغربية، فقد اعترضت الرباط في 1960 على استقلال موريتانيا عن فرنسا. وطالبت بضمها للمملكة، باعتبارها إقليما تابعا "للمغرب الكبير"، انتزعه منها الاستعمار الغربي. ولم تعترف باستقلالها إلا في 1969.
وأطلق مفهوم "المغرب الكبير" زعيم حزب الاستقلال،علال الفاسي، في أواخر 1955، ثم تبناه الملك محمد الخامس، بعد ذلك.
ويزعم من خلاله أن سيادة المغرب تمتد إلى الأقاليم، التي "كان فيها ولاء" تاريخي للدولة السعدية في القرن 16، تحت اسم "السلطنة الشريفة".
وهو اعتقاد رفضته محكمة العدل الدولية في لاهاي، في رأيها الاستشاري يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975، لأنه يعطي للروايات التاريخية والدينية صبغة توثيقية قانونية.
ويشبه هذا الاعتقاد مفهوم "إسرائيل الكبرى"، الذي تروج له الجماعات اليهودية المتطرفة.
وتقوم فكرة علال الفاسي على أساس أن "السلطنة الشريفة"، المغرب حاليا، تمتد خريطتها من أغادير إلى حدود السنغال. وتضم في طريقها، شمالي مالي، وموريتانيا، ومنطقة تندوف، جنوبي الجزائر، ومستعمرات الصحراء الإسبانية.
لماذا تدعم الجزائر جبهة بوليساريو؟
تقول السردية المغربية إن الجزائر هي التي "صنعت" بوليساريو بهدف إنشاء "دويلة" خاضعة لها على حدود المغرب، من أجل إضعافه. وتفسر موقف جارتها بالبحث عن منفذ بحري على المحيط الأطلسي، يمكنها من استغلال منجم غار جبيلات في تندوف، أحد أكبر مناجم الحديد في العالم.
أما السردية الجزائرية فتقول إن الجزائر تدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وفق قرارات الأمم المتحدة، مثلما تدعم حركات التحرر في أفريقيا والعالم. وإنها لم تطالب أبدا بأي حق لها في إقليم الصحراء الغربية. وتتهم الرباط "بالأطماع التوسعية"، وبتهديد أمن الجزائر.
هل سينهي ترامب القضية؟
يرى الباحث هيثم عميرة هرنانديز، الأستاذ بكلية أمبريسا في مدريد، أن اعتراف الرئيس، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، "لا ينسجم مع القانون الدولي، ولكنه قد يدفع بالطرفين المتنازعين إلى التفاوض والتوصل إلى حل نهائي".
ويعتقد خبير العلاقات الخارجية في المجلس الأوروبي، هيو لوفيت، في تصريح لبي بي سي أن "الولايات المتحدة بمقدروها، بناء على علاقاتها التاريخية مع المغرب، فضلا عن دعم ترامب الهائل، أن تؤثر على الرباط، وتدفعها إلى تقديم تفاصيل وضمانات بخصوص الحكم الذاتي الذي تقترحه".
ويرى من جهة أخرى أن "جبهة بوليساريو مطالبة أيضا بإظهار بعض البراغماتية في موقفها، لأنها لم تفصل أيضا في ردها على المقترح المغربي في 2007، مركزة بدلا من ذلك على الضغط العسكري، لإرغام الرباط على تقديم التنازلات".
ومنذ إعلان ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2020، حقق المغرب انتصارات دبلوماسية عززت موقفه لحل النزاع في الصحراء الغربية. ولكن جبهة بوليساريو حققت أيضا انتصارا قانونيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، في شكواها بخصوص استغلال المغرب لثروات الصحراء الغربية.
فقد قضت محكمة العدل الأوروبية، في قرارها النهائي، بأن "المفوضية الأوروبية انتهكت حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير، بإبرامها اتفاقيات تجارية مع المغرب". وهو قرار يضع بلدانا مثل فرنسا وإسبانيا أمام إشكالية قانونية، إذا مضت قدما في استثماراتها بالصحراء الغربية.
وتشير أستاذة الانثروبولوجيا في جامعة ساسيكس البريطانية، أليس ولسون، في حديثها لبي بي سي، إلى أن "الناشطين الصحراويين منتشرون في الكثير من دول العالم، خاصة إسبانيا وإيطاليا. ولهم استراتيجيات عديدة لتوصيل صوتهم إلى العالم. فهم يوثقون وينشرون أخبار انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، من خلال التقارير والأشرطة الوثائقية".
ولكن مقترح الحكم الذاتي، الذي يطرحه المغرب، ويدعمه ترامب، ليس خاليا من المخاطر، حسب الخبراء والمراقبين للملف الصحراوي. فهو ليس محدد المعالم. ولا أحد يعرف طبيعة الحكم والسلطات المقترحة للصحراويين، ولا كيفية ضمان التزام المغرب بها، حسب لوفيت.
وهناك من يحذر من أن منح أي نوع من الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، من شأنه أن يشجع مناطق أخرى في المغرب، لها "مظالم" تاريخية، مثل الريف، على المطالبة بتدابير سياسية وتنظيمية مشابهة.