انتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945، لكن آثارها ظلت محفورة في ذاكرة البشرية، ليس فقط بما جرفته من أرواح، بل أيضا بما خلفته من دمار طال البنى التحتية والمدن الكبرى من طوكيو شرقا إلى برلين غربا، مخلفا مدنا مدمرة وأجيالا تنوء بإرث ثقيل.
وبلغ الدمار في اليابان ذروته بإلقاء أولى القنابل الذرية في التاريخ، في سابقة لا تزال موضع جدل أخلاقي وسياسي حتى اليوم.
ففي السادس من أغسطس/آب 1945، ألقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية الأولى "الولد الصغير" على هيروشيما، متسببة بدمار شبه كامل للمدينة، حيث تساقطت المباني وتبخرت أجساد آلاف من المدنيين في لحظة خاطفة.
وبعد 3 أيام، استُخدمت القنبلة الثانية "الرجل البدين" فألقيت على مدينة ناغازاكي، موقعة 39 ألف قتيل و25 ألف جريح.
المدينة الصناعية لم تصمد أمام الانفجار النووي، فانهارت منشآتها واكتست سماؤها بسحب مشعة، مما جعل الحياة فيها مستحيلة لأعوام لاحقة.
ولم تكن هيروشيما وناغازاكي وحدهما ضحايا القصف، فقد شهدت مدن أخرى مثل طوكيو موجات من القصف الجوي العنيف، أبرزها في مارس/آذار 1945 حين أُحرقت العاصمة اليابانية بقصف أميركي مكثف، خلّف قرابة 100 ألف قتيل في ليلة واحدة، وسوّى أحياء بأكملها بالأرض.
وفي أوروبا، لم تسلم المدن الكبرى من الدمار الذي خلّفته الجبهات المتنقلة، والقصف الجوي المكثف، والاشتباكات الضارية بين دول المحور والحلفاء.
فقد تحولت برلين، عاصمة ألمانيا النازية، إلى أنقاض نهاية الحرب، إثر حصار عنيف وقصف جوي استمر أسابيع، وبلغ حجم الدمار فيها أكثر من 70% من مبانيها، وقد فاق عدد القتلى المدنيين والعسكريين مئات الآلاف.
أما باريس، ورغم احتلالها من قبل النازيين عام 1940، فقد نجت من الدمار الواسع الذي لحق بمدن أوروبية أخرى، حيث انسحبت القوات الألمانية منها في أغسطس/آب 1944 دون قتال واسع، عقب انتفاضة المقاومة الفرنسية.
فرنسا عاشت تحت الاحتلال الألماني ورغم نجاتها من الدمار الكامل عانت القصف والدم (غيتي)لكن مناطقها الريفية وخطوط النقل الحيوية تعرضت لهجمات وغارات متكررة طوال الحرب.
دمار بلدة سان سير غرب فرنسا أثناء التحرير من الاحتلال الألماني صيف عام 1944 (غيتي)وفي المقابل، واجهت لندن موجات متكررة من القصف الجوي، عُرفت باسم "البليتز" (Blitz) والتي شنها سلاح الجو الألماني النازي بين عامي 1940 و1941، وأودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وتسببت في تدمير أحياء سكنية كاملة ومحطات قطارات ومستشفيات، مما أجبر الملايين من السكان على اللجوء إلى الملاجئ الأرضية.
لندن واجهت موجات من القصف النازي خلال "البليتز" فانهارت أحياؤها (غيتي)وإلى جانب هذه المدن، طال الدمار الهائل مدنا أخرى مثل روتردام الهولندية، ووارسو البولندية، ولينينغراد السوفياتية (التي عرفت لاحقا باسم سانت بطرسبرغ).
وارسو البولندية اختفت تقريبا من الخريطة بعد انتفاضة 1944 ودمر أكثر من 85% من مبانيها (غيتي)فقد شهدت وارسو تدميرا شبه كلي بلغ 85% من مبانيها بسبب الانتفاضة ضد الاحتلال الألماني عام 1944، بينما خضعت لينينغراد لحصار نازي استمر أكثر من 900 يوم، مما خلّف مجاعة ووفاة أكثر من مليون مدني.
النازيون حولوا جزءا من مدينة وارسو إلى غيتو يهودي ثم دمّروا الغيتو بأكمله وسكانه لاحقا (غيتي)و لم تكن الحرب العالمية الثانية مجرد صراع بين جيوش، بل كانت كارثة إنسانية وحضارية، اختُبرت فيها أقصى درجات العنف المسلح.
قاعدة بحرية أميركية في هاواي تتعرض لقصف ياباني (الفرنسية)وقد محيت مدن بأكملها، ودفعت أجيال ثمن قرارات سياسية وتوسعية، غيرت خريطة العالم ومعها مصائر شعوبه.
ومع أن الحرب وضعت أوزارها في سبتمبر/أيلول 1945، فإن رائحة الرماد ما زالت تشهد على دمار لم تعرف البشرية له مثيلا حتى اليوم.