التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووفده الرسمي برئيس المرحلة الإنتقالية السوري أحمد الشرع في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، عصر الجمعة، في زيارة فلسطينية هي الأولى من نوعها منذ تولي الشرع رئاسة المرحلة الإنتقالية بسوريا، وفي إطار تحرك دبلوماسي فلسطيني لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأعاقت السلطات الإسرائيلية لساعات مساء الخميس وصول مروحيتين أردنيتين يتنقل بهما عادة الرئيس الفلسطيني ووفده الرسمي إلى عمان ثم لمختلف أنحاء العالم، وبعد اتصالات فلسطينية مكثفة مع مختلف الأطراف العربية والإقليمية، انتقل الوفد الرسمي الفلسطيني برا إلى الأردن، و انطلق من العاصمة عمان إلى دمشق محملا بمجموعة من الملفات الهامة لبحثها على طاولة اللقاء الثنائي، وفق التعبير الرسمي.
تحدثت مع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني المرافق للوفد الفلسطيني إلى دمشق، وسألته حول أبرز ما تحمله الجعبة الفلسطينية للرئيس السوري، وأجاب مجدلاني لبي بي سي :" كان هناك وفداً فلسطينياً رسمياً زار دمشق في يناير الماضي برئاسة رئيس الوزراء محمد مصطفى وأنا شاركت كذلك في لقاء مع الرئيس السوري الشرع، دولة فلسطين حريصة كل الحرص على إقامة أوثق العلاقات مع الدولة السورية بصرف النظر عن النظام السياسي الموجود في سوريا".
وأضاف "لدينا مصالح استراتيجية مشتركة مع سوريا وبالتالي هناك حرص دائم لنا للحفاظ على العلاقات الثنائية في أحسن أحوالها".
وأشار المتحدث إلى ما اعتبره "إشكاليات كبيرة" مع النظام السابق، وقال "كنا حريصين على إدارة دفة العلاقات بما يكفل المصالح لشعبنا وأمنه واستقراره في سوريا وأيضا بما يكفل استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، خاصة وأنه كانت هناك محاولة للسيطرة عليه واحتوائه".
وأردف مجدلاني بالقول: "هناك العديد من القضايا المشتركة مع القيادة السورية الجديدة والدولة السورية أهمها وجود أراض محتلة لدى الجانبين".
وأشار إلى أن "قضية الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي وإنهائه والتنسيق في المواقف المشتركة لإنهاء الصراع معه تجمع الطرفين الفلسطيني والسوري".
"لدينا قضايا مشتركة بشأن الأمن الإقليمي"، وفق مجدلاني الذي تحدث عن "دفع الطرفين ثمناً كبيراً من المحور الإيراني في المنطقة".
وقال مجدلاني إن الطرفين لا زالا يواجهان تداعيات وآثار هذا الدور.
ومن القضايا المشتركة، الحصار والعقوبات المفروضة على الطرفين، وفق مجدلاني الذي وصفها بـ"حصار سياسي".
وتحدث عن وجود فلسطينيين منذ عام 1948 في سوريا، وتكرس هذا الوجود من خلال مجموعة من القوانين والتشريعات السورية التي "ضمنت الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية لهم".
"منذ المرة السابقة خلال زيارتنا الأخيرة تلقينا تأكيداً بالتزام النظام الجديد بهذه الحقوق".
وأشار مجدلاني إلى "تضرر غالبية المخيمات الفلسطينية من الحرب الأهلية".
وأضاف: "سيكون أحد أهم القضايا المطروحة للنقاش اليوم إعادة إعمار المخيمات وعودة النازحين والمهجرين إليها".
يعيش في سوريا نحو مليون فلسطيني معظمهم من اللاجئين في 12 مخيماً، تعترف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأممية "الأونروا" بـ 9 منهم فقط.
ونزح نحو 200 ألف لاجئ فلسطيني قسراً لخارج سوريا، وعانوا كبقية الشعب السوري من ويلات الحرب الأهلية.
وتأتي زيارة الرئيس عباس لدمشق بعد أكثر من عام ونصف على حرب غزة وتبعاتها التي توصف بـ"الكارثية" على مستقبل الفلسطينيين، خاصة في ظل التلويح الإسرائيلي والأمريكي بالعلن وبالسر بخطة لتهجير الفلسطينيين من القطاع لدول الجوار.
وفي معرض رده حول ما أشيع عن إمكانية تهجير فلسطينيين من غزة إلى شمال شرق سوريا، قال أحمد المجدلاني: "هذه إشاعات، بعضها إعلامية وبعضها تحاول من خلالها أطراف بعينها جس النبض".
وأضاف: "في كل الأحوال هذا الموضوع ليس مقبولاً لنا وليس مقبولاً لدى القيادة السورية".
وكانت آخر زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس لدمشق في يناير/كانون الثاني من عام 2007 بدعوة رسمية وجهها له حينها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
تأمل المستويات الفلسطينية المختلفة أن تأتي الزيارة الرئاسية لدمشق بتأكيد من النظام السوري الجديد على مواقف وتنسيق سياسي على صعيد الإقليم يحمل مواقف مطمئنة لا تستثني الفلسطينيين.
وتشهد المنطقة تغيرات يعتبرها كثيرون مصيرية للفلسطينيين.
تحدثت مع المحلل السياسي الفلسطيني خليل شاهين الذي عاش في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في ثمانينيات القرن الماضي.
قال شاهين لبي بي سي: "في سوريا لا تزال هناك دولة قيد التشكل أي حكومة انتقالية وسياسات داخلية وخارجية لسوريا عرضة للتأثر بعوامل داخلية".
وتتأثر كذلك بعوامل خارجية منها المواقف الإسرائيلية بخاصة أن إسرائيل تحتل أجزاء كبيرة من سوريا وتخطط للبقاء في مناطق نفوذ قد تصل الى مشارف دمشق، وفق شاهين.
ويرى شاهين أن إسرائيل تحاول أن تؤثر على مجمل السياسات المستقبلية لسوريا بما في ذلك إخضاعها سياسيا للتوجهات الإسرائيلية عبر الدفع باتجاه التطبيع.
بالنسبة للجانب الفلسطيني هناك عوامل مشتركة تشمل: "حرب إبادة واحتلال إسرائيلي في قطاع غزة وأيضا العمل العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا، وهذا الأمر يتطلب بلورة مواقف مشتركة من أجل المطالبة بتقليص السياسة الإسرائيلية المندفعة بشكل عدواني في المناطق المحيطة بإسرائيل"، على حد تعبير شاهين.
وأضاف شاهين: "الجانب الآخر متعلق بالوجود الفلسطيني في سوريا، والفلسطينيون عانوا تماماً كما عانى الشعب السوري طيلة السنوات الماضية".
وتحدث عن وجود حالة لجوء للاجئين داخل وخارج سوريا ومخيمات مدمرة بالكامل مثل مخيم اليرموك.
وقال إن كل المخيمات تحتاج لإعادة الإعمار وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إليها، بخاصة أن الكثير من المباني والمنازل والممتلكات تم السيطرة عليها برعاية مجموعات تابعة للسلطات السورية السابقة.
وتحدث عن "ضغط خارجي من الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا من أجل إنهاء أي نشاط سياسي فلسطيني في سوريا".
ورأى أن هذا الضغط غير مقبول بالنسبة للفلسطينيين "خاصة أن هناك أعداد كبيرة من الفلسطينيين في سوريا يتمتعون بالحقوق السياسية والمدنية بما في ذلك نشاط الفصائل الفلسطينية".
ونشرت وسائل إعلام أمريكية مؤخراً قائمة مطالب أمريكية سلمتها إدارة الرئيس الأمريكي للإدارة السورية الجديدة لبناء الثقة معها وتخفيف محدود للعقوبات ضد سوريا.
ومن بين المطالب الأمريكية: "إصدار إعلان رسمي سوري بحظر الأعمال والأنشطة السياسية لكافة الفصائل الفلسطينية في أراضيها".
ويتوقع خليل شاهين لبي بي سي أن " النظام السوري الجديد في ظل ما يواجهه من ضغوط وتحديات داخلية وخارجية لا يمكن أن يسمح لأي فصيل فلسطيني أو غير فلسطيني بالعمل داخل دمشق".
"المهمة الرئيسية للنظام السوري الآن هي محاولة استكمال المرحلة الانتقالية والدستور ورفع العقوبات المفروضة على سوريا"، بحسب شاهين.
ويعتقد المتحدث أن هذه الحالة السورية ستجد تفهماً من الفصائل الفلسطينية بما في ذلك الفصائل المؤمنة بالعمل المسلح كحماس والجهاد الإسلامي وغيرها.
وأضاف شاهين: "قد نشهد تركيزا سوريا في الفترة المقبلة على العمل مع السفارة الفلسطينية التي تعتبر عنوانا للشرعية الفلسطينية".
ورأى أن ذلك قد يشكل مخرجا للإدارة السورية من أجل الاستمرار في ضبط الحالة الأمنية في سوريا من الفصائل الفلسطينية أو حتى الفصائل والمجموعات السورية.
وأردف بالقول: "سوريا تواجه تهديدا وتحديا كبيرا في ظل بقاء ملايين السوريين مهجرين خارج سوريا في دول عربية وأوروبية ومناطق أخرى في العالم".
وقال شاهين إن الإدارة الجديدة معنية بإعادة استيعاب كل هؤلاء اللاجئين.
وأشار إلى أن عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين غادروا إلى الدول العربية والأوروبية، وجلهم ينوي العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم في سوريا.
وأضاف: "أعتقد أن هذا هو الأمر الجوهري للنظام الجديد الذي يبدو لديه إشارات لعدم الإنخراط في أي مخططات تهدف لتهجير المزيد من الفلسطينين من وطنهم إلى سوريا".