هديل غبّون
عمّان، الأردن ( CNN )-- مع احتدام الجدل المتصاعد حوله خلال الأيام الماضية، تصدّر مشروع قانون جديد لضريبة الأبنية والأراضي لسنة 2025 قدمته الحكومة الأردنية إلى مجلس النواب، أحاديث وسائل الإعلام المحلية والنشطاء والخبراء والقطاعات المهنية والتجارية، وصدرت عدة بيانات رسمية تنفي فرض ضرائب جديدة على العقارات والأراضي، فيما حذّر مراقبون من المشروع وما يحمله من "فلسفة ضريبية" جديدة .
واهتمت وسائل إعلام محلية بتوضيح آليات الاحتساب الجديدة للضريبة على الأبنية والأراضي. وصرّح أمين بلدية العاصمة عمّان يوسف الشواربة خلال لقاء مع لجنة الاقتصاد النيابية، الأحد، بأن القانون الجديد لم يفرض ضرائب جديدة على العقارات والأبنية، بل أدخل حزمة من الحوافز والإعفاءات الجديدة و"نظّم" آلية الاحتساب القديمة للضرائب، معتبرًا أنها "أكثر عدالة وحيادية".
وحسب مراقبين، فإن مشروع القانون لا يشير ظاهريًا إلى فرض ضرائب جديدة كليًا على العقارات والأراضي، وأنه يطرح آليات جديدة لتحصيل و"تقدير" هذه الضريبة عبر معايير لا تراعي "واقع السوق" أو أسعار العقود الإيجارية المُبرمة، أو حتى حجم الاستفادة من العقارات والأراضي لأصحابها المتأتية من الخدمات أو من الدخل أو المنفعة المالية.
وجاء مشروع القانون الجديد بديلا عن قانون ضريبة الأبنية والأراضي داخل مناطق البلديات النافذ لسنة 1954، إذ نشرت بلدية أمانة عمّان الكبرى، توضيحات حول أبرز مضامين مشروع القانون.
ومن بين التوضيحات، اعتماد مشروع القانون آلية احتساب الضريبة الكترونيًا عوضًا عن الاجتهاد البشري، واعتماد معادلة فنية لاحتساب ضريبة الأبنية والأراضي بدلا من الإيجار السنوي، ورفع قيمة الإعفاء للعقار الفارغ إلى 60% من إجمالي الضريبة من مسقفات ومعارف ومساهمة صرف صحي بدلا من 50%، وإتاحة الاعتراضات والطعن لدى لجنة متخصصة.
وتضمنت التوضيحات أيضًا، أن عملية تخمين الضريبة ستعتمد على إصدار تقرير إلكتروني تلقائي من بيانات دائرة الأراضي بدلا من لجان التخمين، واحتساب الضريبة بناء على مواصفات العقار الفنية وليس تقدير الإيجار السنوي .
وأكد البرلماني البارز ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب الأردني، خالد أبوحسان، في تصريحات خاصة لموقع CNN بالعربية، بأن "حماية المواطن هو نهج أساسي داخل اللجنة"، وشدد على حرص اللجنة "على فتح باب النقاش مع كل القطاعات وأصحاب المصلحة حوله والأخذ بكل الملاحظات".
وتسعى اللجنة بحسب أبوحسان، بأن لا يشكل مشروع القانون الحكومي "أي عبء مالي َإضافي على المواطن، إلى جانب العمل على تسهيل الإجراءات الحكومية في هذا الجانب".
وأضاف أبو حسّان أن "لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، صوّبت بوصلتها نحو رؤية التحديث الاقتصادي. ومن خلال قراءتنا الأولى لمشروع القانون وللأسباب الموجبة له، وجدنا أنه بديل للقانون النافذ منذ 1954 والذي يتضمن نصوصًا تسمح للمزاجية في قضايا التخمين العقاري أو المساكن أو الأراضي، فجاء المشروع ليطرح معادلة مؤتمتة مبنية على السعر الإداري المعتمد في دائرة الأراضي والمساحة، بما يحافظ على الأثر المالي الحالي مع تسهيل عملية تسديد ضريبة المسقفات".
وبدأت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية بمناقشة مشروع القانون المقترح من الحكومة التي يرأسها جعفر حسان منذ الأسبوع الماضي، فيما من المتوقع أن تُستكمل المناقشات مع القطاعات المختلفة خلال الأيام المقبلة في مختلف أنحاء المملكة.
وبيّن أبو حسان لـ CNN بالعربية، أن أمانة عمّان قد أجرت مسحًا تجريبيًا على 14 ألف عينّة من مختلف القطاعات بحسب المعادلة الجديدة الضريبية في مشروع القانون، وأظهرت نتائجها عدم تسجيل "أي أثر مالي ضريبي جديد".
وأكد أبو حسان حرص اللجنة النيابية على "تنقية" مشروع القانون من أية "ِشوائب محتملة" بصيغته النهائية قبل إقرار اللجنة له، مُشيرًا إلى أن اللجنة بالتأكيد سيكون لها تعديلات على مشروع القانون بما يتوافق مع الهدف الرئيسي والأسمى، بأن لا يشكل أية أعباء إضافية على المواطنين".
ومن المتوقع أن ينهي مجلس النواب التصويت على مشروع القانون حال إقراره في اللجنة، قبل انتهاء الدورة الحالية، وهي الدورة العادية الأولى للمجلس العشرين المنتخب في سبتمبر/ أيلول 2024. وتمتد الدورة الأولى لمد 6 أشهر منذ بدايتها في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي .
من جهته، يعتقد الخبير القانوني والمحامي الأردني أسامة البيطار، في حديثه لـ CNN بالعربية، أن "الدافع الرئيسي وراء المشروع، ليس تنظيم عملية جباية الضرائب وتحسين العدالة الضريبية كما تم الترويج له"، بل إنه "جزء من محاولة الدولة لتوسيع قاعدة التحصيل المالي عبر أدوات رقمية أسرع وأوسع".
ورأى البيطار أن حقيقة حديث الحكومة حول العدالة وربط الضريبة بسعر الأساس، يهدف إلى "تأمين تدفق مالي ثابت حتى لو جاء من مواطن لا يربح شيئا، وإن كان من أرض موروثة لا يستطيع استثمارها".
وينتقل مشروع قانون الضريبة الجديد من مرحلة "تحصيل الضريبة مقابل الخدمة أو الدخل إلى ضريبة مقابل الملكية فقط"، وفقا للبيطار، وأضاف: "هذه فلسفة ضريبية جديدة عميقة تستحق التوقف لا التصفيق".
وتتجلى الاختلافات الجوهرية في مشروع القانون المقترح، بحسب رأيه، بأنه يجرّد عملية التقدير الضريبي من البعد "الإنساني البشري" من خلال إدخال العقار إلى منظومة الكترونية باردة بدلا من لجنة ميدانية قد تخطىء، لكنها تراعي ظروف العقار والسوق والمنطقة أو ماله أو أية معلومات مرتبطة به، مثل معرفة إذا كان هذا العقار مأهولا أو يدر دخلا أو الأرض موروثة".
ويوفّر مشروع القانون الجديد هامشا من الإعفاءات، بينما يرى البيطار بأن هذا المشروع "يضع المواطن في دائرة "المتهم الضريبي، حيث يتطلب منه إثبات عدم استحقاق الضريبة عليه".
ويعتبر المساس بالملكية الخاصة للأفراد، إحدى الآثار الجدلية المترتبة على مشروع القانون، فهو برأي البيطار، يحوّل ملكية الأفراد لو كانت صغيرة أو غير منتجة، إلى عبء".
ويبلغ عجز الموازنة العامة للمملكة للسنة المالية 2025 قرابة 3.2 مليار دولار أمريكي، بينما يقدّر قانون الموازنة الإيرادات العامة لهذا العام بقرابة 14.43 مليار دولار، منها نحو 13.3 مليار دولار إيرادات محلية (ضريبية وغير ضريبية)، فيما سجّل الدين العام للدولة حتى بداية العام الجاري 2025 قرابة 62 مليار دولار.
ويميل خبراء، إلى حدوث ارتدادات سلبية من مشروع القانون، على عقارات القطاعات الصناعية والتجارية بشكل مباشر والعقارات المؤجرة، التي ستخضع إلى تقديرات ضريبية جديدة ما سيؤثر على ارتفاع على أسعار السلع والخدمات، من المتوقع أن يتحملها المواطن مستقبلا، وفقا للخبير الضريبي محمد البشير.
ويقول البشير لـ CNN بالعربية، إن طرح مشروع القانونس يتزامن مع أوضاع اقتصادية متذبذبة وأزمات مالية ونفقات جارية للحكومة مرتفعة (تقدر بـ15 مليار دولار)، ما دفع الحكومة إلى البحث عن حلول جديدة لزيادة إيرادات الخزينة.
وبيّن البشير، بأن الآلاف من الأردنيين تترتب عليهم ضرائب أبنية ومسقفات وفق القانون النافذ غير مدفوعة عدا عن الغرامات المترتبة على تأخير السداد، "إلا أن مشروع قانون الضريبة الجديد سيرتب غرامات أعلى، ما يشكل خطورة على أوضاع المواطنين"، على حد قوله.
ويرجح البشير حدوث انعكاسات مالية سلبية على العقارات والاستثمارات الكبرى والمصانع والفنادق جراء هذا المشروع، قائلا إن الأراضي والعقارات غير المستغلة، أيضًا ستتحمل تقديرات ضريبية أعلى.
وسيزيد مشروع القانون، وفق ما أسماه البشير، "مديونية المواطنين" بالمجمل والطبقة الوسطى إذ قال إن "مديونية الأفراد في الأردن لدى البنوك تقدر بنحو 13 مليار دينار أردني (18 مليار دولار) ، لافتا أن هناك بالمقابل حركة تسجيل ودائع بنكية من شرائح أخرى.
وتابع البشير: "الدخول ثابتة منذ نحو 10 سنوات. أعتقد أن مجلس النواب لن يمرر مشروع القانون كما هو".
وبحسب المحامي والحقوقي صدام أبو عزام، فإن تقريرًا فنيًا صدر عن مؤسسة "حقوقيون"، أظهر وجود صياغات قانونية مبهمة في مشروع القانون، من شأنها أن "تفتح باب التفسير الإداري وآليات ضريبية تستند إلى أسعار إدارية مرتفعة لا تعكس الواقع العقاري"، كما أنه يطرح مقاربة لا "تتسق مع مبدأ العدالة الضريبية في المجتمع الأردني".