آخر الأخبار

غادة الشعراني: الهستيريا كاتهام ذكوري لإسكات النساء

شارك
مصدر الصورة

انتشر في اليومين الماضيين مقطع فيديو للناشطة السورية غادة الشعراني تتوّجه بالكلام إلى محافظ السويداء مصطفى بكور، مثيراً جدلاً واسعاً بين مؤيد لكلام الشعراني ومعارض له.

لقاء الشعراني ببكور أعقب حادثة شهدتها محافظة حمص، حيث أُوقفت مجموعة من أبناء الطائفة الدرزية على أحد الحواجز أثناء توجههم إلى محافظة الرقة للمشاركة في فعالية نظمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وانقسم الجمهور حول خطاب الشعراني الغاضب الذي قوبل في بعض الأحيان ذكورية أخذت النقاش إلى مستوى آخر، حيث غلبت الاعتراضات على "نبرة" الناشطة و"صوتها العالي" مقابل "هدوء" المحافظ الذي ظلّ صامتاً، ولم يتحرك عن كرسيه.

حتى أن البعض طالب من السلطات السورية اعتقال الشعراني على خلفية "إهانتها رموز الدولة".

والأربعاء، قدّم بكور اعتذاراً للمعتقلين المتضررين من تجاوزات عناصر الأمن العام في ريف حمص.

وقال بكور في اجتماع له: "أنا لا أقبل أن يُهان أحد من السوريين على الأراضي السورية، وأنا أقف معكم حتى تأخذوا حقكم". وأضاف "الاعتذار لا يكفي، لن أعود إلى المحافظة إن لم يُحاسَب المسؤولون عن الانتهاكات".

وتعهّد المحافظ بمحاسبة المتورطين في حادثة الحاجز ومتابعة القضية.

ماذا قالت الشعراني؟

بحسب الشعراني، تعرضت مجموعة من الأشخاص، خلال توقيفها على حاجز حمص، إلى شتائم طائفية وعنصرية، تضمنت وصف الدروز بـ"الخنازير" والعلويين بـ"المجوس".

وقالت الشعراني في لقائها ببكور: "ليس الدروز خنازير ولا العلويين مجوس، هؤلاء الذين تخفونهم أنتم هم الخنازير والمجوس.

وإذا لم تتقبل مني هذا الكلام فهذا شأنك. أنا أقولها بالفم الملآن حتى لو حاسبتني وأخذتني إلى المعتقل.

لقد ذهبوا ورأوا سجونكم في حارم (إدلب). هناك طفل عمره سنة وسبعة أشهر في السجن من الطائفة العلوية. وهناك فتيات من إسرائيل ومن إيران هن في السجن منذ خمس أو سبع سنوات.

حاسبوا نفسكم قبل. تتكلمون دائماً عن الدين والأخلاق. الدين والأخلاق على أرض الواقع وليس فقط بالتغنّي. (...) أنتم خرقتم الإعلان الدستوري الذي نحن في الأصل غير معترفين به.

التزموا بالمواثيق التي تصدرونها أنتم. لن نسمح بهذا الاعتداء وستحاسبون عليه".

ولم يتسنّ لبي بي سي التأكد من مصادر مستقلة من دقة ما ورد على لسان الشعراني حول سجن حارم في إدلب.

تعليقات ذكورية

وفيما اعتبر البعض أن كلام الشعراني يعيد واقع السجون في إدلب إلى الواجهة، اتهمها آخرون بالطائفية وبتأييد النظام السابق.

غير أن أكثرما كان لافتاً في ردود الأفعال كانت التعليقات الذكورية التي استفزّتها جرأة الشعراني أمام مسؤول حكومي، واصفين إياها بـ"الوقاحة" و"الفجور".

كذلك، غلبت على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات وتغريدات تصف الشعراني بـ"الهستيرية"، وهي صفةُ مشحونة بتاريخ طويل من الذكورية وكراهية النساء.

وقد استخدم المصطلح للمقارنة بين "توتر" الشعراني وبين "هدوء واتزان" المحافظ وصمته عما اعتبره البعض تجاوزاً من قبل الناشطة.

ما علاقة "الهستيريا" بالذكورية؟

كلمة "هستيريا" تأتي من الكلمة اليونانية "هستيرا"، والتي تعني "الرحم".

وحتى وقت ليس ببعيد ظلّت الهستيريا تُعتبر في الأصل مرضاً نسائياً، ناتجاً عن "رحم متجول" يمكنه أن يتحرك داخل جسد المرأة ويسبب اضطرابات عاطفية، أو شللاً، أو نوبات عصبية.

وكانت هذه النظرية الغريبة منتشرة في الطب اليوناني القديم، حيث ظهرت في أعمال أبقراط ولاحقاً غالينوس، واستمرت لقرون في الطبّ الغربي.

وبالمختصر، كان يتم إلقاء اللوم على الرحم في "لاعقلانية" النساء.

وفي القرن التاسع عشر، أصبحت الهستيريا تشخيصاً طبيّاً شائعاً، خصوصاً في أوروبا، وارتبطت بشكل شبه حصري بالنساء.

وقد استخدم عالم النفس النمساوي وأب التحليل النفسي سيغموند فرويد المصطلح لوصف مجموعة واسعة من الأعراض لدى النساء، مثل: القلق والإغماء والنوبات العاطفية والشلل غير المفسّر عضوياً، وغيرها.

وركّز فرويد في بدايات عمله في التحليل النفسي على النساء "الهستيريات"، وغالباً ما ربط معاناتهن بصدمات نفسية أو صراعات جنسية مكبوتة، مما عزز الفكرة القائلة إن النساء هن أكثر اضطراباً من الناحية النفسية والعاطفية.

ومن هنا، أصبحت الهستيريا طريقة "علمية" لتأكيد أن المرأة غير عقلانية أو عاطفية بشكل مفرط.

وعندما توصف امرأة بأنها "هستيرية" أو "مفرطة في العاطفة"، فهذا الوصف يحمل قروناً من الافتراضات التمييزية ضد النساء.

وبالتالي يصبح استخدام المصطلح وسيلة لإسكات النساء أو نزع الشرعية عن مشاعرهن ومواقفهن، خصوصاً عند التعبير عن الغضب أو الحزن أو المعارضة.

وحتى اليوم، توصف النساء في السياسة أو الإعلام أو الحياة اليومية بأنهن "هستيريات"، في حين يُنظر إلى سلوك مماثل من الرجال على أنه "قوة" أو "حزم".

محتوى خارجي
شاهد على فيسبوك

"استعادة" نسوية للمصطلح

أُزيل مصطلح "الهستيريا" رسمياً من التصنيف الدولي للأمراض في عام 1952.

وفي كتابها المرجعي في الفكر النسوي "الجنس الآخر" (1949)، استخدمت الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار مفهوم الهستيريا ضد النساء، حيث وصفت مطولاً "نوبات الهستيريا النسائية"، والطريقة التي كانت تُستَخدم بها المفاهيم التحليلية النفسية المرتبطة بنوبة الهستيريا في ذلك الوقت بهدف تشويه صورة النساء وتقويض مصداقيتهن.

وفي احتجاجات مايو/ أيار 1968 في فرنسا، وخلال فترة النقاشات الاجتماعية والسياسية، قامت مناضلات نسويات فرنسيات بقلب هذا الوصم واستعادة المصطلح، فارتدين قمصاناً كُتب عليها: "نحن جميعاً هستيريات"، واستخدمن هذه العبارة كشعار، لا سيما خلال أول لقاء علني نظمّته حركة تحرير النساء في جامعة فانسان في ربيع عام 1970.

كذلك، حاولت بعض المفكرات والفنانات النسويات إعادة توظيف الهستيريا كرمز للتمرد والرفض للمعايير الذكورية. على سبيل المثال، تحدثت المفكرة الفرنسية إيلين سيكسو عن الكتابة الأنثوية وجسد المرأة "الهستيري" كمجالٍ للمقاومة.

وبصورةٍ عامة، يعاد التعاطي مع مفهوم الهستيريا في حقل الفكر النسوي على أنها مجرّد أداة للقمع من قبل النظام الأبوي.

وتعمل العديد من النسويات على مصادرة هذه الوصمة وجعلها "شكلاً من أشكال الوعي الجسدي بالمظلومية" من أجل مواجهة النظام الأبوي بل والانقلاب عليه.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا