آخر الأخبار

إلى أين تتجه أزمة المهاجرين غير النظاميين في تونس؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تونس- حمزة مهاجر نيجيري غير نظامي وصل إلى تونس عام 2021 بعد رحلة شاقة استغرقت 3 أشهر مشيا على الأقدام برفقة زوجته وطفليه، هربا من سطوة جماعة بوكو حرام التي قتلت والديه.

حاول بناء حياة جديدة في تونس بعد حصوله في البداية على وظيفة كحارس ليلي بشركة آنذاك، لكن سرعان ما تبخر حلمه بعد تعرضه للتوقيف من قبل الأمن لعدم امتلاكه وثائق الإقامة ليقضي بعدها شهرين بالسجن.

ويقول حمزة للجزيرة نت "لم نأتِ إلى تونس للتوطين فيها أو لإيذاء أحد، كنا نبحث عن حل للهجرة لأوروبا، كنا فقط نبحث عن الأمان. لكن الحياة أصبحت أصعب مما توقعت مع تصاعد التوترات".

مصدر الصورة المهاجر النيجيري حمزة وصل إلى تونس عام 2021 ويعيش أوضاعا اجتماعية صعبة (الجزيرة)

تصعيد واحتقان

شهدت تونس الأيام الأخيرة تصعيدا في ملف المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول أفريقيا -جنوب الصحراء، حيث تفاقمت التوترات بين السكان المحليين والمهاجرين في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متأزمة.

وتنامت حالة الاحتقان بين الطرفين حيث شهدت بعض المناطق، ولاسيما العامرة بمحافظة صفاقس جنوبي البلاد، أكبر منطقة يتجمع فيها المهاجرون الأفارقة من مختلف الجنسيات، مناوشات تلتها حملة تطالب بترحيلهم.

وفي الوقت الذي واصلت فيه السلطات التونسية اعتراض زوارق المهاجرين المتجهين نحو سواحل إيطاليا في عرض البحر الأبيض المتوسط والعودة بهم إلى الأراضي التونسية، فإنها حافظت على صمتها أمام هذه التوترات، وفق مراقبين.

إعلان

بسبب منع المهاجرين من العمل في تونس، يضطر حمزة للتسول للحصول على مساعدة. واليوم يجد نفسه في مفترق طرق بعدما أصبح حلم الوصول إلى أوروبا بعيد المنال مع تصاعد عمليات توقيف المهاجرين في عرض البحر من قبل الحرس البحري وفي ظل التوترات بين السكان المحليين والمهاجرين.

ويقول "أفكر في العودة ل نيجيريا ، فقد أصبح الوضع معقدا". يعكس هذا التصريح مأساة عديد المهاجرين العالقين في تونس، والذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الأوضاع المتردية والمطالب بترحيلهم وبين جحيم بلدانهم الأم.

وألقت هذه الأوضاع المتوترة ومطالب الترحيل، سواء من سكان تضررت ممتلكاتهم أو بعض النواب والسياسيين، بظلالها على المهاجرين الذين زادت مخاوفهم على مصيرهم بشكل مقلق.

تعقيد

في المقابل، يرى بعض المواطنين والسياسيين أن ارتفاع عدد المهاجرين في تونس يشكل خطرا على السيادة الوطنية والأمن القومي، داعين إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم مما غذى حالة الاحتقان والتوترات.

وتزداد أزمة المهاجرين في تونس تعقيدا مع دخول سكان محليين على الخط يطالبون السلطات بترحيلهم مبررين ذلك بما يعتبرونه تصاعدا في الاعتداءات من قبل المهاجرين واستيلائهم على أراضيهم وإقامة خيام وسطها.

وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل حرض فيها بعض الأفراد على مطاردة المهاجرين لاسترجاع أراضيهم، ونشروا صور مهاجرين يحملون أسلحة بيضاء وفيديوهات لمواطنين اتهموا مهاجرين بالاعتداء عليهم.

وبينما تتعالى الأصوات المطالبة بحلول عاجلة لهذه الأزمة التي ازدادت سوءا في السنوات الماضية، لا تزال السلطات التونسية تتجنب اتخاذ موقف واضح، مما يترك الأزمة في حالة من الغليان والتعقيد والتصعيد المستمر.

مصدر الصورة بن عمر ينتقد صمت الدولة بخصوص ملف المهاجرين (الجزيرة)

في السياق، يرى رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية) أن أزمة المهاجرين لم تكن وليدة اللحظة، بل تفاقمت بسبب سياسات الدولة التي اختارت التعامل مع المهاجرين بطريقة تعمق الأزمة بدلا من إيجاد حلول جذرية.

إعلان

ويقول للجزيرة نت "الدولة هي من اختارت نقل المهاجرين إلى غابات الزيتون وعزلهم في مناطق تفتقر للخدمات، بدلا من إيجاد بدائل إنسانية تنظم وجودهم"، مرجعا حالة الاحتقان بين السكان المحليين والمهاجرين إلى الصمت وغياب الحلول من قبل السلطات.

وبرأي بن عمر، فإن ما يحدث من احتقان حاليا هو نتيجة مباشرة "لسياسة الصمت والإنكار التي تنتهجها الدولة تجاه هذه الأزمة، نحن نتعاطف مع الأهالي الذين يرون ممتلكاتهم تتضرر، كما نتعاطف مع المهاجرين الذين يُحرمون من التنقل والعمل ومن الحصول على مساعدات".

ويؤكد أن المقاربة التي تعتمدها السلطات التونسية في التعامل مع ملف المهاجرين "زادت في توتير الأجواء في ظل تجاهلها لوجود خطابات عنصرية وتحريضية متفاقمة ضد المهاجرين، وعجزها أيضا عن اتخاذ قرارات واضحة أو بناء رؤية حقيقية لحل الأزمة الراهنة".

وحسب بن عمر، لم تقتصر حملة التحريض والكراهية فقط على المهاجرين وإنما طالت نشطاء في منظمات تعنى بقضايا الهجرة، تم اعتقالهم منذ أشهر على غرار رئيسة جمعية "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي ورئيسة جمعية "منامتي" سعدية مصباح وغيرهما.

مصدر الصورة مؤتمر صحفي لعائلات نشطاء تونسيين تم اعتقالهم بسبب نشاطهم في مجال الهجرة (الجزيرة)

ملاحقة النشطاء

ويؤكد الحقوقي رمضان بن عمر أن هناك "قرارا سياسيا وراء اعتقال النشطاء ومحاكمتهم بتهم واهية تتعلق بغسيل الأموال، وأن ذلك يأتي بعد خطاب الرئيس قيس سعيد ، في مايو/أيار 2023 ضد المهاجرين، وأن السلطة وجهت لهم تلك التهم لأنها كانت تبحث عن أكباش فداء تُتهم بالوقوف وراء الأزمة".

ويضيف "من خلال هذه القضايا نلاحظ أن الدولة تريد ضرب النشطاء الذين يعملون في الخط الأمامي لمساعدة المهاجرين عبر تقديم مواد غذائية أو العلاج للقصر وغيرها من الإعانات، بهدف استهدافهم وترك المهاجرين في حالة هشاشة تماشيا مع سياساتها".

إعلان

وعقد أهالي النشطاء، الثلاثاء الماضي، مؤتمرا صحفيا للتعبير عن استنكارهم لاستمرار سجنهم على خلفية نشاطهم المدني في مجال الهجرة، فيما نددت عدة جمعيات حقوقية، على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، باعتقال النشطاء وبسياسية الدولة في ملف المهاجرين.

مصدر الصورة احتجاجات سابقة أمام السفارة الإيطالية بتونس ضد سياسات طرد المهاجرين (الجزيرة)

ويرى بن عمر أن ما يحدث حاليا في تونس يعكس "نجاح خطط رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني ومن ورائها الاتحاد الأوروبي بعد الاتفاقيات المبرمة مع تونس، التي تحولت بموجبها البلاد إلى حارس يعترض المهاجرين في البحر وينقلهم لتونس".

ووفقا له، تشير الأرقام إلى تراجع بـ55% في تدفق المهاجرين نحو السواحل الإيطالية، و"هذا مؤشر قوي على فعالية السياسات الأوروبية". كما أن تدفق المهاجرين عبر تونس قد انخفض بنسبة 82%، مما يبرز نتائج التعاون بين الاتحاد الأوروبي والسلطات التونسية.

وطالما شدد الرئيس سعيد على أن تونس "لن تكون أرض توطين ولا عبور". وتؤكد السلطات التونسية في خطابها الرسمي أنها تتعامل مع ملف المهاجرين وفق المعايير الدولية، مشددة على التزامها بحماية حقوق الإنسان واحترام القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

كما تقول السلطات التونسية إن سياساتها في هذا المجال تستند إلى مبادئ إنسانية وقانونية، مشيرة إلى أنها تسعى إلى تحقيق توازن بين متطلبات الأمن القومي والتزاماتها الحقوقية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا