آخر الأخبار

تشيلي: قصة أكبر تجمع لفلسطينيي الشتات خارج العالم العربي

شارك الخبر
مصدر الصورة

عندما تتناول وسائل الإعلام أخبار المغنية الفلسطينية إليانا، تصفها بأنها فلسطينية تشيلية من أسرة مسيحية ولدت في الناصرة، وهي مدينة عربية في شمال إسرائيل. وتشير إلى أن الكثير من العرب، حملة الجنسية الإسرائيلية من الفلسطينيين الذين أصبحوا مواطنين في إسرائيل عندما تأسست الدولة في عام 1948، ما زالوا يحددون هويتهم بقوة كفلسطينيين.

انتقلت إليانا، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، مع عائلتها من الناصرة إلى كاليفورنيا في عام 2017، لكنها لا تزال تشعر بارتباط قوي بفلسطين.

لكن لماذا تُوصف إليانا بأنها فلسطينية تشيلية؟ الإجابة تكمن في أن جدتها لوالدها تنتمي إلى الجالية الفلسطينية في تشيلي، ومن خلال والدها حصلت إليانا على هذه الجنسية، مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين. فما هي قصة الجالية الفلسطينية في تشيلي؟

عند الحديث عن "الشتات" الفلسطيني، لا بد أن يستحضر المرء تشيلي، التي يوجد بها نحو 500 ألف فلسطيني. فمن بين 10 ملايين فلسطيني في أنحاء العالم، هناك عدد كبير يعيش في أمريكا الجنوبية، وخاصة في تشيلي.

وتشير وثائق متحف الهجرة في ساو باولو، البرازيل، إلى أن أول وجود مسجل للعرب في البرازيل يعود إلى عام 1874، عندما وصل إلى ميناء ريو دي جانيرو إخوة فلسطينيون ينتمون لعائلة تدعى زكريا.

المغنية إليانا: عن هويتها الفلسطينية، تعاونها مع كولدبلاي، ورحلتها في تعلم الصبر

آرثر بلفور: من الشعر والفلسفة إلى وعده المشهور

وعد بلفور: الدور الذي لعبه جدي في كتابة التاريخ

وقد وصل آلاف المهاجرين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين إلى أمريكا اللاتينية على دفعات متتالية منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، هربًا من الاضطهاد الديني وتردي الوضع الاقتصادي في الإمبراطورية العثمانية.

فر العديد من المهاجرين من اليهود والمسيحيين إلى أمريكا اللاتينية لتجنب قانون التجنيد الإجباري الذي فرضه العثمانيون في أوائل القرن العشرين.

ويشير كتاب "العرب في أمريكا اللاتينية: تاريخ هجرة" إلى أن أمريكا الوسطى كانت آخر محطة في رحلة طويلة خاضها الفلسطينيون، حيث استقروا في ذلك البرزخ الفاصل بين الأمريكتين عن طريق الصدفة.

ويذكر الكتاب أن هناك أدلة في السلفادور تؤكد أن بعض المسافرين الذين كانوا على متن إحدى السفن المتوجهة إلى تشيلي قد نزلوا في السلفادور لتأمل المناظر الطبيعية بها. وعندما عادوا إلى الميناء لمواصلة رحلتهم، كانت السفينة قد أبحرت بدونهم. ويشير الكتاب إلى أن غالبية الفلسطينيين الذين وصلوا إلى المنطقة قد دخلوها من خلال السلفادور.

وخلال الحرب العالمية الأولى، هاجر مزيد من المدنيين من الإمبراطورية العثمانية فرارًا من المجاعة الناجمة عن حصار الحلفاء لسواحل سوريا، فضلًا عن مصادرة السلطات العثمانية للغذاء في الداخل لأغراض عسكرية.

دفعت الفوضى أثناء الحربين العالميتين بالكثيرين إلى الالتحاق بالشبكات الأسرية التي تكونت في هجرات سابقة إلى أمريكا اللاتينية.

لكن هناك من يرى أن علاقة العرب بهذه القارة تعود إلى عام 1492، مع وصول كريستوف كولومبوس إليها قادمًا من إسبانيا.

وتشير التقديرات إلى أن عدد من ينحدرون من أصول عربية في أمريكا اللاتينية يتراوح حاليًا بين 14 مليونًا و30 مليون نسمة.

الفلسطينيون وتشيلي

مصدر الصورة

ومن بين أكثر الدول اللاتينية احتواءً للعرب، وخاصة الفلسطينيين، تشيلي، حيث تضم نحو 600 ألف مهاجر من أصل عربي، منهم مئات الآلاف من الفلسطينيين. وعليه، فإن الوجود الفلسطيني في تشيلي يُعد التجمع الفلسطيني الأكبر في العالم خارج الأراضي الفلسطينية.

وتؤكد دراسات عديدة، من بينها دراسة لمؤسسة كونراد أديناور، أن تشيلي تضم أكبر عدد من الفلسطينيين خارج البلدان العربية.

يصعب تحديد عدد الفلسطينيين الذين هاجروا إلى تشيلي بدقة منذ وصولهم لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر وحتى وصول 117 لاجئًا فلسطينيًا في عام 2008، حيث استُقبلوا في قصر الرئاسة "لامونيدا". لكن التقديرات تشير إلى أن العدد يصل إلى نحو نصف مليون شخص.

عندما نشرت إحدى الصحف التشيلية كاريكاتيرًا حول قصف غزة عام 2014، كتب تسعة من رجال الأعمال من الجالية الفلسطينية رسالة تفيد بأن الجالية، التي قدّروا عددها حينذاك بـ 300 ألف، لا تفهم "المزاح" في مواجهة الموت في غزة.

كما قال نائل سلمان، عمدة بلدة بيت جالا الفلسطينية، خلال زيارته لتشيلي في عام 2013، إن هذا البلد اللاتيني يضم نحو 400 ألف فلسطيني تعود جذورهم إلى مدينته، أي أكثر من عدد سكان بيت جالا نفسها بـ 20 مرة.

وفي تشيلي، تبرز أسماء عديدة من أصول فلسطينية في مختلف المجالات، مثل السياسة والثقافة والتجارة والقضاء. كما يوجد نادي "باليستينو" الرياضي، الذي أسسه المهاجرون الفلسطينيون في عشرينيات القرن الماضي في أحد أرقى أحياء العاصمة سانتياغو. النادي يلعب في دوري الدرجة الأولى في تشيلي، ويرتدي لاعبوه ألوان الأحمر والأخضر والأسود، وهي ألوان العلم الفلسطيني.

ما الذي يفسر هذا الوجود الفلسطيني الكبير في تشيلي؟

كانت الهجرة من فلسطين وسوريا ولبنان قد بدأت إلى تشيلي خلال فترة سيطرة الدولة العثمانية على العديد من البلدان العربية، حيث اعتقد الكثيرون بوجود فرص أفضل في "العالم الجديد".

ومن هذا المنطلق، شقوا طريقهم إلى أوروبا ومنها إلى بوينس آيرس، ولكن بدلًا من البقاء في هذه المدينة ذات الطابع الأوروبي الغني، فضل العديد من الفلسطينيين عبور جبال الأنديز إلى تشيلي.

ويقول جاسم عبد ربه، حفيد مهاجر فلسطيني وصل في ثلاثينيات القرن الماضي، إنه بين عامي 1885 و1940 تراوح عدد العرب في تشيلي بين 8 آلاف و10 آلاف، نصفهم فلسطينيون، وذلك بحسب كتاب "العالم العربي وأمريكا اللاتينية".

ويقول البروفيسور إيغينيو شاهوان، من مركز الدراسات العربية في جامعة تشيلي: "كانت الظروف في تشيلي في ذلك الوقت أفضل لهؤلاء المهاجرين القادمين من فلسطين".

تفضيل الأوروبيين

كانت تشيلي في ذلك الوقت، مثل غيرها من دول أمريكا اللاتينية، تتطلع إلى المهاجرين لتعزيز اقتصادها. ومع أن النخبة في ذلك البلد كانت تفضل الأوروبيين، الذين كانوا يُمنحون الحقوق والأراضي، إلا أن الفلسطينيين راهنوا على تشيلي.

لم يحصل القادمون من الشرق الأوسط على أي فوائد، فاختاروا العمل في التجارة وصناعة النسيج، وهو الخيار الذي أدى إلى ازدهار الجالية لاحقًا.

بعد ذلك، بدأ المهاجرون يعملون في صناعة القطن والحرير، ليحل إنتاجهم محل الواردات الأوروبية.

ومع ظهور المنافسة الصينية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تحولت أعمال الجالية الفلسطينية إلى القطاعات المالية والعقارية والغذائية والزراعية ووسائل الإعلام.

من أبرز الأمثلة على نجاح الجالية الفلسطينية في تشيلي، عائلة سعيد الفلسطينية الأصل، التي تمتلك مؤسسة "باركي أريكو" المشغِّلة لمراكز تجارية في بيرو وتشيلي وكولومبيا. كما أن هناك بنك الاعتماد والاستثمار الذي أسسه خوان يعرور لولاس.

المسيحيون

مصدر الصورة

وقال شاهوان: "إن هناك عددًا كبيرًا من المسيحيين الفلسطينيين في تشيلي، الذين ترجع أصولهم إلى مدن بيت جالا وبيت لحم وبيت ساحور وبيت صفافا، وعدد هؤلاء في تشيلي يفوق عدد المسيحيين في فلسطين ذاتها."

في عام 1917، بنى الفلسطينيون كنيسة سان جورج في ضاحية ريكوليتا، وبذلك أصبحت الجالية تلتقي تجاريًا وثقافيًا في مكان واحد اشتهر بـ "باتروناتو".

وتبع ذلك قيام العديد من المؤسسات الفلسطينية مثل النادي الاجتماعي عام 1920، والصحف، والنادي الرياضي الذي يرتدي زيًا بألوان العلم الفلسطيني في دوري الدرجة الأولى في تشيلي.

وكان اتحاد كرة القدم في تشيلي قد منع لاعبي الفريق من ارتداء قميص وُصف بأنه "معاد لإسرائيل".

وكان فريق "باليستينو" قد كشف عن قميص يحمل الرقم واحد عليه شكل خريطة فلسطين قبل قيام إسرائيل، ما يوحي بأن الأراضي الفلسطينية وإسرائيل كيان واحد.

واعترضت الجالية اليهودية في تشيلي على القميص، واعتبرته إقرارًا بأن "إسرائيل ملك للفلسطينيين".

وتتألف ألوان القميص من الأحمر والأخضر والأسود، وهي ألوان العلم الفلسطيني.

ويقول دانيال جاد، وهو حفيد مهاجر من بيت جالا، إن وسط تشيلي يماثل إلى حد كبير المدن التي تركها أولئك المهاجرون الفلسطينيون، فقد أرادوا العيش في بيوت تشبه تلك التي تركوها على بعد 13 ألف كيلومتر.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا