لم تعد الجزيئات البلاستيكية الدقيقة مجرد ملوثات بيئية في الهواء والماء، بل باتت تتسلل إلى جسم الإنسان من كل اتجاه. فقد تمّ العثور عليها في الدم والدماغ وسوائل الجسم المختلفة، والآن تُظهر دراسة حديثة أنها قد تُحدث تآكلًا صامتًا في العظام.
فبحسب بحث نُشر مؤخرًا في مجلة Osteoporosis International، فإن هذه الجزيئات قد تُضعف العظام من خلال إعاقة قدرتها على تجديد الأنسجة الجديدة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات هشاشة العظام عالميًا.
يقول رودريغو بوينو دي أوليفيرا، الباحث في جامعة ولاية كامبيناس بالبرازيل والمؤلف المشارك للدراسة: “إن التأثير المحتمل للجزيئات البلاستيكية الدقيقة على العظام موضوع يستحق القلق والبحث الجاد، ولا يمكن اعتباره أمرًا بسيطًا.”
وتشير نتائج الدراسة إلى أن الميكروبلاستيك أصبح جزءًا لا مفر منه من أجسامنا. وقد سبق أن رُصد وجوده في نخاع العظام، ما أثار تساؤلات خطيرة حول كيفية تأثيره في العمليات الحيوية التي تُبقي العظام قوية ومتجددة.
ليست هذه المرة الأولى التي يُربط فيها الميكروبلاستيك بتدهور صحة الإنسان. فقد أشارت أبحاث سابقة إلى أن هذه الجزيئات قد تزيد خطر الإصابة بالاكتئاب والخرف، بل وأظهرت دراسة على الفئران أن التعرض المزمن لها يؤدي إلى ظهور أعراض تشبه ألزهايمر.
ويضيف أوليفيرا: “لقد ثبت أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة تُضعف حيوية الخلايا، وتُسرّع من شيخوختها، وتغيّر في وظائفها الأساسية، فضلًا عن تسببها بالالتهابات.”
راجع فريق البحث أكثر من 60 دراسة مخبرية وعلى الحيوانات تناولت تأثير الميكروبلاستيك على الأنسجة. وأظهرت النتائج أن هذه الجزيئات تحفّز تكوين خلايا ناقضة للعظم (osteoclasts)، وهي الخلايا المسؤولة عن تكسير الأنسجة العظمية القديمة لتجديدها.
لكن المشكلة تكمن في أن هذه الجزيئات تُخلّ بالتوازن الطبيعي بين الهدم والبناء، إذ تُضعف الخلايا المناعية وتُحدث اضطرابات في ميكروبيوم الأمعاء، مما يجعل ناقضات العظم تُدمّر أنسجة أكثر مما يُعاد بناؤه.
النتيجة: عظام أضعف، تشوهات، وكسور محتملة.
أخطر ما لاحظه الباحثون هو أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة أوقفت نمو الهيكل العظمي في الحيوانات التجريبية، وهو ما اعتبره أوليفيرا “مؤشرًا مقلقًا يجب التعامل معه بجدية”.
ترى مؤسسة هشاشة العظام الدولية أن معدلات المرض آخذة في الارتفاع بسبب الشيخوخة، إذ يُتوقع أن تصيب الكسور الناتجة عن هشاشة العظام امرأة من كل ثلاث، ورجلًا من كل خمسة فوق سن الخمسين. وتشير التقديرات إلى أن هذه النسبة قد ترتفع بنسبة 32% بحلول عام 2050.
ويعتقد الباحثون أن الميكروبلاستيك قد يكون أحد العوامل البيئية الخفية وراء هذا التزايد المقلق.
يخطط فريق أوليفيرا الآن لإجراء تجارب جديدة على عظام الفخذ لدى القوارض لقياس مدى تأثير الجزيئات البلاستيكية الدقيقة على قوة العظام فعليًا.
ويختتم الباحث حديثه قائلًا: “ما زلنا نعرف القليل عن تأثير هذه الجزيئات على أمراض العظام. هدفنا هو إثبات أن الميكروبلاستيك يمكن أن يكون عاملًا بيئيًا يمكن السيطرة عليه، يفسّر الزيادة المتوقعة في معدلات الكسور عالميًا.”