آخر الأخبار

مسلسل يفجر نقاشاً حادّاً حول الاستهلاك الرقمي وتأثيره

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

يسلط مسلسل "المراهقة" الضوء على تداعيات محتوى ضار عبر الإنترنت على المراهقين صورة من: Netflix/dpa/AP/picture alliance

أثار إصدار مسلسل نتفليكس "Adolescence" (المراهقة)، الذي يصوّر تداعيات تطرف الفتيان عبر الإنترنت على يد شخصيات معادية للنساء مثل أندرو تيت، نقاشاً واسعاً حول التأثير السلبي للأجهزة الذكية واستهلاكها لساعات طوال على عقول المراهقين. وما فجره هذا المسلسل من نقاش بلغ حتى الدوائر السياسية.

فلقد صرّح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأنه شاهد المسلسل وبأن حكومته بصدد دراسة كيفية معالجة "المشكلة الناشئة والمتنامية" والمتمثلة في تطرف الفتيان على الإنترنت . علاقة الاستهلاك الرقمي المكثف بالانحراف السلوكي والاضطرابات الصحية، كثيرا ما كانت تستند على مخاوف ونظريات ناجمة عن التجربة، أما اليوم فقد أصبحنا أمام دراسات تقدم أدلة علمية ملموسة عن هذا التأثير.

قوة الإنترنت المُفسدة

تشير الأبحاث إلى أن الاستخدام المفرط للشاشات مرتبط جزئياً على الأقل بارتفاع نسب الأمراض الصحية والجسدية والنفسية لدى المراهقين . ويخشى الخبراء من أن يتسبب الإنترنت في التأثير على أدمغة المراهقين؛ وقد أظهرت نتائج الدراسات ما يؤدي الاستخدام المفرط للشاشات من ضعف في التركيز ومن اضطرابات النوم لدى البالغين والمراهقين على حد سواء.

وتختلف البيانات بين الدول، لكن أكثر من نصف المراهقين في الولايات المتحدة يقضون حالياً ما معدله سبع ساعات يومياً أمام الشاشات. وفي أوروبا وأمريكا اللاتينية، يرتبط المراهقون بهواتفهم بنفس القدر تقريباً.

حسب ستيفن بوخوالد، وهو معالج نفسي في مركز مانهاتن للصحة النفسية في نيويورك، هناك "ارتفاع في عدد المرضى الصغار الذين يعانون من القلق ومشاكل تقدير الذات المرتبطة بالاستخدام المفرط للتكنولوجيا . وكثير من الآباء لا يدركون مدى تأثير العالم الرقمي على الصحة النفسية لأطفالهم".

إلى ذلك، ارتفعت حالات الاضطرابات النفسية بين المراهقين بنسبة 35% بين عامي 2016 و2023. والآن، يعاني أكثر من 20% من المراهقين الأمريكيين من حالة صحية نفسية أو سلوكية مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات في السلوك.

سيل من المعلومات المظللة

الأبحاث تشير أيضا إلى أن المعضلة لا تنحصر في عدد الساعات التي يقضيها المراهقون على الإنترنت، بل أيضا في نوعية المحتوى الذي يستهلكونه عند استخدام هاتفهم الجوال، وسط سيل من المعلومات المضللة، ومحتوى قد يكون معاديا للمرأة أو يعبر عن إيديولوجيات متطرفة كتلك التي يروج لها بطل المسلسل أندرو تيت. هذا الخطاب قد يؤثر على الفتيان والفتيات ويعزز قابليتهم لتقبل العنف وممارسته اجتماعيا وشخصيا.

تأخذ التطبيقات الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي غريزة التواصل وتحوّلها إلى سلوك إدماني. و الإدمان على الإباحية، و الألعاب ، ووسائل التواصل: جميعها آخذة في الارتفاع بين المراهقين.

وبفضل طبيعة الإنترنت القائمة على الخوارزميات، فعند تفاعل الطفل مع محتوى معين، يتم تقديم اقتراحات مماثلة النمط. وهذا يمكنه أن يؤدي إلى ما يسمى بـ"تأثير الحبة الحمراء" (Red Pill effect)، حيث يمتص المراهقون، دون وعي، سرديات متطرفة أو معادية للنساء إلى غير ذلك.

ويوضح بوخوالد بهذا الصدد أن "الكثير من الأطفال لا يبحثون عن المحتوى الخطير، بل يتم جذبهم إليه عبر الخوارزميات. مقطع بسيط عن اللياقة قد يؤدي إلى ثقافة الحميات المتطرفة؛ فيديو عن تطوير الذات قد ينزلق إلى خطابات الرجولة السامة"، ولهذا يشدد الخبير أنه "يجب على الآباء أن يكونوا على دراية بما يشاهده أطفالهم".

ليست الهواتف فقط هي السبب!

الاستخدام المفرط للهواتف الذكية ليست السبب الوحيد في تدهور الصحة الجسدية والنفسية لدى المراهقين، إذ تشدد نتائج دراسات متعددة على أن وقت الشاشة مرتبط بشكل كبير بوجود مرض واحد على الأقل، لكن هذا الاستهلاك عادة ما يكون مرتبطا في "العالم الحقيقي" بسلوكيات استهلاكية ونمط عيش لا تقل تأثيرا على صحة المراهقين، إذ أن ما يقرب من نصف المراهقين الأستراليين يعانون من مرض مزمن أو حالة نمائية مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) أو التوحد.

وحسب بريدي عثمان، الباحثة في التغذية بجامعة سيدني، فإن "من يستهلكون كميات أكبر من الأطعمة فائقة التصنيع، و الكحول، والتبغ، يعانون من صحة نفسية أسوأ. وهذا مرتبط بحالة واحدة على الأقل من بين عشرة" تمّ قياسها.



ما الحل؟

بعض الدول بدأت في اتخاذ خطوات قانونية لتقليل استخدام الهواتف الذكية. ففي يناير، وقّع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا قانوناً يحد من استخدام الهواتف الذكية في المدارس، متبعاً خطوات حكومات الصين وفرنسا وإيطاليا. كما فرضت أستراليا حظراً على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً، وهناك أصوات تطالب بتشريعات مماثلة في دول أخرى مثل ألمانيا .

لكن الخبراء يحذرون من أن ذلك لن يعالج جوهر المشكلة. فالبالغون بحاجة إلى المساعدة في بناء مناعة نفسية لدى المراهقين ضد مخاطر الإنترنت. وتؤكد خبيرة التغذية بريدي عثمان على أهمية إشراك المراهقين في وضع الحلول، بدلاً من اتخاذ قرارات بالنيابة عنهم. ولتحقيق ذلك، تعتبر العلاقة الجيدة بين الوالدين والأبناء والتواصل الفعّال مفتاحاً أساسياً.

يمكن للآباء المساهمة في خلق توازن صحي بين الحياة الرقمية والواقعية من خلال الوعي والمشاركة، ويقترح الخبير النفسي بوخوالد طرقاً عملية لذلك، من بينها:

- وضع حدود واضحة لاستخدام الشاشات.

- تشجيع الهوايات البديلة التي لا تتضمن الشاشات، مثل القراءة أو الرياضة أو الفنون.

- بدلاً من حظر التطبيقات، فتح نقاشات مع الأبناء حول المحتوى الذي يتابعونه.

- استخدام أدوات الرقابة الأبوية كتقنين وقت الشاشة وتصفية المحتوى مع تعزيز مفهوم الوعي الرقمي.

- إدراك أن عادات البالغين الرقمية تؤثر أيضا على أطفالهم.

الهدف وفق بوخوالد لا يكمن في "القضاء على الشاشات تماماً، بل في بناء علاقة سليمة مع التكنولوجيا". ويتابع بأن "الآباء الذين يشاركون أبناءهم الحوار، ويضعون الحدود، ويعلمونهم كيفية التعامل الواعي مع الإعلام، سيساعدونهم على التنقل في العالم الرقمي بأمان".

وبالإضافة إلى تنظيم وقت الشاشة، يدعو خبراء الصحة إلى برامج تعليمية تشرح أهمية التمارين الرياضية والتغذية الصحية التي تقلل من مخاطر الأمراض المزمنة.

DW المصدر: DW
شارك

حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار