في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الدكتور سيد جودة، شاعر وروائي مصري وباحث أكاديمي يعمل أستاذا في جامعة تشي لين للدراسات الثقافية في الصين، يحرص على نقل الهوية العربية إلى الآخر، وينشئ حوارات فعالة لتجسير الصلة بين الثقافة العربية وغيرها، يتوسل في ذلك بتقديم عدد من روائع الأدب الإنجليزي والصيني وغيرهما.
يعرّف نفسه شعرا بقوله:
بائع الياسمين أنا
في الصّباح أقوم مع الطّير
تحضن عيناي ضوء النهار
ويرتشف قلبي عطر الحياة
أرى خط نمل على الأرض
ألقي إليه بقطعة حلوى
وأترك كسرة خبزٍ
وحفنة أرزٍ
على درج الباب
رزقا لطير الصباح
وأمضي بلا جزع..
دائما…
التقته الجزيرة نت وكان لنا معه هذا الحوار.
دراستي وتخصصي في اللغة الصينية وآدابها، ومعاشرتي للشعب الصيني عن كثب، ومشاركتي في مختلف الفعاليات الثقافية سواء في الصين الشعبية أو هونغ كونغ أتاح لي فرصا عديدة للتعريف بالأدب والشعر العربي، ونقل روح الحضارة العربية والإسلامية للصينيين والغربيين على السواء.
هذه الأنشطة تعددت من مشاركة في مهرجانات شعر دولية إلى تنظيم صالون أدبي إلى تنظيم رحلات أدبية وفنية بين مصر وهونغ كونغ والصين، إلى دعوة شعراء صينيين إلى مصر وشعراء مصريين إلى الصين وهونغ كونغ، إلى نشر ما أقوم به من ترجمة، إلى تأسيس موقع ومجلة إلكترونية للشعر العربي والشعر المترجم إلخ.
كل هذه الأنشطة ساعدتني في القيام بدوري الذي أراده الله لي في مد جسور الثقافة بين الصين والبلاد العربية.
بالنسبة لأهم الأسماء الشعرية التي أنصح الشباب بقراءتها فإنني قمت بترجمة أهم الشعراء الصينيين في القرن العشرين وهذه الترجمة وإن لم تجد فرصة للنشر الورقي بعد إلا أنها متاحة على موقعي "الندوة العربية" وكل من ترجمتهم شعراء كبار يستحقون القراءة وإلا ما أنفقت من وقتي وجهدي لترجمتهم.
أذكر على سبيل المثال لا الحصر ليو بان نون، ليو دا باي، شوتشي مو، شي تشيه، بي داو، دوو دوو، وغيرهم من الشعراء المهمين الموجودين على هذه الصفحة على موقعي ( https://www.arabicnadwah.com/chinesepoets.htm ).
أهمية قراءة هؤلاء الشعراء أنهم يمثلون مرحلة انتقال كتابة الشعر من الشكل الكلاسيكي إلى الشكل الحديث، ليس هذا فقط، بل استخدام اللغة نفسه تأثر بهم، فبهم حدثت النقلة من الكتابة باللغة الصينية الكلاسيكية إلى اللغة الحديثة المحكية وهي حركة أدبية تسمَّى بحركة 4 مايو كان من روادها كلٌّ من الشاعر خو شيه والشاعر جوو مو روه وغيرهما.
كلا الأدبين لهما تاريخ عريق وقديم ويشتركان في لغة عتيقة محملة بتراث وحضارة تمتد لآلاف السنين. هذا يجعل الترجمة من اللغة الصينية أو العربية صعبًا للغاية لأن الكلمة ذاتها محملة بتاريخ طويل من تراكمات ثقافية يصعب وضعها في مجرد مفردة واحدة في لغة أوروبية حديثة.
إسهاماتي الشخصية في هذا المجال لم تتمثل فقط في مشاركتي في مهرجانات الشعر الدولية وقراءتي لشعري الخاص فقط، بل تتمثل أيضا في تنظيمي لصالون أدبي شهري في هونغ كونغ باسم "الندوة العربية"، وهو صالون ثقافي لقراءة الشعر العربي بعد ترجمته للغة الإنجليزية، وكذلك قراءة أشعارنا الخاصة.
هذا الصالون نتج عنه نشاط كبير مني لترجمة الشعر العربي للغتين الإنجليزية والصينية وترجمة الشعر الإنجليزي والصيني إلى اللغة العربية، وقد تم نشر كل هذا في ثلاثة بساتين خاصة في جريدة أخبار الأدب التي كان يشرف عليها حينها الأستاذ جمال الغيطاني رحمه الله.
نتج عن هذا النشاط الأدبي تنظيمي لأنشطة ثقافية على مستوى أكبر فقمت بتنظيم رحلة مكونة من أحد عشر من الشعراء والفنانين إلى مصر عام 2005 وتنظيم أمسيتين شعريتين ومعرض فني في أتيليه القاهرة، تبع هذا أنشطة أخرى مثل دعوة الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي للمشاركة في مهرجان تشينغهاي للشعر عام 2007، وكذلك نظمت أمسية شعرية خاصة له في هونغ كونغ في نفس العام، وكذلك دعوة شعراء من الصين مثل بي داو وخان تزو رونغ والشاعر الأسترالي آلان جيفري للمشاركة في ملتقى القاهرة الأول والثاني الدولي للشعر، وإنشاء موقع للشعر بخمس لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية) ومؤخرا إطلاق مجلة إلكترونية موسمية للشعر المترجم من كل اللغات إلى اللغتين العربية والإنجليزية. هذا إلى جانب تأسيسي لدار نشر باسم "ندوة" نتج عنها نشر عدة دواوين شعرية باللغات العربية والإنجليزية والصينية لعدد من الشعراء في كل من مصر وهونغ كونغ.
كما ذكرت في السؤال السابق، كلتا اللغتين تتميزان بالعراقة والتاريخ، وهذا يجعل الترجمة بين اللغتين أمرًا ليس هينًا، خاصة ترجمة الشعر لأنَّ اللغتين العربية والصينية تتميزان بإيقاع مسموع وإيقاع الشعر في اللغتين لا يتجاوز الأذن المتمرسة على موسيقى الشعر.
وفي الحقيقة فإن أطروحتي التي نلت بها درجة الدكتوراه كانت بعنوان "عودة الأشكال القديمة في الشعر المعاصر"، وهي دراسة تناولت تطور الإيقاع الشعري في خمس شعريات مختلفة هي العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والألمانية مع عرض لتطور هذا الإيقاع حتى عصرنا الراهن وترجمة لبعض الأعمال وشرح للإيقاع في كل قصيدة.
الذي أدهشني هو مدى ثراء عَروض الشعر الصيني الكلاسيكي، فلن يكون في كلامي مبالغة إن قلت إن الشعر الصيني الكلاسيكي احتوى على بحور خاصة للشعر الحر بمفهومنا العصري، بل ونماذج لقصيدة النثر أيضا! دراستي لعَروض الشعر الصيني الكلاسيكي والحديث ساعدتني كثيرا على فهم إيقاع القصيدة الصينية الكلاسيكية والحديثة وكيف تعمل وكيف أحول هذا في ترجمتي لها للغة العربية.
وقد استخدمت أكثر من منهجية في الترجمة، في البداية استخدمت منهجية التكافؤ الديناميكي (dynamic equivalence) التي استخدمت فيها التفعيلة العربية في الترجمة بحيث كانت الترجمة في حد ذاتها قصيدة عربية متكاملة الأركان.
هذه المنهجية جعلتني أخون القصيدة الأصل أحيانا لأنه ليس من السهل الالتزام بالمعنى الحرفي مع الالتزام بعَروض الشعر العربي والقافية في ذات الوقت. فكنت أحيانا أتخلى عن الترجمة الحرفية والاكتفاء بالمعنى الكلي العام للبيت.
بعدها استخدمت منهجية التكافؤ الرسمي (formal equivalence) وهنا تخليت عن عَروض الشعر العربي حرصًا على نقل الترجمة بأكبر قدر ممكن من الأمانة وأقل قدر ممكن من الخيانة.
هذه المنهجية استخدمتها في ترجمتي لديوان تشي دي ما تشيا الذي نشرته دار ساقي وقدم له أدونيس، وقد شرفتُ بأن فازت ترجمتي لهذه الديوان بجائزة المكتبة الصينية الكلاسيكية وهي جائزة وطنية رفيعة المستوى. وكذلك استخدمت هذه المنهجية مؤخرا في ترجمتي لديوانين من الشعر الصيني نُشرا في القاهرة في أغسطس 2024 وقد حضر حفل التوقيع الشاعرة الصينية شياو شياو.
سؤال هام جدا. إقامتي في هونغ كونغ والصين جعلتني أتعرف على ثقافات أخرى مكنتني من عقد مقارنات بين هذه الثقافات المختلفة وبين ثقافتنا، ومكنتني من رؤية الثقافة العربية بشكل أفضل، فنحن نرى الأشياء بشكل أكمل وأوسع كلما ابتعدنا عنها.
في الحقيقة نحن لا نعرف أي شيء، صَغُرَ أو كَبُر، إلا من خلال المقارنة. حتى في لغتنا اليومية البسيطة، نحن لا نستطيع التفاهم إلا من خلال مقارنات يقوم بها العقل بشكل تلقائي كي يفهم بعضنا بعضًا.
أما كيف أرى الثقافة العربية اليوم فأنا أراها في مفترق طريق، وتواجه هجمة شرسة ممنهجة لمحوها وطمسها وتحويلها لشيء مسخ، فلا هي تحمل الهوية العربية تماما ولا الهوية الغربية تماما. هذه الحملة الشرسة تبدأ باللغة العربية التي تم تهميشها في التعليم وبالتالي في كل نواحي الحياة. مستوى اللغة تدهور بشكل غير مسبوق، ونستشعر هذا في لغة الحوار سواء بين الأفراد في الواقع أو لغة الحوار في الأفلام أو كلمات الأغنيات.
المعلم الذي كان رمزا نحترمه وقال فيه أمير الشعراء أحمد شوقي:
قفْ للمعلم وفِّهِ التبجيلا * كاد المعلمُ أن يكون رسولا
هذا المعلم أصبح مثارًا للسخرية والاستهزاء، وأصبح راتبه لا يكفيه سوى بضعة أيام، وأصبح مضطرا للاستعانة بالدروس الخصوصية، وبالتالي أصبح كأنه يعمل لدى الطالب، ومن هنا فقد كثيرا من هيبته ووقاره في نظر طلابه.
راتب المعلم في اليابان وهونغ كونغ من أعلى الرواتب، ولهذا تقدموا وحافظوا على أصالتهم وتراثهم مع مواكبتهم لعصرهم. وهنا آتي للنقطة التالية، ألا وهي ضرورة التمسك بتراثنا الديني والروحاني مع مواكبة عصرنا في تقدمه العلمي المادي.
وهي دعوة ليست بجديدة فقد نادى بها الأستاذ الدكتور زكي نجيب محمود من قبل بعد أن كان من أشد المناصرين لأخذ كل شيء من الغرب، ثم تبين له غير ذلك، وأن تراثنا يجب ألا نهمله خلف ظهورنا، وهي الدعوة التي لخصها في عبارة "الأصالة والمعاصرة".
احتياجنا لتمسكنا بتراثنا الديني والروحاني أشد ما يكون اليوم مع ظهور موجات غريبة على مجتمعنا تبيح الشذوذ الجسدي بعد أن أباحوا الشذوذ الفكري ومحاولة فرض هذا على مجتمعنا بشكل مستهجن يتمثل في ارتداء بعض النجوم لأقراط في آذانهم ولبسهم لتنورات وملابس نسائية بشكل يثير الاشمئزاز في النفوس السويَّة.
كل هذا جرس إنذار بالخطر المحدق بنا وبهويتنا، وإن لم ننتبه لما يُحاك لنا، وبما يدرسه أطفالنا في الحضانة والمدرسة فإن الفاجعة أفظع من أن أصيغها في عبارات لغوية.
أحاول من خلال قناتي على اليوتيوب تقديم ما أراه ثقافة عالمية راقية مع مراجعتها ونقدها من خلال ثقافتنا نحن، فلا يجب علينا تلقي كل ما نقرؤه دون تمحيص ونقد، ومرجعيتنا وثوابتنا هنا تختلف عن المتغيرات في المجتمع الغربي الذي لم يعد له مرجعية في عصر ما بعد الحداثة وضياع القيم الأسرية وتفشي الانحلال الأخلاقي.
المراجعات المطولة والتحليل المنهجي المفصل أحرص عليهما لأني أريد أن أقدم للمشاهد وجبة ثقافية دسمة يلمُّ فيها بأكبر قدر ممكن من الثقافة والمعرفة من خلال العمل الأدبي موضوع الحلقة.
جمهوري في الأساس هو الجمهور الحريص على الثقافة الجادة، ولهذا فهم قليلون ومحدودون، لكن حين يكون العمل الذي أقدمه مقرَّرًا على طلاب المدارس والجامعات يكون الإقبال على المشاهدات لا بأس به وتصلني أسئلة كثيرة تكون موضوعا لحلقات أخرى.
في النهاية، أعد كل ما أكتب وأقدم، هو إرثي الذي أتركه بعدي، ولا أريد أن أترك إرثا تافها، بل إرثا ثقافيا ومحتوى هادفا مفيدا، هذا ما أتمناه، وهذا ما أتمنى أن أوفَّق إليه.
من أهم القيم التي يتمسك بها الصينيون الكيان الأسري والقيم الأسرية. وكما هو الحال في البلدان العربية، تأتي الأسرة في المقام الأول، ومن الشائع جدا في الصين أن يقيم الآباء مع أبنائهم، فمن ناحية يرعى الأبناء آباءهم في كبرهم، ومن ناحية أخرى يرعى الجد والجدة الأحفاد ويساعدون في تربيتهم خاصة في حال انشغال الآباء في العمل.
هذا بالإضافة إلى التمسك بالعادات والتقاليد جنبًا إلى جنب مع مواكبة الحياة العصرية القائمة على استخدام التكنولوجيا في شتى مناحي الحياة، فلدى الصينيين فخرٌ كبيرٌ بأمجاد أجدادهم وبحضارتهم العريقة وتراثهم الأصيل، ويعلمون كل هذا للأجيال الشابة كي تبقى هويتهم حية في الوجدان.
بالنسبة للجيل زد، فهم يوازنون بشكل رائع بين الاستمتاع بوقتهم وبين العمل الدؤوب وتطوير الذات عن طريق الدراسة المستمرة والخبرات العملية. أتمنى أن أرى شبابنا بنفس الجدية في الدراسة والعمل، وأنا على ثقة من أنهم قادرون على ذلك، ولكن ينقصهم التوجيه من الدولة والمؤسسات كي ينهضوا بكفاءة القوى البشرية التي يمكن أن تحقق المعجزات.
تلك هي معاناة الكتاب والمفكرين في توضيح آرائهم والقيام برسالتهم، فقد تدَّعي بعض المنصات أنها منبر حر للجميع، لكن اتضح لنا بشكل لا يدع مجالا للشك أن تلك المنصات للأسف موجهة، ترى الحقائق بعين واحدة، ومن يغرد خارج السرب يتم معاقبته إما عن طريق فرض عقوبات قد تصل لعدة أشهر أو كما حدث معي.
فقد حذفوا العديد من الحلقات التي أدعم فيها القضية الفلسطينية وحذفوا قناة ووضعوا قناتين أخريين على قيد الإنذار الأخير تمهيدا لحذفهما نهائيا وهي في الأساس قنوات ثقافية تقدم الأدب العالمي ومن وقت لآخر كنت أتعرض لبعض الأحداث الجارية التي حركت ضمير العالم بأسْره وليس فقط العرب والمسلمين.
لكن للأسف لم يتقبل القائمون على منصات التواصل الاجتماعي مثل اليوتيوب والفيسبوك عرض الحقيقة المجردة للعالم العربي والغربي. غير أن هذا لم يوقفني عن الصدع بالحق مهما كانت الأثمان باهظة. بما في ذلك نشر المحتوى على مختلف المنصات، فإن أغْلِقَ بابٌ يمكننا أن نطرق أبوابًا أخرى للقيام بواجبنا الأخلاقي ولإيصال رسالتنا الإنسانية.
هذه النصيحة الغالية قالها الأستاذ العقاد رحمه الله للكتاب الشباب في اللقاء التليفزيوني الوحيد المسجل له. وأنا أراها نصيحة من ذهب، وأذكر نفسي بها دائمًا لأني في حاجة إليها ربما أكثر من المتابعين لي. فتقديم محاضرة مسجلة على اليوتيوب يستغرق وقتا طويلا جدا مني في التحضير والقراءة وكتابة النقاط الهامة والتسجيل والمراجعة قبل حفظها على الكمبيوتر ثم تحميلها على اليوتيوب.
كل هذا يستغرق أيامًا وأيامًا من الجهد. ولأن هذا النوع من المحتوى موجه لجمهور الثقافة الذي هو قليل في هذا الزمان الذي نعيشه، فإنني أحيانا كثيرة أتساءل ما إذا كان ما أفعله يستحق كل هذا الجهد وكل هذا الوقت.
وكثيرا ما تحدثني نفسي بأن أكتفي بهذا القدر وبأنني فعلت ما أستطيع فعله. لهذا أحب أن أذكر نفسي بنصيحة الأستاذ العقاد رحمه الله في كل حلقة أرفعها على اليوتيوب: ”فكّرْ في واجبك، كما تُفكّر في حقّكْ، واعملْ طلبًا للإتقان، لا طلبًا للشهرةِ والجزاء، ولا تنتظرْ من النّاس أكثرَ مما يحقُّ للنّاس أنْ ينتظروه منك“.
نعم، نحن نعيش في زمن الرواية، وقد يرجع هذا لعدة أسباب، منها أن الرواية سهلة القراءة خاصةً أن معظم ما يطرح في الأسواق الآن ينتمي للرواية الشعبية وليس للرواية الأدبية.
السبب الثاني هو تقلص دور الشعر مع تراجع دور اللغة ذاتها في تعليمنا وحياتنا، والترويج لأشكال كتابية تحسب على الشعر وهي ليست منه، مما جعل القارئ العربي ينفر من تلك النماذج التي لا تحرك فيه إحساسا ولا تخاطب فيه قضية يشعر بها.
من هنا حدثت قطيعة وفجوة بين القصيدة والقارئ وانزوى الشعر حسيرا في ركن بعيد من حياتنا، واحتلت الرواية مكانه للأسباب التي ذكرتها سابقا. لكن الشعر لن ينتهي وسيبقى مهما تضاءل دوره في الحياة. أما عن القصص التي أرشحها، فبعد قصص تشيخوف أرشح قراءة القصص القصيرة للفرنسي موباسون والأمريكي أو هنري لما تتمتع به من إيصال رسالة عميقة في أسلوب موجز، سهل، مبسط، وغالبا ما يكون هناك مفاجأة صادمة في نهاية القصة تهز القارئ وتجعله يتفاعل مع أحداث القصة.
بالنسبة لي فقد بدأت شاعرا ولي ثلاثة دواوين شعرية صدرتْ في مصر، وديوانان باللغتين العربية والإنجليزية صدرا في هونغ كونغ وديوان لكل أعمالي صدر في الصين باللغة الصينية. ثم بدأت كتابة الرواية باللغة الإنجليزية ولي حتى الآن ثلاث روايات صدرت جميعا في هونغ كونغ بدعم من مجلس رعاية الفنون.
أظن أنَّ من بين الأسباب التي جعلتني مقلًّا في كتابة الشعر مؤخرًا هو بالفعل تراجع دور الشعر في وجدان القارئ العربي، وما أكتبه لم أعد أنشره وأكتفي بأن أشاركه مع أقرب أصدقائي فقط. الشعر مثل طائر بجناحين، جناحه الأول هو كتابته، وجناحه الثاني هو قراءته. إن لم تجد القصيدة من يقرؤها ويقدرها تنزوي وتذبل كزهرةٍ لا تجد من يتعهدها بالرعاية.
هناك كتابان للكاتبين الأمريكيين كلينث بروكس (Cleanth Brooks) وروبرت بن وورن (Robert Penn Warren)، وقد لاقيا نجاحا كبيرا وإقبالا هائلا سواء على مستوى النقاد أو الجماهير القارئة. الكتابان هما "فهم القصة" (Understanding Fiction) و"فهم الشعر" (Understanding Poetry) هذا الكتابان أنصح بهما كمرجعين هامين لكل من يهمه دراسة القصة والشعر والكتابة عن وعي ودراية بالفن الذي يكتبه.
قد تُدْهش إن أخبرتك أني أشعر بالغربة حين أزور مصر أكثر من شعوري بالغربة وأنا أعيش في هونغ كونغ والصين! كلما زرت مصر تصدمني أشياء كثيرة منها تغير المفردات اللغوية المستخدمة وانحدارها لمستوى متدنٍّ للأسف.
أضف إلى هذا تدهور الأخلاقيات العامة بسبب تفشي البطالة والغلاء الفاحش للأسعار، مما جعل الناس تتصرف بأسلوب ربما ما كانت لتقوم به لو كانت في ظروف اجتماعية أفضل.
بالطبع، أحنّ إلى أهلي وأصدقائي ووجودي معهم يعني الكثير بالنسبة لي، فهي لحظات لا تقدر بثمن وهذه اللحظات هي ما أفتقده حقا. التقدم التكنولوجي هوَّن علينا كثيرا فأصبحنا على تواصل دائم مع أهلنا وأصدقائنا وقتما شئنا، وأصبحنا متابعين لما يحدث في بلادنا لحظةً بلحظةٍ سواء على المستوى السياسي أو المستوى الفني والاجتماعي.
على المستوى الشخصي، حياتي تكاد تكون في عزلة أقضيها بممارسة فن الرسم والقراءة وتقديم محاضرات على قناتي على اليوتيوب وأصبحت مقلًّا جدًّا في حضور الفعاليات الأدبية في السنوات الأخيرة. هونغ كونغ والصين بشكل عام مكان مثالي لمن يحب الرسم أيًّا كان نوع الرسم الذي يمارسه.
الطبيعة هنا ساحرة لمن يحب رسم الطبيعة، والأناس هنا ودودون ومحبون للحياة لمن يحب رسم البورتريه. والأهم من هذا كله أني أمارسه لما أرى له من أثر جميل على نفسي. هي محاولة لتجميل الحياة، وللقدرة على تحمل بشاعتها، وأيضا محاولة لإيصال رسالة وللدفاع عن القضية الفلسطينية أيضا.
نحن نترجم ولا نجد من ينشر، ومن يوافق على النشر يشترط تقاضي مبالغ مسبقة، ومن يوافق على النشر دون تقاضي مبالغ مالية يقدم الوعود ثم يختفي فجأة دون حتى الرد على الرسائل. مررت بكل هذا مع ناشرين مشهورين في مصر دون ذكر أسمائهم.
حتى إن الجانب الصيني يتكفل بتكاليف الطبع لعدم وجود ناشر يتكفل بالطباعة. بالنسبة لترجمة ونشر الأدب العربي فقد قمت بما أستطيعه في هذا الشأن فترجمت العديد من القصائد العربية ونُشِرتْ كلها في كبرى المجلات في هونغ كونغ وفي الصين.
هذا بالإضافة إلى تأسيسي لمجلة "ندوة" الإلكترونية الموسمية للشعر المترجم التي من خلالها ترجمت عشرات القصائد من العربية إلى الإنجليزية والصينية. لكن جهودي وحدها لا تكفي بالطبع، وأتمنى من المؤسسات الثقافية أن تدعم هذه الجهود، وكما تقوم الجهات الصينية بالتكفل بعملية النشر في البلاد العربية، لماذا لا تقوم المؤسسات الثقافية في بلادنا العربية بفعل نفس الشيء وتتكفل بنشر الأدب العربي في الصين؟ جهودي وحدها لا تكفي.