آخر الأخبار

"طوفان كوكايين".. لماذا يتزايد تعاطي المخدرات في ألمانيا؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

كمية من الكوكايين تم ضبطها في هامبورغ (2024.02.01) وكانت مخبأة في صناديق الموزصورة من: Zollfahndungsamt Frankfurt/Main/dpa/picture alliance

عندما يقرع رئيس المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA) ناقوس الخطر، فيجب أخذه على محمل الجد. وهولغر مونش هو رئيس المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، الذي يعتبر الإدارة المركزية للشرطة الجنائية الألمانية، وقد حذَّر في حوار من انتشار المخدرات القوية في ألمانيا .

حيث يوجد " طوفان من الكوكايين " في سوق المخدرات، كما يقول: ينتشر هذا المخدر "بقوة كبيرة في ألمانيا" لأنَّ السوق في أمريكا الشمالية مشبعة وتجارة المخدرات "تُركِّز أكثر على أوروبا".

والكوكايين كان في السابق مخدرًا فاخرًا. ولكن يبدو أنَّ هذا صار يتغير. هذا المخدر يسبب الإدمان ويُصنع من نبات الكوكا، ويُباع على شكل مسحوق أبيض يتم استنشاقه عن طريق الأنف.

رئيس المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية هولغر مونش يحذر من انتشار الكوكايين في ألمانياصورة من: Kay Nietfeld/dpa/picture alliance

ولذلك أعرب مفوض الحكومة الألمانية الاتحادية لشؤون الإدمان والمخدرات، بوركارد بلينرت، عن قلقه. وردّ في رسالة خطية على استفسار من DW: "نحن نعيش في أوقات مضطربة يلجأ فيها الناس أيضًا بشكل متزايد إلى المخدرات. فعدد متعاطي الكوكايين تضاعف عما كان عليه قبل أعوام قليلة. وبهذا فإنَّ الكوكايين هو المخدر غير المشروع الأول في ألمانيا ".

وتثبت الأرقام صحة ما يقوله الخبيران. فقد تم ضبط 43 طنًا من الكوكايين في ألمانيا عام 2023، وهي كمية قياسية، تبلغ أكثر من ضعف الكمية المضبوطة في العام السابق. وكذلك تحدثت مصلحة الجمارك عن ارتفاع سريع في كميات الكوكايين المضبوطة - من 21549 كيلوغرامًا في عام 2021 إلى نحو 40 ألف كيلوغرام في عام 2023: الضعف تقريبًا.

تعاطي الهيروين ينخفض بسبب طالبان في أفغانستان

ويذكر رئيس المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية هولغر مونش أنَّ أحد أسباب زيادة انتشار الكوكايين يعود إلى تغيُّر سوق الهيروين "بسبب منع طالبان زراعة الأفيون في أفغانستان ". ومن خلال ذلك فقد حدث "نقص" في الهيروين.

والهيروين من المخدرات الأفيونية شبه الاصطناعية، والتي ترتبط كيميائيًا بالمورفين، الذي يستخدم في الطب. والمادة الخام لصناعة الهيروين غالبًا ما كان مصدرها من أفغانستان. فزراعة الخشخاش كانت تمثّل حتى عام 2022 ثلث إجمالي الإنتاج الزراعي في أفغانستان.

ومنذ أن منعت حركة طالبان زراعة الخشخاش في نيسان/أبريل 2022، انخفض إنتاج الأفيون بشكل كبير، بحسب معلومات الأمم المتحدة. وتتحدث لجنة الأمم المتحدة المسؤولة عن مكافحة الاتجار بالمخدرات عن انخفاض بنسبة 95 بالمائة. ولذلك فقد تراجعت كثيرًا في ألمانيا أهمية الأفيون والهيروين المنتج منه.

جاذبية المحظور - الكوكايين بدل الحشيش؟

لقد وافق الحكومة الاتحادية الأخيرة المؤلفة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي على تقنين جزئي للقنب. ومنذ نيسان/أبريل 2024، أصبحت زراعة القنب المحددة للاستخدام الشخصي مسموحة في نواد خاصة بزراعة القنب . كما يسمح للبالغين بحمل ما يصل إلى 25 غرامًا من القنب في الأماكن العامة.

تقنين جزئي لزراعة القنب وحيازته في ألمانياصورة من: Georg Wendt/dpa/picture alliance

وبهذا فإنَّ جاذبية المحظور قد اختفت، كما يفترض يورن ميمينغا من رابطة ضباط الشرطة الجنائية الألمان في حوار مع DW. ويقول: من الممكن أن يكون الكوكايين لم يعد اليوم "مخدرًا فاخرًا، بل لقد أصبح مخدرًا شعبيًا".

ويضاف إلى ذلك بحسب يورن ميمينغا أنَّ "تدخين الحشيش في الأماكن العامة أصبح ممكنًا الآن. ولذلك فإنَّ تعاطي الكوكايين قد يكون له جاذبية جديدة لتجربة شيء ممنوع. وبما أنَّ خط الكوكايين (جرعة) لم يعد سعره سوى خمسة يورو فقط، فقد أصبح في متناول الكثيرين أيضًا".

وغرام الكوكايين يتراوح سعره بالنسبة للمستهلك النهائي ما بين 50 إلى 80 يورو تقريبًا، ويمكن تقسيمه إلى نحو 15 جرعة. وهكذا يتحول ما يسمى بالخط إلى إثارة رخيصة الثمن وتكلف نحو خمسة يورو فقط، أي ما يعادل سعر كأس من النبيذ في بار.

الموانئ مراكز لتهريب الكوكايين

تمكن المحققون الألمان في عام 2023 من توجيه أكبر ضربة حتى الآن ضد تجارة الكوكايين في ألمانيا. فقد ضبطوا في ميناء هامبورغ 35.5 طنًا من الكوكايين، تبلغ قيمة بيعها في الشارع نحو 2.6 مليار يورو.

لقد أصبحت منذ فترة طويلة موانئ بحر الشمال هامبورغ وروتردام (هولندا) وأنتويرب (بلجيكا) مراكز للتهريب. وتم ضبط كمية الكوكايين الكبيرة في هامبورغ بناء على معلومات من السلطات في كولومبيا، التي تزداد فيها باستمرار المساحات المستخدمة لزراعة الكوكايين.

الإكوادور مركز لتصدير المخدرات

بيد أنَّ السفن المحملة بالكوكايين غالبًا ما تأتي من ميناء مدينة غواياكيل في الإكوادور. هذا البلد الذي كان آمنًا في السابق أصبح خلال سنين قليلة مركزًا للاتجار الدولي بالمخدرات، وتحول في الوقت نفسه إلى واحد من أخطر البلدان في أمريكا اللاتينية، وقعت فيه خلال عام 2025 وحده 750 جريمة قتل.

وفي هذا الصدد قالت خبيرة الأمن كارلا ألفاريز من "معهد الدراسات العليا الوطنية" في كيتو لـDW: "الإكوادور تقع تمامًا بين أكبر منتج للكوكايين في العالم كولومبيا، وثاني وثالث منتجين عالميين بيرو وبوليفيا. وتُعدّ غواياكيل بمينائها وخدماتها اللوجستية وبنيتها التحتية مركزًا مثاليًا لترويج المخدرات. وبالإضافة إلى أنَّ منطقة الأمازون القريبة من الحدود مع بيرو هي بوابة ضخمة فيها القليل جدًا من نقاط تفتيش".

تعبئة ثمار الموز في الإكوادور - غالبًا ما يتم تهريب الكوكايين في الصناديقصورة من: David Diaz/dpa/picture-alliance

وتبحر كل أسبوع أكثر من ألفي حاوية من الإكوادور إلى أوروبا، وغالبًا ما يكون فيها كوكايين مخفيًا بين ثمار الموز. والإكوادور من أكبر مصدري الفواكه الاستوائية في العالم. ونقل "الذهب الأبيض" إلى المستهلكين الأوروبيين يحتاج باستمرار طرقًا جديدة وعددًا كبيرًا من العاملين وأفكارًا إبداعية، كما تقول كارلا ألفاريز.

"وأحيانًا تكون سفن الشحن في عرض البحر، ويتبعها مهربو المخدرات في زوارق سريعة لوضع الكوكايين على متنها. ويعمل في تهريب المخدرات عدد كبير جدًا من الأشخاص، بدءًا من السائقين من مناطق زراعة الكوكا وصولًا إلى الموظفين والمفتشين المرتشين، الذين يعملون في الميناء ويضعون الكوكايين في صناديق الموز".

عجز في مكافحة عصابات المخدرات؟

وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة فإنَّ منتجي المخدرات والتجار في أميركا اللاتينية يعتبرون خطر القبض عليهم في أوروبا قليلًا نسبيًا. وذلك لأنَّ الملاحقة الجناية لا تسير بشكل جيد كما في الولايات المتحدة الأمريكية.

وكثيرًا ما ينجح التجار - بحسب أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة - في رشوة موظفي الموانئ. وليس هذا فقط: ففي ألمانيا، يمثل منذ أسبوع مدع عام أمام محكمة الإقليمية في هانوفر بتهمه تسريبه نتائج التحقيقات طيلة سنين لعصابة مخدرات مقابل المال.

تقول كارلا ألفاريز: "ما دام الطلب من أوروبا مرتفعًا إلى هذا الحد فلن تتراجع تجارة المخدرات"صورة من: Privat

وكذلك قام في السنين الأخيرة سلطات مكافحة المخدرات البلجيكية والهولندية بزيادة أعداد أفرادها ومعداتها بشكل كبير. أما ألمانيا فهي متخلفة عن الركب فيما يتعلق بالمعدات الجمركية والشرطية. وفي هذه الأثناء يرتفع عدد وفيات المخدرات منذ سنين. فقد سجلت السلطات 2227 حالة وفاة في عام 2023.

وهذا يجعل مفوض شؤون الإدمان والمخدرات بوركارد بلينرت يشعر باليأس من مكافحة الاتجار بالمخدرات. ويقول: "لن نتغلب على هذه التحديات بالوسائل الشرطية والعقوبات وحدها. فهذا يحتاج إلى عمل مركز بين جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات في النظام: من الوقاية والمساعدة وحتى المكافحة الشديدة لجرائم المخدرات".

أعده للعربية: رائد الباش

DW المصدر: DW
شارك

حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار