خلال القرن السابع عشر، عاشت القارة الأوروبية على وقع حروب مدمرة وغير مسبوقة بتاريخها. فخلال حرب الثلاثين عاماً التي اندلعت في 1618، سقط ما لا يقل عن 5 ملايين قتيل، إما بسبب الحروب والمعارك أو بسبب الأمراض والأوبئة والمجاعات التي تسببت بها هذه الحرب خاصة بمناطق الدويلات الألمانية.
وقبل حرب الثلاثين عاماً، كانت أوروبا تعيش منذ 1568 على وقع حرب الثمانين عاماً التي اندلعت سنة 1568 لأسباب دينية وثقافية وسياسية واقتصادية.
لكن بحلول العام 1648، شهدت هاتان الحربان نهايتهما بوقت متزامن. ويعود الفضل في ذلك لاتفاقيات ويستفاليا (Westphalia).
فقد اندلعت حرب الثمانين عاماً بسبب خلاف بين الأراضي المنخفضة (هولندا حالياً) وإسبانيا. فعلى مدى سنوات، شهدت الأراضي المنخفضة، التي كانت تابعة لعائلة هابسبورغ الحاكمة بإسبانيا، ظهور إصلاحات دينية بروتستانتية. وفي المقابل، مثلت إسبانيا دولة كاثوليكية عارضت بشدة هذه الإصلاحات.
وخلال فترة حكم فيليب الثاني (Philip II)، لم تتردد إسبانيا في تضييق الخناق على أهالي الأراضي المنخفضة بسبب تخلي كثير منهم عن الكاثوليكية. من جهة ثانية، لم يتردد فيليب الثاني في ممارسة سياسة اقتصادية صارمة ضد الأراضي المنخفضة حيث عمد لفرض ضرائب مرتفعة على التجار ولجأ لتعيين الإسبان فقط بالمناصب الإدارية والمواقع الحساسة.
أمام هذا الوضع، لجأت الأراضي المنخفضة للتمرد ضد سلطة الإسبان معلنة بذلك بداية حرب الثمانين عاماً التي عرفت العديد من الهدنات وشهدت مساندة قوية من الإنجليز والفرنسيين للأراضي المنخفضة.
ثم في عام 1618، عرفت أوروبا اندلاع نزاع عسكري آخر في صلب الإمبراطورية الرومانية المقدسة. فمنذ عقود، انقسمت الإمبراطورية الرومانية المقدسة بين مناطق بروتستانتية وأخرى كاثوليكية. وعلى الرغم من توقيع سلام أوغسبورغ (Augsburg) عام 1555، لم تعرف الإمبراطورية الرومانية المقدسة الهدوء بسبب السياسات التي اعتمدتها عائلة هابسبورغ، التي حكمت حينها الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ضد البروتستانت.
وبدأت الحرب عندما تمرّد سكان بوهيميا (تشيكيا حالياً) على الإمبراطور فرديناند الثاني، وقاموا بإلقاء مبعوثيه من نوافذ قلعة براغ في حادثة عُرفت بـ"الإلقاء من النوافذ". وسرعان ما اتسع النزاع ليشمل فرنسا والدنمارك والسويد ضد الإمبراطورية الرومانية المقدسة، في ما عُرف لاحقاً بـحرب الثلاثين عاماً.
وقد استمرت هاتان الحربان لعقود بسبب رفض الكاثوليك والبروتستانت الالتقاء والجلوس على طاولة المفاوضات. لكن عام 1644، مال الجميع نحو السلم واتجهوا في البداية للالتقاء بمدينة مونستر (Münster) الألمانية، قبل أن يتحولوا فيما بعد سنة 1645 نحو أوسنابروك (Osnabrück) في ألمانيا أيضاً.
ثم في أواخر يناير عام 1648، تم توقيع أولى اتفاقيات ويستفاليا في مدينة مونستر. وقد أنهت هذه الاتفاقية حرب الثمانين عاماً بين الإسبان والأراضي المنخفضة. وبموجبها، اعترفت إسبانيا بسيادة الأراضي المنخفضة واستقلالها عن التاج الإسباني.
وفي نفس المدينة يوم 24 أكتوبر من العام نفسه، وقعت اتفاقية بين كل من فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة. وحسب هذه الاتفاقية، تخلت الإمبراطورية الرومانية المقدسة عن كامل حقوقها بالألزاس لصالح فرنسا. فضلاً عن ذلك، حصل الفرنسيون على مزيد من المكاسب بإيطاليا.
وبنفس اليوم أيضاً، تم الكشف عن توقيع اتفاقية أخرى بأوسنابروك بين كل من السويد والإمبراطورية الرومانية المقدسة. وبفضل هذه الاتفاقية، نالت السويد مزيداً من النفوذ بالدويلات الألمانية الشمالية. كما نصت هذه الاتفاقيات على ضمان حرية المعتقد في الإمبراطورية الرومانية المقدسة وأكدت على احترام السيادة الداخلية للدول الأخرى.