حين نتحدث اليوم عن المعهد العالي للفنون المسرحية أو المعهد العالي للسينما أو نقابة المهن التمثيلية في مصر، غالباً ما تتصدر المشهد أسماء النجوم وخريجي هذه المؤسسات العريقة.
لكن وراء هذا التاريخ صُنّاع حملوا على عاتقهم مهمة التأسيس في وقت لم يكن فيه الفن يحظى باعتراف كامل كمهنة تستحق الحماية.
فمن هم هؤلاء "المؤسسون المنسيون"؟
لاسيما أن تاريخ هذه المؤسسات الفنية لا يقتصر على المباني أو القرارات الرسمية، بل هو ثمرة نضال شخصيات آمنت بأن للفن رسالة تستحق الاعتراف والدعم. ورغم أنهم لا يحظون بالشهرة التي نالها من جاء بعدهم، فإن إرثهم باقٍ في كل مسرحية، وفيلم، وكل ممثل يمارس مهنته تحت مظلة نقابية.
وتعود بدايات المعهد العالي للفنون المسرحية إلى عام 1944، حين قررت وزارة المعارف العمومية إنشاء معهد متخصص لدراسة فنون المسرح. وكان الرائد المسرحي زكي طليمات هو صاحب الرؤية والجهد الأكبر في التأسيس، حيث طالب بأن يصبح المسرح علمًا يُدرس، مستفيدًا من خبرته ودراسته في فرنسا.
هكذا وُلد "معهد فن التمثيل" الذي تطور لاحقاً إلى "المعهد العالي للفنون المسرحية".
ورغم أن أجيالًا عديدة ارتبطت بالمعهد، فإن اسم طليمات لا يُذكر كثيرًا بصفته الأب المؤسس.
كذلك في الثلاثينيات والأربعينيات، بدأ الفنانون يبحثون عن كيان يحميهم ويمثلهم قانونيًا. فبرز اسم الفنان أحمد علام، الذي لعب دوراً مهماً في تأسيس "نقابة الممثلين"، وكان من أوائل من رفعوا شعار الدفاع عن حقوق الفنانين وضمان اعتراف الدولة بالمهنة.
إلى جانبه، كان للفنان الكبير يوسف وهبي وآخرين دور فاعل في الدفع نحو الاعتراف الرسمي بالنقابة، التي تطورت لاحقاً إلى "نقابة المهن التمثيلية" بعد أن انضمت إليها شعب أخرى مع مهنة التمثيل فشملت كل فنون الأداء، غير أن أسماء هؤلاء المؤسسين كثيراً ما غابت في ظل الأضواء المسلطة على النجوم.
وفي أواخر الخمسينيات، كان شغف السينما في مصر يتنامى بسرعة مذهلة، حتى أصبحت القاهرة هوليوود الشرق، لكن وسط هذا الوهج، ظهرت الحاجة إلى مؤسسة أكاديمية لتعليم تقنيات الإخراج والتصوير والكتابة. فلعب وزير الثقافة ثروت عكاشة دوراً حاسماً في تأسيس المعهد العالي للسينما عام 1957، مدفوعًا برؤيته الطموحة لجعل الثقافة والفنون جزءاً من مشروع الدولة الحديثة..
أما أول عميد للمعهد فكان المخرج الرائد محمد كريم، الذي نقل خبراته في الإخراج والسينما المصرية الناشئة إلى جيل جديد من المبدعين. وهكذا، تضافرت جهود مسؤولين ومبدعين ليبصر المعهد النور، ذلك الفضل ظل يُنسب عادة فقط إلى خريجيه البارزين دون الإضاءة على دور المؤسسين.