رأى مراقبون أن السيطرة على منطقة التقاطع من قبل قوات “تأسيس” يعني قطع الطريق القومي بين مدينتي كادوقلي والدلنج الذي تمكن الجيش من إعادة فتحه في فبراير الماضي بعد معارك عنيفة خاضها ضد الحركة الشعبية–شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، التي كانت تسيطر على هذا الطريق الحيوي منذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
احتدمت المواجهات، أمس الثلاثاء، بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” في ولايتي شمال دارفور وجنوب كردفان، وسط إعلان كلا الطرفين سيطرتهما على مناطق في الولايتين، فبينما أكدت الأخيرة سيطرتها على منطقة التقاطع الواقعة في طريق الدلنج- كادوقلي بولاية جنوب كردفان، أعلن أفراد في القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة تمكنهم بمساندة الجيش من استعادة السيطرة على منطقة أمبرو التي تبعد 65 كيلومتراً شمال غربي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
بحسب بيان صادر عن قوات “الدعم السريع”، فإن قوات تحالف (تأسيس) بسطت سيطرتها الكاملة على منطقة التقاطع الاستراتيجية بجنوب كردفان. وعد ما حدث “خطوة مهمة ضمن الانفتاح العسكري وتأمين الخطوط المتقدمة، إضافة إلى كونه انتصاراً مهماً بتحرير أكبر المعسكرات من قبضة الجيش”.
وأشار البيان إلى أن تحرير هذه المنطقة الحيوية، الواقعة بين مدينتي كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان والدلنج ثاني أكبر مدن الولاية يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف استراتيجية في جنوب كردفان، مشيراً إلى استيلاء قوات التحالف على عدد من المركبات العسكرية والأسلحة والذخائر.
ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن السيطرة على منطقة التقاطع جاءت عقب هجوم واسع النطاق استخدمت فيه القوات المهاجمة الطائرات المسيرة.
وأكدت المصادر أن الهجوم نفذ في الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء، مدعوماً بغطاء من الطائرات المسيرة، مما مكن قوات “تأسيس” من إحكام سيطرتهما على المنطقة بعد معارك عنيفة مع القوات الموجودة في الموقع.
وبثت منصات تابعة لـ”الدعم السريع” مقاطع فيديو مصورة لعدد من أفرادها وهم يسيطرون على مركبات قتالية، فضلاً عن انتشارهم الكثيف في المنطقة، وسط دوي إطلاق نار مكثف.
ورأى مراقبون أن السيطرة على منطقة التقاطع من قبل قوات “تأسيس” يعني قطع الطريق القومي بين مدينتي كادوقلي والدلنج الذي تمكن الجيش من إعادة فتحه في فبراير (شباط) الماضي بعد معارك عنيفة خاضها ضد الحركة الشعبية–شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، التي كانت تسيطر على هذا الطريق الحيوي منذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023.
ويتخوف كثر في ظل تقدم قوات “تأسيس” عبر الطريق البري الرابط بين الدلنج وكادوقلي، من تكرار سيناريو الفاشر في كادوقلي، لا سيما مع بقاء عشرات الآلاف من المدنيين في المدينة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تعرضت المناطق الواقعة على طريقي كادوقلي والدلنج، وتحديداً بلدات السماسم والدشول والكرقل، لهجمات جوية نفذتها طائرات مسيرة تابعة لقوات “الدعم السريع”. واستهدفت تمركزات الجيش ومواقعه الدفاعية، مما أجبر الجزء الأكبر من القوات على الانسحاب إلى داخل مدينتي كادوقلي والدلنج.
وتسبب الحصار المفروض على المدن الرئيسة في جنوب كردفان منذ الأشهر الأولى للحرب في تفاقم الأزمة الإنسانية، إذ جرى تسجيل حالات مجاعة في مدينة الدلنج نتيجة ندرة الغذاء وانعدام المساعدات الإنسانية. في حين أدى التصعيد العسكري الأخير والهجمات الجوية التي تتعرض لها مدن الولاية إلى إجبار آلاف المواطنين على الفرار في موجات نزوح قاسية باتجاه شمال كردفان، وسط أوضاع إنسانية بالغة التعقيد.
في المقابل، أفادت مصادر عسكرية تمكن الجيش مسنوداً بالقوات المشتركة من استعادة منطقة أمبرو بولاية شمال دارفور من قبضة “الدعم السريع”.
وأشارت المصادر إلى أن هذه السيطرة جاءت عقب ضربات جوية دقيقة ومكثفة مهدت لتقدم بري منظم، مما أدى إلى تراجع قوات “الدعم السريع” من المنطقة المستهدفة، وتأمينها بالكامل.
فيما أكد القائد بالقوات المشتركة العميد يزيد رشاش، لـ”وسائل إعلام سودانية” أن قواتهم ألحقت بقوات “الدعم السريع” هزيمة كبيرة في منطقة أمبرو التي اجتاحتها في الأيام الماضية.
وأوضح أن هذه المنطقة كانت خالية من أي قوات مسلحة، وكانت مأهولة بسكان مدنيين عزل، ودخلتها “الدعم السريع” بقصد قتل وترويع أهلها ونهب ممتلكاتهم. مشيراً إلى أن قواتهم دمرت عدداً من المركبات القتالية مع عتادها الحربي، وقتلت عدداً من عناصرهم.
ونشر جنود من القوات المشتركة مقاطع فيديو تظهر سيطرتهم على منطقة أمبرو وتوعدهم قوات “الدعم السريع” بطردها من كافة المناطق بإقليم دارفور.
وتتهم قوات “الدعم السريع” بارتكاب مجازر وعمليات تصفية على أساس عرقي في إقليم دارفور، حيث تشهد المنطقة تصاعداً في العنف والانتهاكات الإنسانية.
في الأثناء، كشف مسح أجرته منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “اليونيسيف” عن مستوى غير مسبوق في سوء التغذية وسط أطفال منطقة أمبرو بشمال دارفور بلغ 53 في المئة.
وأشارت المنظمة في بيان إلى أن المسح الذي شمل 500 طفل أظهر أن 35 في المئة من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد، و18 في المئة من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم.
وأفاد البيان بأن معدل الوفيات الإجمالي في المنطقة وصل إلى مستويات طارئة، مما يؤكد الخطر المباشر والمميت الذي يواجه الأطفال، لافتاً إلى أن عديداً من سكان محلية أمبرو من الأسر النازحة التي فرت من الفاشر في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث لا يتلقى كثير من الأطفال تطعيمات ضد الحصبة أو أمراض أخرى يمكن الوقاية منها باللقاحات، مما يجعلهم أكثر عرضة للخطر.
وأظهرت بيانات المسح أن طفلاً واحداً من بين كل ثلاثة أطفال أصيب بالمرض خلال الأسبوعين السابقين، إذ تمثلت غالب الأعراض في الحمى والسعال والإسهال، مما يشير إلى محدودية شديدة في الوصول إلى الخدمات الصحية.
وأفادت “اليونيسيف” بأن شمال دارفور تمثل مركز أزمة سوء التغذية في السودان، حيث تلقى قرابة 85 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد العلاج من يناير (كانون الثاني) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) هذا العام.
وتخطط “اليونيسيف” لاستقطاب قرابة مليار دولار لمساعدة 13.8 مليون شخص، منهم 7.9 مليون طفل.
إلى ذلك أشارت الولايات المتحدة الأميركية، إلى أنها تشعر بالقلق إزاء دعوة قيادة الجيش السوداني للحسم العسكري للنزاع وفرض شروط مسبقة لأي هدنة.
وذكر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تومي بيغوت، على منصة “إكس” أن “عشرات الملايين من السودانيين يعانون جراء استمرار الصراع”، داعياً القادة العسكريين إلى السعي نحو مسار يقود إلى السلام، لا مواصلة النزاع.
وتابع، “تحقيق سلام دائم ومستقر يتطلب ترتيبات يتم التفاوض عليها، من شأنها أن تضع حداً فورياً لأعمال العنف، وتسهل وصول المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة، وتمهد الطريق نحو وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق حوار مدني شامل”.
وقدمت الحكومة السودانية خريطة طريق لإنهاء النزاع القائم تضمنت انسحاب “الدعم السريع” من المدن، ونزع سلاحه، وتجميع قواته في معسكرات محددة بجنوب دارفور وشرقه تمهيداً للدمج، ومساءلة العناصر التي ارتكبت جرائم، على أن يعقب ذلك إجراء حوار شامل بين القوى السياسية للتوافق على مستقبل الحكم.
وكان رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، أكد خلال زيارته إلى تركيا، أن حكومة بلاده لا تعول على مبادرة الآلية الرباعية، مشيراً إلى أنها طلبت من الولايات المتحدة والسعودية ومصر الدخول في حوار مع دولة الإمارات، التي قال إن لدى السودان أدلة على تورطها في إدارة الحرب.
اقتصادياً، أجاز مجلس الوزراء السوداني، في جلسته التي عقدها أمس الثلاثاء برئاسة رئيس الوزراء كامل إدريس، مشروع الموازنة الطارئة للدولة للعام المالي 2026.
وعد رئيس الوزراء الموازنة “معجزة تاريخية” في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، مشيداً بجهود وزارة المالية في ضبط الإنفاق، وحسن إدارة الموارد العامة، وزيادة الإيرادات رغم تحديات الحرب.
ونوه بأن من أبرز سمات الموازنة استهدافها تحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنحو تسعة في المئة، إلى جانب خفض متوسط معدل التضخم إلى 65 في المئة خلال عام 2026.
من جهته، أكد وزير المالية جبريل إبراهيم أن الموازنة الجديدة جاءت غير تقليدية، وتركز بصورة أساسية على حشد الموارد الذاتية للدولة وتوجيهها وفق أولويات واضحة، مع توسيع قاعدة الإيرادات عبر التوسع الأفقي من دون فرض أي أعباء أو زيادات ضريبية جديدة على المواطنين.
وأكد إبراهيم أن الموازنة تضمنت تحسين الأجور والمرتبات والمعاشات، إلى جانب توفير وظائف في مداخل الخدمة، والالتزام الكامل بسداد استحقاقات التأمين الصحي والمعاشات، مع التوسع في مظلة التأمين الصحي لاستيعاب مزيد من الأسر بالحزم العلاجية الأساسية والإضافية، والعمل على توطين العلاج بالداخل.
اندبندنت عربية
المصدر:
الراكوبة