تسعى قوات “الدعم السريع” إلى السيطرة على مدينة الأبيض التي تعد الشريان الرئيس لإمداد قوات الجيش في ولايتي شمال كردفان وجنوبها بعد سيطرة الأولى على مدينة بابنوسة آخر معاقل الجيش في غرب كردفان خلال الأيام الماضية.
في وقت شهدت فيه محاور القتال المختلفة بولايات كردفان الثلاث شمال وجنوب وغرب هدوءاً من ناحية المعارك البرية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، نشطت في المقابل حرب المسيرات بين الطرفين بصورة لافتة هذه الأيام. وهاجمت أمس السبت مسيرة تابعة لـ”الدعم السريع” مدخل مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، كما قصفت مسيرة معسكر لبعثة الأمم المتحدة بكادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، مما أسفر عن عدد من القتلى والمصابين.
في المقابل شن طيران الجيش غارات جوية عنيفة على مواقع تمركزات “الدعم السريع” في مناطق أم قرفة وأم سيالة وبارا في شمال كردفان أدت إلى تدمير عدد من المركبات القتالية للأخيرة.
وبحسب مصادر ميدانية فإن طائرة مسيرة تابعة لـ”الدعم السريع” استهدفت مركبة تجارية عند مدخل مدينة الأبيض، مما تسبب في مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين، إذ ظلت ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من جسم المركبة لساعات طوال وسط حالة من الهلع في صفوف المواطنين، بينما هرعت فرق الإسعاف لنقل المصابين إلى المستشفيات.
وتأتي هذه الهجمات في إطار التصعيد المستمر بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، إذ شهدت مدينة الأبيض التي يتخذها الجيش مكاناً لانطلاق عملياته العسكرية في إقليم كردفان، هجمات عدة مماثلة في الفترة الأخيرة.
وتسعى قوات “لدعم السريع” إلى السيطرة على المدينة التي تعد الشريان الرئيس لإمداد قوات الجيش في ولايتي شمال كردفان وجنوبها، بعد سيطرة الأولى على مدينة بابنوسة آخر معاقل الجيش في غرب كردفان خلال الأيام الماضية.
وأرجع مراقبون تكثيف “الدعم السريع” هجماتها على مدينة الأبيض بواسطة الطيران المسير إلى سعي الأخيرة لإرباك الوضع العسكري والإنساني داخل المدينة، بعد فشلها في تحقيق اختراق ميداني مباشر، لا سيما عقب التطورات الأخيرة في غرب كردفان.
ويأتي تكثيف الهجوم على مدينة الأبيض في ضوء دفع الطرفين بحشود وتعزيزات عسكرية ضخمة في أجزاء واسعة من الإقليم، مما يشير إلى أن الأوضاع العسكرية في المنطقة تتجه نحو مزيد من التصعيد.
هذه الأوضاع المتوترة أسهمت في موجة نزوح جديدة من مدينة الأبيض، حيث شوهدت عشرات الحافلات وهي تغادر المدينة متوجهة إلى وسط وشرق وشمال البلاد، محملة بآلاف المواطنين الفارين، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار تذاكر السفر، وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية.
في حين تسبب قصف شنته مسيرة على قاعدة تابعة لبعثة الأمم المتحدة الأمنية الموقتة لأبيي (يونيسيفا) بكادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان في مقتل ستة جنود وإصابة ستة آخرين.
ويعد هذا الهجوم الأول من نوعه الذي يطاول البعثة الأممية التي تنتشر في أبيي المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان، منذ بدء الحرب بين الطرفين في منتصف أبريل (نيسان) عام 2023.
وحملت الحكومة السودانية قوات “الدعم السريع” مسؤولية هذا الهجوم، إذ قال مجلس السيادة السوداني في بيان، إن “الهجوم يمثل خرقاً جسيماً للحماية المقررة للمنشآت الأممية وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، فضلاً عن أنه يعد تصعيداً خطراً وسلوكاً إجرامياً يرقى إلى عمل إرهابي منظم، ويكشف عن استخفاف متعمد بالقانون الدولي وتهديد مباشر لعمل البعثات الإنسانية والدولية”.
ودعا البيان الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف حازمة وإجراءات رادعة تكفل حماية المنشآت الأممية والعاملين في المجال الإنساني، ومحاسبة الجناة وفق القانون الدولي.
لكن في المقابل نفت قوات “الدعم السريع” بشدة ادعاءات قوات الجيش باستهدافها قاعدة بعثة حفظ السلام الأممية في كادوقلي، مؤكدة في بيان أن “هذه الادعاءات تعكس محاولة يائسة وبائسة لتلفيق اتهامات واهية بحق قواتنا، في مسعى مكشوف الأهداف”.
في ظل هذا المشهد المتوتر تتواصل موجات النزوح من مختلف مناطق النزاع في ولاية جنوب كردفان، إذ يفر الآلاف من مدينتي كادوقلي والدلنج بجنوب كردفان المحاصرتين من قبل قوات الحركة الشعبية- شمال وقوات “الدعم السريع”، مع تزايد المخاوف من اتساع رقعة المواجهات وتأثيرها في المدنيين.
من جهته صعد طيران الجيش غاراته الجوية باستهداف تجمعات “الدعم السريع” في مناطق أم قرفة وأم سيالة وبارا بشمال كردفان، مما أسفر عن تدمير عدد من المركبات القتالية والمعدات الثقيلة، وسقوط العشرات من عناصر الأخيرة.
تأتي هذه الضربات في إطار خطط الجيش لفتح الطريق القومي الذي يربط مدينة الأبيض في شمال كردفان بمدينة الدلنج في جنوب كردفان، وذلك من أجل إنشاء حلقة وصل استراتيجية بين الشمال والجنوب وتحسين الحركة بين الولايات، إذ يسهم فتح هذا الطريق في تعزيز التجارة وحركة المواطنين، فضلاً عن أنه يمثل خطوة مهمة نحو الاستقرار والأمن الإقليمي.
وتشهد مناطق واسعة من إقليم كردفان حشوداً عسكرية وتحركات ميدانية مكثفة للطرفين، في مؤشر واضح على أن مسرح العمليات يتجه نحو مزيد من التصعيد، وسط مخاوف من اتساع دائرة الاستهداف لتشمل البنية المدنية والمرافق الحيوية في هذا الإقليم المشتعل.
في الأثناء أشارت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إلى ارتفاع معدلات الوفيات وسط الأطفال والنساء الحوامل مع استمرار تفشي الأمراض في شمال كردفان وجنوبه.
وبحسب المتحدث الرسمي في اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، سيد محمد عبدالله فإن اللجنة رصدت معاناة أكثر من 350 ألف شخص من نقص حاد في الغذاء في مناطق بارا بولاية شمال كردفان، والدلنج وكادوقلي بولاية جنوب كردفان. وأشار إلى تسجيل أكثر من خمسة آلاف إصابة بالكوليرا في جنوب كردفان، تشمل أكثر من 1200 حالة في الدلنج، وأكثر من 900 في كادوقلي، فيما وصلت حالات الوفيات المرتبطة بالوباء إلى أكثر من 1500 وفاة.
وتوقع أن تكون حالات الإصابة والوفيات أكبر من ذلك بكثير بسبب عدم الوصول إلى المرافق الصحية، وانعدام الاتصال وشبكة الإنترنت، ونقص الكوادر الصحية، لافتاً إلى إن حالات الإصابة بحمى الضنك في جنوب كردفان بلغت 829 حالة.
وأدى انتقال مركز الصراع إلى كردفان في انقطاع طرق الإمداد وزيادة حركة النزوح وانتشار الأمراض، وسط تحذيرات من تفاقم الوضع في ظل استمرار المعارك.
إلى ذلك خرج آلاف السودانيين أمس السبت في مدن عدة بمعظم الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش في مواكب مؤيدة له استجابة لدعوة من اللجنة العليا للاستنفار والمقاومة الشعبية تحت مسمى وقفة الصمود لمساندة الجيش في حربه ضد قوات “الدعم السريع”، فضلاً عن استجابة العديدين خارج السودان للدعوة.
وردد المشاركون في المسيرات هتافات “جيش واحد… شعب واحد”، وأعلن بعضهم تفويض الجيش وقائده عبدالفتاح البرهان بإدارة شؤون البلاد، فيما ردد آخرون شعارات مناوئة لدولة الإمارات، مطالبين باستبعادها من الآلية الرباعية الدولية التي تعمل لحل الأزمة في السودان، وطالبت الوقفات كذلك بتصنيف قوات “الدعم السريع” كمنظمة إرهابية.
واستنكر المشاركون في هذه المسيرات ما سموه تجاهل العالم وعدم إدانته لما يحدث في السودان من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تورطت فيها “الدعم السريع” بالمناطق التي دخلتها أو هاجمتها، مطالبين بمحاسبة الدولة التي تمدها بالأسلحة والعتاد.
وشكر قائد الجيش عبدالفتاح البرهان جموع السودانيين الذين خرجوا في مسيرات داعمة للجيش، معلناً تعهده حماية المواطنين والحفاظ على الأمن والاستقرار، وقال في منشور على منصة “إكس”، “شكراً للشعب السوداني العظيم، ظللتم السند والظهير ومصدر القوة والثبات والفداء. قواتكم المسلحة ستبقى على عهدها ووعدها حصناً وأمناً ووفاء، ونصر من الله وفتح قريب”.
وحيَّا رئيس الوزراء كامل إدريس في خطاب بعد نهاية المسيرات جموع السودانيين الذين خرجوا في مسيرات لدعم الجيش تحت شعار “الاصطفاف الوطني خلف القوات المسلحة”، وأوضح إدريس أن جموع الشعب السوداني خرجت لتعلن للعالم موقفها الداعم للجيش والمندد بالتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي.
اندنبدنت عربية
المصدر:
الراكوبة