محررو الراكوبة
في بلادٍ تُحصي موتها أكثر مما تُحصي أيامها، يصبح سؤال “من يحكم؟” أقل قسوة من سؤال “هل سيبقى ما يُحكَم أصلًا؟”.
السودان لم يعد بلدًا تتنازع عليه جيوش وميليشيات فقط؛ إنه الآن ساحة مكشوفة أمام إعادة رسم كاملة لمستقبله السياسي.
ومن وسط ركام المدن وأشلاء الدولة، تتسرّب حقيقة واحدة وهي ان العالم قرر ألا يعود السودان إلى حكم العسكر… ولا إلى منظومة الإسلاميين التي حملت البلد إلى الهاوية.
هذه ليست قراءة سياسية باردة ، بل إنها خلاصة تحركات دولية متسارعة، ومعها تصريح مباشر من المبعوث الأمريكي مسعد بولس:
«لا دور لأعضاء النظام السابق أو الإسلاميين في مستقبل السودان. المرحلة القادمة يجب أن تُدار بواسطة سلطة مدنية وجيش واحد مهني قومي.»
ذلك ليس رأيًا ، إنه إعلان صريح عن نهاية مرحلة كاملة حكمت السودان لعقود.
المسار الدولي… من فولكر إلى بولس: رسالة واحدة لم تتغيّر
منذ سقوط البشير، تعاقب على الملف السوداني مبعوثون كُثُر: فولكر بيرتس، رامتان لعمامرة، آنِت فيبر، وأخيرًا مسعد بولس.
ورغم اختلاف المؤسسات والمنابر، ظل جوهر الرسالة كما هو:
وقف الحرب، بناء جيش مهني واحد، إقامة سلطة مدنية انتقالية، وإبعاد الإسلاميين من أي ترتيبات مقبلة.
فولكر قالها في مجلس الأمن:
«لا يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي مع بقاء الدولة مختطفة من قوى النظام القديم.»
ولعمامرة كررها في أول إحاطة له:
«لا بد من عملية سياسية تقودها سلطة مدنية دون تدخل من الجهات التي قادت السودان إلى هذا الوضع.»
وآنِت فيبر حذّرت الاتحاد الأوروبي قائلة:
«السودان لن ينهض إذا بقيت المنظومة الإسلاموية جزءًا من معادلة القوة.»
ثم جاء مسعد بولس ليضع الختم النهائي:
«الإخوان المسلمون والنظام السابق لن يكون لهم مكان في مستقبل الحكم. لا مفاوضات حول ذلك.»
بهذه اللغة الواضحة، يتحول السودان لأول مرة إلى ملف دولي تُرسَم خطوطه على أساس واحد:
لا عودة للتمكين…
ولا عودة لحكم العسكر…
ولا بقاء لمنظومة الإسلاميين التي استثمرت في الخراب.
الإخوان او (المؤتمر الوطني ) … الشريك الذي حاول الاختباء خلف البرهان
الحرب لم تُصنع بالسلاح وحده ، لذلك الإسلاميون إلى المشهد لأن البرهان أعاد هندسة الدولة بما يخدم شبكات “التمكين” التي ظلت تتخفى بعد سقوط البشير.
كانت الحرب بالنسبة لهم فرصة لاستعادة النفوذ، وتمديد الصراع، وإحياء خطاب “الحرب المقدسة” الذي طالما حمى سلطتهم.
لكن العالم الآن يرى المشهد بوضوح ، ولهذا تتجه الولايات المتحدة وأوروبا نحو تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية… خطوة تجعل استمرار نفوذهم في السودان شبه مستحيل، وتُعيد رسم الخريطة السياسية من جديد.
هذه ليست مجرد إجراءات أمنية؛
إنها إعادة ضبط كاملة لما يُسمح به وما يُستبعد في مستقبل الحكم.
اتساق الخط الدولي… وتكرار الرفض العسكري
كلما اقتربت المبادرات الدولية من جوهر الأزمة، كان رد العسكر واحدًا:
مهاجمة فولكر، ثم إجهاض الاتفاق الإطاري، ثم التشكيك في الاتحاد الأفريقي، ثم رفض خارطة الطريق الأمريكية، ثم الهجوم العلني على مسعد بولس.
البرهان وصف مبادرة بولس بأنها:
«أسوأ وثيقة قُدمت للسودان.»
لأنها ببساطة تنهي حكم العسكر، وتُخرج الإسلاميين من المشهد، وتضع السلطة في يد المدنيين.
وهكذا جاءت مقاومة المؤسسة العسكرية عنيفة ومتشابهة:
رفض… مماطلة… اتهام الوسطاء…
بينما السودان يتهاوى تحت أقدامهم.
القوى المدنية… هل تتوحّد أخيرًا؟
رغم أخطائها، تجد القوى المدنية نفسها أمام فرصة لم تتكرر منذ الثورة.
العالم كله يرفع الآن شعاراتها:
مدنية كاملة… جيش واحد… لا عودة للإخوان… ولا عسكر في السياسة.
هذه اللحظة، رغم قسوتها، هي أول مرة تتقاطع فيها خارطة الطريق الدولية مع أحلام السودانيين منذ ديسمبر 2018.
لكنها فرصة قد تضيع إذا لم تتجاوز القوى المدنية إرث الانقسام والجدل والصراعات الصغيرة التي قتلت الانتقال الأول.
هل يلتقط المدنيون اللحظة؟
لأول مرة، يبدو أن العالم فتح بابًا واضحًا للسودان:
سلطة مدنية، جيش واحد، وإقصاء كامل للإسلاميين من مستقبل الدولة.
السؤال الآن ليس: ماذا يريد المجتمع الدولي؟
السؤال الحقيقي هو هل ستلتقط القوى المدنية هذه اللحظة قبل أن تُغلق؟
فالمستقبل لا ينتظر…
والسودان لا يحتمل خسارة فرصة أخرى.
#الراكوبة
#الراكوبة_اخبار_السودان
تابعونا علي واتساب:
bit.ly/3HA6Uen
تابعونا علي فيسبوك:
bit.ly/45VmKrV
المصدر:
الراكوبة