آخر الأخبار

لغات سودانية تواجه الاندثار مع احتدام الحرب

شارك

ملخص

توجد في السودان نحو 400 قبيلة تنبثق منها أكثر من 500 لهجة محلية، وهي لهجات تراجعت أمام فوهات البنادق، مما دفع نشطاء إلى إطلاق مبادرات تستهدف إحياء هذه اللغات.

يكافح عدد من السودانيين والنشطاء من أجل منع نحو 70 لغة أو لهجة محلية من الاندثار، مع احتدام الحرب التي أفرزت تشتتاً داخلياً غير مسبوق بسبب التجاذبات السياسية في ظل الصراع بين قوات “الدعم السريع” والجيش السوداني.

وسلطت المجازر، التي شهدتها مدينة الفاشر الإستراتيجية بعد سقوطها بيد قوات “الدعم السريع” الضوء على السودان ومعاناة السكان الذين باتت أجسادهم مسرحاً لانتهاكات جسيمة، فيما يقود نزوحهم إلى تراجع في انتشار لغات كانت ذائعة الصيت.

وتوجد في السودان نحو 400 قبيلة تنبثق منها أكثر من 500 لهجة محلية، وهي لهجات تراجعت أمام فوهات البنادق، مما دفع نشطاء إلى إطلاق مبادرات تستهدف إحياء هذه اللغات.

لا اهتمام رسمياًويعاني السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 أي نحو ثلاثة أعوام من اقتتال داخلي زاد حدة خلال الأسابيع الماضية، وبلغ ذروته بسقوط الفاشر بيد “الدعم السريع” مما يضع كثيراً من المجالات أمام مفترق طرق وأهمها الثقافة السودانية التي تتجسد في التنوع اللغوي.

ومن بين أبرز اللغات المحلية في السودان نجد “الفور” و”الزغاوة” و”مساليت” وهي لغات تنتشر أكثر في إقليم دارفور الذي مزقته الصراعات طوال الأعوام الماضية، فيما تقر البلاد العربيةَ لغة رسمية.

الهجرة والنزوح يمثلان خطراً على اللغات المحلية (أ ف ب)

وقال المحاضر بجامعة الخرطوم، تامر محمد أحمد، إنه “لا يوجد اهتمام رسمي في السودان بالمحافظة على اللغات المحلية، بل أذهب إلى أبعد من ذلك بأن هناك أفكاراً تهدف إلى طمس هذه اللغات”.

وأوضح أحمد أن “هذه الأفكار أنتجت سياسات مثل إجبار الطلاب على الدراسة فقط باللغة العربية وهي توجهات تؤدي إلى طمس اللغات المحلية، ومن ثم تقع اللهجات ضحية مفهوم خاطئ للوحدة الوطنية”، ولفت إلى أن “الهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية زادت من تهميش اللغات المحلية على رغم أنها تمثل البعد الحضاري الخاص بأبناء السودان”.

خطر الانقراض

وعلى رغم صعوبة الأوضاع التي يئن تحت وطأتها السودان، فإن الجاليات السودانية في دول أجنبية سعت إلى إحياء اللغات المحلية من خلال المهرجانات والفعاليات الثقافية، واستخدمت في ذلك أيضاً تطبيقات حديثة مما يشي بوجود وعي بأهمية الحفاظ على هذه اللغات.

مدير تحرير صحيفة “التيار”، بهاء الدين عيسى، عد أن “السودان يزخر بكثير من اللغات المحلية التي تتفرع حسب المناطق، ففي دارفور على سبيل المثال نجد ’الفور‘ و’الزغاوة‘ و’المساليت‘، أما اللغة النوبية فتوجد في الشمال، بخاصة في مناطق النوبة، وفي الشرق نجد لغات ’البجا‘ و’التغرينية‘، وفي إقليم جبال النوبة نجد لغات النوبة”.

ويرى عيسى ضمن حديث خاص مع “اندبندنت عربية” أن “هذا التنوع جعل السودان واحداً من أكثر الدول في أفريقيا تنوعاً لغوياً، ويواجه بعض هذه اللغات خطر الانقراض نتيجة الحروب والهجرات”.

فقدان التراث الثقافي

وبحسب دراسات فإن نحو 90 في المئة من لغات السودان المحلية مهددة بالاندثار، على رغم نجاح لغات رئيسة في الحفاظ على انتشارها الواسع على غرار “الهوسا” التي يتحدث بها 6 ملايين سوداني.

يعتقد عيسى أن “اللغات المحلية في السودان تواجه بالفعل خطر الانقراض نتيجة الحروب وموجات الهجرة والنزوح القسري، ويقدر عدد هذه اللغات المهددة بأكثر من 70 لغة، معظمها تتحدث بها مجتمعات صغيرة في مناطق بعيدة، مثل اللغة البرتية في جنوب كردفان، التي فقدت كثيراً من متحدثيها بسبب النزاعات”، وتابع أن “من أبرز اللغات المهددة نجد النوبة في شمال السودان، التي تقلص استخدامها في الأجيال الجديدة، واللغات ’الزغاوية‘ و’المساليتية‘ في دارفور، حيث أدت الحرب والنزوح إلى ضعف نقلها بين الأجيال، وأيضاً لغات ’البجا‘ في الشرق، مثل ’البجاوية‘ و’التغرينية‘ التي تواجه ضغوطاً من اللغة العربية”.

وحذر المتحدث من أن “اندثار هذه اللغات يعني فقدان جزء كبير من التراث الثقافي والتاريخي للسودان، مطالباً بتعزيز جهود الحفظ والتعليم المجتمعي للحفاظ عليها ونقلها للأجيال القادمة”.

بسبب النزاعات، تقلصت المجتمعات القبلية الصغيرة (رويترز)

وشدد على أن “الحرب في السودان كان لها تأثير كبير في اللغات المحلية، ويمكن تلخيص الانعكاسات الرئيسة في ما يلي، أولاً دفع بعض المجتمعات إلى الهجرة أو النزوح، مما أدى إلى تراجع استخدام بعض اللغات المحلية، بخاصة تلك التي يتحدث بها عدد قليل من الناس، وبعض اللغات باتت مهددة بالانقراض لأن أجيالاً جديدة لم تعد تتعلمها، ثانياً، المدارس والأنشطة الثقافية غالباً ما توقفت في مناطق النزاع، مما قلل من فرص نقل اللغة للأبناء، كذلك فإن النزوح إلى المدن جعل اللغة العربية أكثر هيمنة على حساب اللغات المحلية”.

وأشار عيسى إلى أن “ثالثاً، بسبب النزاعات، تقلصت المجتمعات القبلية الصغيرة، ومن ثم انخفض عدد المتحدثين باللغات الأصلية، بينما ازدادت لهجات مبسطة أو مهجنة بين القادمين من مناطق مختلفة، أما النقطة الرابعة ففقدان الوثائق والمراجع اللغوية، فالحروب أدت أحياناً إلى فقدان السجلات والكتب التي توثق اللغات المحلية، مما صعب جهود الباحثين في حفظها ودراستها، باختصار، الحرب لم تؤثر فقط في حياة الناس وممتلكاتهم، بل كانت أيضاً سبباً مباشراً في تراجع مكانة بعض اللغات المحلية وتهديد استمرارها”.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا