جدد قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الجمعة، رفضه أي هدنة أو سلام مع قوات الدعم السريع، متجاهلا بذلك تفاقم الأزمة الإنسانية حيث بات أكثر من نصف سكان البلاد في حاجة إلى مساعدات.
وجاء موقف البرهان بعد تصريحات لمستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس، طالب فيها طرفي الصراع في السودان بالموافقة الفورية على الهدنة الإنسانية، حيث إن “السودانيون لم يعودوا يتحملون أكثر من ذلك.”
وقال البرهان في كلمة أمام حشد من المواطنين خلال زيارته لقرية السريحة، بولاية الجزيرة، وسط السودان، إن “أي أحد يأتي ليتوسط بيننا (الجيش والدعم السريع) نقول له: إذا لم يضع المتمردون السلاح أرضا ويجلسوا على الأرض، فلا كلام ولا سلام، ولن نقبل بهم في السودان، لا هم ولا من يقف معهم.”
وأردف: “سنمضي في هذا الطريق، إما أن نقضي عليهم أو نظل نقاتلهم حتى نسلم أرواحنا، لكن ليس لدينا هدنة معهم أو كلام أو سلام.”
السودانيون كانوا يأملون في أن يحدث الوضع المأساوي في الفاشر، “صدمة إيجابية” تعيد طرفي النزاع إلى طاولة التفاوض لإنهاء الحرب
ودعا الجيش السوداني لانضمام كل من يستطيع حمل السلاح للمشاركة في القتال ضد قوات الدعم السريع.
وطرحت الآلية الرباعية التي تضم كلا من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات في سبتمبر الماضي هدنة إنسانية لثلاثة أشهر يعقبها اتفاق لوقف إطلاق نار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأعلنت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي عن موافقتها على الهدنة، في المقابل صد الموقف الأخير للبرهان الباب أمام المبادرة.
ويقول مراقبون إن البرهان يتخذ من سقوط الفاشر على يد قوات الدعم السريع وما أعقبها من انتهاكات، ذريعة لرفض أي مبادرات للتسوية، مشيرين إلى أن قيادة الجيش بذلك تتخذ قرارا “انتحاريا”، وسط ترجيحات بتصاعد حدة المواجهات على المحاور الحالية لاسيما في إقليم كردفان، وسط السودان.
ورحبت الحكومة السودانية الموالية للجيش، مساء الجمعة، بقرار مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، الذي أدان “بشدة تصاعد العنف والفظائع” التي ارتكبت في مدينة الفاشر والقرى المحيطة بها بولاية شمال دارفور (غرب).
وفي 26 أكتوبر الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر وارتكب أفراد ينتمون إليها انتهاكات بحق المدنيين في المنطقة.
وقد أقر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في 29 من ذات الشهر، بحدوث “تجاوزات” من قواته في الفاشر، معلنا عن تشكيل لجان تحقيق.
وكان السودانيون يأملون في أن يحدث الوضع المأساوي في الفاشر، “صدمة إيجابية” تعيد طرفي النزاع إلى طاولة التفاوض لإنهاء الحرب، لكن موقف الجيش أتى خلافا لذلك.
وبدا أن الجيش وحلفاؤه يستغلون الوضع من أجل المضي في الحرب، دون الاهتمام بما سيخلفه ذلك من تداعيات إنسانية كارثية.
وقال البرهان: “منذ بداية هذا الحرب، كُلنا مصممون ألا تنتهي هذه الحرب إلا بنهاية هؤلاء المتمردين،” في إشارة إلى الدعم السريع.
البرهان يتخذ من سقوط الفاشر على يد قوات الدعم السريع وما أعقبها من انتهاكات، ذريعة لرفض أي مبادرات للتسوية
وأضاف قائد الجيش “السودانيون تأذوا من هؤلاء المتمردين، قتلوهم وعذبوهم ونهبوهم ونكلوا بهم، ولن ينالوا منا إلا ما يذيقهم العذاب.”
وشدد البرهان: “نطمئن أهلنا أن هؤلاء القتلة والمجرمين ليس لديهم مكان معنا في السودان، وحديثنا هو إذا كنت تريد السلام وتريد أن يذهب السودانيون معك في سلام، فاجمع هؤلاء المرتزقة في مكان واحد واجمع سلاحهم، بغير ذلك لن يتحدث أحد معهم.”
وأكد أن المعركة ضد قوات الدعم السريع، “لن تنتهي إذا لم يشارك الجميع فيها.”
وأردف: “لذلك يجب على كل شخص قادر على حمل السلاح أن يشارك في هذه المعركة، فهي لن تنتهي بتفاوض أو هدنة بل بالقضاء على التمرد.”
وفي 25 أكتوبر الماضي، قال مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، إن اللجنة الرباعية بحثت في واشنطن التوصل إلى “هدنة إنسانية عاجلة ووقف دائم لإطلاق النار” بالسودان، وشكلت لجنة مشتركة للتنسيق بشأن الأولويات العاجلة.
وحينها، أوضح بولس في إفادة رسمية، أن الأعضاء المجتمعين (بالرباعية) أكدوا التزامهم بالبيان الوزاري الصادر في 12 سبتمبر الماضي، والذي دعت خلاله “الرباعية” إلى هدنة إنسانية لـ3 أشهر، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى جميع مناطق السودان تمهيدا لوقف دائم لإطلاق النار.
يلي ذلك إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تُستكمل خلال 9 أشهر، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مدنية مستقلة تحظى بقاعدة واسعة من الشرعية والمساءلة.
وأمام موقف الجيش الرافض بشدة للهدنة يبقى السؤال حول ما سيكون رد الرباعية ولاسيما الولايات المتحدة، فهل ستتخلى عن جهودها للسلام في السودان، أم ستتخذ إجراءات للضغط على الجيش.
العرب
المصدر:
الراكوبة