آخر الأخبار

جيل ضائع في السودان… أطفال يحملون البنادق بدل الكُتب

شارك

إشراقة علي عبدالله  صحفية سودانية

ملخص

يرى مراقبون أن تجنيد الأطفال جريمة ضد الإنسانية تتنافى مع النصوص والمواثيق الدولية، مطالبين بعدم الزج بهم في أتون الحرب المستعرة في السودان التي أدت إلى قتل وتشريد ملايين، فضلاً عن حرمان نحو 17 مليون طفل من الدراسة لأكثر من عامين.

عقب سيطرة قوات “الدعم السريع” على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تجددت دعوات الجيش السوداني إلى حمل السلاح في ضوء خسارته آخر معقل له في هذا الإقليم، من خلال حملات الاستنفار الشعبي وتجهيز المعسكرات لتدريب المدنيين، لا سيما أن بعض الولايات تفاعلت مع هذه الدعوات، منها ولاية نهر النيل التي بدأت بالفعل في إنشاء هذه المعسكرات.

لكن اللافت في هذه العملية، هو ظهور أعداد كبيرة من الأطفال يلتحقون بالمعسكرات ويحملون السلاح استعداداً لخوض المعارك المشعلة بين طرفي الصراع، إذ تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لأطفال يحملون البنادق داخل معسكرات الاستنفار التي أقيمت خصيصاً لدعم الجيش.

في المقابل يرى مراقبون أن  تجنيد الأطفال جريمة ضد الإنسانية تتنافى مع النصوص والمواثيق الدولية، مطالبين بعدم الزج بهم في أتون الحرب المستعرة التي أدت إلى قتل وتشريد ملايين، فضلاً عن حرمان نحو 17 مليون طفل من الدراسة لأكثر من عامين.

في الأثناء نوهت منطمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” بخطورة تجنيد الأطفال الذين يبلغون دون سن 18 سنة، وذلك من خلال تجنيدهم من قوة أو جماعة مسلحة، والزج بهم في الحروب بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وتتزايد المخاوف في ظل وجود أكثر من 125 حركة مسلحة في البلاد تنشط في استقطاب الأطفال سواء طوعاً أم قسراً في مقابل المال للخروج من دائرة الفقر المدقع الذي انتشر بنسبة قياسية تخطى أكثر من 70 في المئة بين السودانيين، وذلك في محاولة لسد النقص في صفوفها التي تعاني حالات هرب وانشقاقات في أوساطها.

قالت الباحثة القانونية رحاب سعيد إن تجنيد الأطفال جريمة تحرمها المواثيق والنصوص الدولية كافة (اندبندنت عربية – حسن حامد)

حرمان جيل

تقول الاختصاصية الاجتماعية أحلام يوسف إن “الأطفال في السودان يعانون فراغاً كبيراً ناجماً من النزوح وإغلاق المدارس لأكثر من عامين، فضلاً عن الظروف الاقتصادية التي فرضت واقعاً معيشياً مزرياً، وحال من الفقر أدى إلى حرمان جيل بأكمله من حقه في التعليم، إلى جانب أن الحرب أسهمت في دمار وتخريب المؤسسات التعليمية”.

وأوضحت يوسف أن “الأطفال في ظل إحساسهم بالضائقة التي تعيشها أسرهم دفعتهم إلى الانضمام طوعاً للحركات المسلحة من أجل الحصول على المال كوسيلة للنجاة من الفقر المدقع، الذي أصبح منتشراً بين السودانيين”.

وأشارت إلى أن “الصراع الدائر في البلاد تسبب في أزمة حماية للأطفال ويعرضهم للعنف المتعمد والزج بهم في بيئة عدائية من خلال التجنيد، الذي أصبح سمة بارزة منذ اندلاع هذه الحرب، وتنادي به القوات المسلحة من خلال إقامة معسكرات الاستنفار وتجهيز المدنيين بما فيهم الأطفال لخوض المعارك، إذ يعتبر هذا السلوك جريمة تضع الأطفال في مواجهة عصابات منظمة تستهدفهم بخطر الخطف والتجنيد”.
ومضت الاختصاصية الاجتماعية في حديثها قائلة إن “تجنيد الأطفال يلعب دوراً كبيراً في اقتلاع الطفولة، وينشئ جيلاً مشوهاً نفسياً واجتماعياً مع ارتفاع معدلات العنف الأسري والجريمة والانتحار، لا سيما أن فقدان سنوات التعليم تسهم في تفشي الأمية، وبالتالي تهدد مستقبل البلاد”.

دوافع مادية

من جهة أخرى، يرى الباحث المجتمعي أيوب عبداللطيف أن “ظاهرة تجنيد الأطفال انتشرت منذ اندلاع الصراع المسلح في السودان، وكانت نتاجاً طبيعياً لتوقف الدراسة التي جعلت الأطفال خارج أسوار المدارس، فضلاً عن فقدان أولياء الأمور مصادر الدخل، وحال العوز الشديد بخاصة الأسر التي تعاني هشاشة اقتصادية، فتلجأ إلى الدفع لتجنيد أطفالها في صفوف الحركات المسلحة، إلى جانب توفير الحماية المجتمعية من الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها الأطراف المتصارعة”. وأضاف أيوب “هناك إغراءات مالية تقدمها التشكيلات المسلحة للأسر للموافقة على تجنيد أطفالها باعتبارها من أقوى الدوافع في عدم التردد، إلى جانب إغراءات أخرى من نواح وطنية، وفي كلتا الحالتين فإن تجنيد الأطفال جريمة تتنافى مع القوانيين الدولية التي تنص على حماية الطفل أثناء النزاعات، بدل إدراجهم في صفوف المقاتلين وتزويدهم بالأسلحة التي تفوق أحجامهم وطاقتهم”.

ولفت الباحث المجتمعي إلى أن “المجتمعات السودانية مهددة بخطر تجنيد الأطفال وتغيير الحقوق الطبيعية بأنماط العداء، إذ هناك صور متداولة على أوسع نطاق تظهر الأطفال الجنود وهم في حال تفاخر بممارسة القتل، إذ إن هذه الأفعال الشنيعة لا تليق ببداية تكوينهم الذهني، مما يترتب عليه أثاراً سلبية تظل تنمو معه حتى يصير مشوهاً ويصبح من الصعوبة أن تستفيد منه البلاد”.

آثار نفسية

في السياق، أوضح المعالج النفسي محمد المصطفى عبدالجواد أن “الأطفال الجنود معرضون لصدمات نفسية وبدنية بالغة الخطورة، إذ يعانون من خلال تجنيدهم الخوف والقلق والاكتئاب وعدم التوازن النفسي، بخاصة الذين أجبروا على التجنيد، إلى جانب النشاط البدني من خلال التدريب الشاق، ومن الممكن أن يعاني الطفل على المدى البعيد آثاراً صحية”.

وأردف عبدالجواد “مشاهد القتل تعتبر غير مألوفة للأطفال، مما يجعلهم عرضة لتعاطي المخدرات واتباع السلوك الإجرامي واللجوء للعنف في أوضاعهم الطبيعية، فضلاً عن أن ممارستهم الانتهاكات تسهم في أن يكون الطفل في حال ارتكاب مستمر لأبشع أنواع الجرائم كالعنف الجنسي والقتل”.

وأشار المعالج النفسي إلى أن “ وضع الأطفال في السودان كارثي، فالتجنيد المدروس للأطفال يحمل مؤشرات مؤكدة بتهديد مستقبل البلاد، إلى جانب أن عدم الالتزام بالقانون الدولي وغياب المساءلة وعجز المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية عن التدخل وإيجاد بدائل لتجنيد الأطفال وانخراطهم في العسكرية، حتماً سيجعل الظاهرة مستفحلة في ظل استمرار النزاعات”.

تقول الاختصاصية الاجتماعية أحلام يوسف إن الأطفال في السودان يعانون فراغاً كبيراً ناجماً من النزوح وإغلاق المدارس لأكثر من عامين (اندبندنت عربية – حسن حامد)

تنافي القوانين

في السياق نفسه قالت الباحثة القانونية رحاب سعيد إن “تجنيد الأطفال جريمة تحرمها المواثيق والنصوص الدولية كافة، باعتبارها فظائع حرب ترتكب في حق الإنسانية وانتهاك لحقوق الطفل”.

وواصلت سعيد أنه “وفقاً للقوانين الدولية التي تتعلق بالطفل واتفاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل واتفاقات جنيف الأربع لعام 1949، إلى جانب عدد كبير من المواثيق والمعاهدات والبروتوكولات التي صادق عليها السودان، فهو ملزم بعدم مشاركة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، ورفع الحد الأدنى لسن التجنيد، فضلاً عن القوانين المحلية التي جميعها تنص على حماية الطفل، وتعتبر تجنيد الأطفال إدانة واضحة”.

وأشارت سعيد إلى أنه “بالإمكان تصعيد الأمر ورفع الشكاوى إلى مكتب الأمين العام لحقوق الطفل في الأمم المتحدة أو عبر آلية مجلس حقوق الإنسان، لا سيما أن مقاطع الفيديو التي تظهر مشاركة الأطفال في هذه الحرب من الممكن أن تكون دليل إدانة لطرفي الصراع، لكنها تحتاج إلى مزيد من التوثيق مثل سماع أطفال مجندين أو شهادات لمواطنين في المناطق التي تمارس تجنيد الأطفال”.

وختمت حديثها مؤكدة أن “قانون الطفل السوداني لعام 2010 نص في المادتين 42 و43 منه على حظر استخدام الأطفال في الأعمال العسكرية وتجنيدهم، وضرورة التعامل بخصوصية مع الأطفال الذين جرى دمجهم أو تسريحهم، بخاصة الذين أصيبوا بإعاقة أثناء العمليات العسكرية، إذ يجب أن يتلقوا الرعاية النفسية والدعم الاجتماعي بدرجة عالية من الاهتمام.

اندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

الأكثر تداولا أمريكا اسرائيل فلسطين مصر

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا