آخر الأخبار

4 سودانيين نقلوا أحداث الفاشر للعالم فأصبحوا هم الخبر

شارك

كان مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عبدالمنعم أبو إدريس علي يتلقى يومياً رسائل من مصادره في مدينة الفاشر شمال دارفور غرب السودان، تتضمن عبارات مثل “31 قتيلاً” و”مدنيون يقتاتون على علف الحيوانات” و”إطلاق النار على من يحاولون الفرار” من المدينة التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع قبل أسبوعين، وكان المدنيون المحاصرون المصدر الرئيس لمعلومات الصحافة الفرنسية عن الفاشر على مدى 18 شهراً، فرضت خلالها قوات الدعم السريع حصاراً صارماً على المدينة، انتهى بإعلان السيطرة عليها في الـ 26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ومن بين المصادر المحلية التي اعتمدت عليها الوكالة الطبيبان عمر سلك وآدم إبراهيم إسماعيل، والشيخ موسى والناشط محمد عيسى، وقد قُتل الأربعة جميعاً جراء المعارك، وإلى حين مقتلهم فقد كان لهم دور محوري وإن ظل مجهولاً حفاظاً على سلامتهم، في تغطية الصحافة الفرنسية للحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

“كأنه ينتظر قدره”

أُلقي القبض على إسماعيل أثناء محاولته مغادرة الفاشر في الـ 26 من أكتوبر الماضي واحتجز ليوم كامل قبل أن يقتل برصاصة في اليوم التالي، ويقول أبو إدريس، الذي كان على تواصل مستمر معه، إن إسماعيل “لم يغادر الفاشر منذ أن حوصرت، كما لم يترك المستشفى ومرضاه”، وعلم بمقتله عبر بيان لنقابة الأطباء السودانيين بعد أيام من آخر مكالمة بينهما حين “كان صوته متعباً”، مضيفاً “كلما تحدثتَ إليه يودعك في نهاية المحادثة كأنه ينتظر قدره”.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي فقد أبو إدريس علي ثلاثة آخرين من مصادره المحلية في هجوم بطائرة مسيّرة على مسجد أودى بحياة 75 مدنياً، إذ كان يتحدث إلى مصادره كلما سمحت شبكة الاتصالات المقطوعة معظم الوقت، وكانت أصواتهم، كما يقول، “ترسم لي صورة الفاشر، وعبرها أسمع أنين الجرحى وأحزان وأوجاع من فقدوا أعزاءهم بفعل آلة الحرب التي تطحن المدينة”.

قبل اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023 كان الصحافيون يجوبون البلاد بحرية، ويستعيد أبو إدريس علي لقاءه الأول مع الشيخ موسى في الفاشر قبل أكثر من 20 عاماً قائلاً إنه “مع مرور الأعوام وشدة الحرب لم يتغير صوته الوقور الذي يرسم صورته وهو يجلس في راكوبته (مظلة يضعها السودانيون أمام منازلهم) بثوبه الأبيض الناصع وطاقيته، يحدثك عما يعانيه سكان المخيم من دون أن يشكو حاله أو حال أسرته”، في إشارة إلى مخيم أبو شوك الذي نزح إليه مئات آلاف المدنيين، ويضيف “دُفن عم موسى في الفاشر وكان حلمه أن يعود لقريته الواقعة بين الفاشر ونيالا ليزرع أرضه”.

“صورة أخرى للحزن”

لم يلتقِ أبو إدريس علي بالطبيب عمر سلك وجهاً لوجه، لكنه يقول “سيعطيك أرقام القتلى وهو يحاول أن يخفي رنة الحزن في صوته، كأنه يريد أن ينقل لك خبر موت عزيز عليك”، وكان سلك يمضي معظم وقته في علاج الجرحى من المستشفى بعدما أرسل عائلته خارج المدينة حفاظاً على سلامة أفرادها، وطوال فترة الحرب اُستهدفت المنشآت الصحية مراراً مما أدى إلى مقتل مئات الجرحى والمرضى وأفراد الطواقم الطبية، ويقول أبو إدريس إن سلك “لم يضجر أبداً من المكالمات الهاتفية، وكان يمكنك الوصول إليه في أي وقت على رغم انشغاله”.

ودانت “منظمة الصحة العالمية” نهاية أكتوبر الماضي مقتل 450 من المرضى والعاملين في المستشفى السعودي بالفاشر، محذرة من “انهيار النظام الصحي الهش بالفعل”.

أما الناشط محمد عيسى فكان يعبر الخطوط الأمامية يومياً لإيصال الطعام والماء والدواء للأسر المحاصرة داخل المدينة، ويتذكر المراسل أنه “في أقسى لحظات القصف يأتي صوته مؤكداً ‘كل خير إن شاء الله، أنا بعيد لكن يمكنني أن أذهب لأعرف ما يحدث’، عندما تسأله عن أحوال المدينة”، مضيفاً أن “آخر حديث بيننا كان يوم الـ 17 من سبتمبر الماضي”، قبل يومين من الهجوم الذي قُتل فيه عيسى عن عمر 28 سنة.

ومعظم ضحايا الهجوم بالطائرة المسيّرة الذي استهدف المسجد في حي الدرجة الأولى كانوا نازحين فروا من الموت في مخيم أبو شوك وأحياء أخرى بحثاً عن الأمان، كما يقول أبو إدريس علي، مضيفاً أن “مسيّرة تابعة لـ ‘الدعم السريع’ قالت لهم لا نجاة من الموت”، مضيفاً أن “الإنسان يتألم لموت آخر، ويزداد الوجع إن كان الميت مدنياً لا يحمل سلاحاً، أما إذا كنت تعرف أشخاصاً من هؤلاء عبر أصواتهم أو التقيتهم وجهاً لوجه، فتلك صورة أخرى للحزن”.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا