تقرير رندا عبد الله
منذ تسريب انباء عن موافقة قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة اشهر ، انقسم السودانيين بين مؤيد لها يرى فيها فرصة لوقف المعاناة ومعارض من معسكر الحرب يرفض اي تهدئة مع الخصم بينما يبدي آخرون تخوفاتهم من ان تكون الهدنة استراحة تمنح الطرفين فرصة لإعادة التموضع والتشوين والاستعداد لجولة جديدة من المعارك ،وفي المقابل يأمل الكثير من السودانيين خاصة النازحين واللاجئين في دول الجوار أن يشكل الحراك الدائر فرصة حقيقية لتحقيق السلام وتهيئة الأجواء للعودة الى الوطن واستعادة الامن والاستقرار .
وسرت انباء موافقة البرهان على لقاء حميدتي في منصات التواصل الاجتماعي خاصة فيس بوك سرت كما تسري النار في الهشيم حيث تحولت صفحات الفيس بوك إلى مباراة بين من يدعمون السلام ومن يدعون للتشفي مما يؤكد وجود حاجة ملحة الى نشر ثقافة السلام للقضاء على خطاب الكراهية الذي تفشى في المجتمع بسبب الحرب.
لذلك تواجه إمكانية تحقيق السلام في السودان العديد من التعقيدات والتحديات أبرزها وجود المعسكر الرافض للسلام وهم الإسلاميين الذين انخرطوا في القتال الى جانب القوات المسلحة ويسعون الى تنفيذ اجندتهم السياسية حتى يعودوا الى السلطة محمولين على الاعناق في حال انتصار الجيش والى جانبهم بعض الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.
وتبرز مخاوف منطقية من فشل الهدنة المرتقبة وما إذا كانت ستقود الى وقف دائم لإطلاق النار حيث بخشى الكثيرون من ان يكون مصير الهدنة المرتقبة اتفاقيتي جدة والمنامة اللتان لم تنفذا في ظل غياب الرؤية السياسية المشتركة لمرحلة بعد الحرب .
غير ان الكثير من المراقبين يراهنون على ان مساعي السلام التي تقودها دول الرباعية يصاحبها هذه المرة زخم ودعم دولي، كبير ربما يساعد على إنجاح المبادرة.
وبطبيعة الحال ربما يعزز من احتمالية نجاح الهدنة التي تمهد الى وقف دائم للحرب لانهاك الطرفين بسبب انخراطهما في القتال لأكثر من عامين وحاجتهما الملحة لالتقاط انفاسهما رغم وجود تخوفات من استغلال التوقف لاعادة الموضع والتسليح .
وأكد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وافقا على هدنة تمتد لثلاثة أشهر، استناداً إلى خطة المجموعة الرباعية التي تضم الإمارات والولايات المتحدة والسعودية ومصر، والمعلنة في الثاني عشر من سبتمبر الماضي.
وأوضح بولس، في تصريحات أدلى بها من القاهرة، الاثنين، أن مناقشات فنية ولوجستية جارية قبل التوقيع النهائي على الهدنة، مشيراً إلى أن ممثلي الطرفين موجودون في واشنطن منذ فترة لبحث تفاصيلها.
وأضاف أن مقترح الهدنة يمثل فرصة حقيقية لإنهاء الأزمة، مؤكداً أن الجيش والدعم السريع منخرطان في مناقشة ورقة قدمتها الولايات المتحدة بدعم من الرباعية، تهدف إلى تحقيق السلام، مشيراً إلى أن الصراع في السودان بات يشكل تهديداً للإقليم والعالم، خصوصاً لأمن البحر الأحمر.
وشدد بولس على أن الأولوية الآن للقضايا الإنسانية ووقف الحرب، لافتاً إلى أن خطة الرباعية حظيت بدعم واسع من الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، وكندا.
وتنص خطة الرباعية على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر للسماح بدخول المساعدات، وإطلاق عملية سياسية خلال تسعة أشهر، مع استبعاد عناصر تنظيم الإخوان من أي دور فيها.
وجاءت تصريحات بولس تزامناً مع تسريبات حول احتمال عقد لقاء وشيك بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في القاهرة، لبحث سبل إنهاء الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل 2023، وفقاً لما نشرته أماني الطويل، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية، على صفحتها في “فيسبوك”.
وقالت الطويل: “بعد تهديده.. حميدتي باجتياح مدن جديدة في السودان.. البرهان وحميدتي يلتقيان في القاهرة بعض التفاصيل لم تحسم بعد ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه المخاوف الدولية من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، بعد مقتل أكثر من 150 ألف شخص ونزوح نحو 15 مليوناً، فضلاً عن دمار واسع في البنية التحتية تُقدّر خسائره بمئات المليارات من الدولارات.
وتزايدت هذه المخاوف عقب سقوط مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، بيد قوات الدعم السريع في 26 أكتوبر، واتساع نطاق القتال في إقليم كردفان المجاور، رغم تأكيد حميدتي أن السيطرة على الفاشر “تدعم وحدة البلاد.
وقال المحلل السياسي مجدي عبد القيوم كنب ل(مداميك) لم يصدر أي بيان رسمي من اي جهة فهي مجرد تسريبات ولكن عموما اعتقد ان السيناريو الدولي لهذه الحرب بمعنى القتال قد وصل الي نهايته وستتحول الي ميدان الضغوط السياسية والاقتصادية وفي تقديري ان هذا هو جوهر أي حرب الموارد لذلك السلام مرتبط بشكل الصفقات التي يعرضها المجتمع الدولي ومدى مقبوليتها لدى السودانيين وهذا نفسه سيكون مثار صراع سياسي طويل).
ووصف المحلل السياسي عبد الله رزق اللقاء المرتقب بين البرهان وحميدتي بأنها خطوة صغيرة إلى الامام ، وقال رزق لمداميك (مجرد لقاء طرفي الحرب في واشنطن نهاية الشهر الماضي، تعني أن الحرب على وشك الانتهاء ، غض النظر عما قد تتمخض عنه الجولة الأولى . فالأكيد أن ثمة لقاءات أخرى على الطريق . فالموقف الإيجابي من التفاوض ومن اللقاء مع الطرف الثاني ، بما ينطوي عليه من تطور ملموس في رؤية القوات المسلحة لقضايا الحرب والسلام ، أزال عقبة مهمة في طريق إنهاء الحرب ، التي ظلت مشتعلة لأكثر من عامين . ورأى ان هذا التطور يسمح بالتفاؤل بإمكانية التقدم الحثيث على طريق السلام .
واردف يمكن النظر الى لقاء واشنطن ومخرجاته ، باعتباره نتاج معطيات كتلة الفاشر، واهمها ،تأكيد انسداد طريق الحسم العسكري ، وحتمية اللجوء للحل التفاوضي ، وانهيار عقيدة ( بل-بس) و ( لا للحرب= نعم للمليشيا) ، وغير ذلك من سرديات دعاة الحرب) .
واستدرك قائلا ( غير أن الانطلاق على طريق السلام لن يتحقق بدون صراع ، وبدون هزيمة المعسكر الداعي للحرب ، والاستمرار فيها ، بدون امل في حسم عسكري ، وبدون قدرات حقيقية ، للاستمرار في القتال ، أو الصمود غير النهائي في خنادقه ، كما اشرت كتلة الفاشر . إذ قد يقتضي معسكر قوى الحرب وقتا طويلا من أجل إعادة بناء القدرات ، وتوازن القوى مع الخصم على الأرض ، بناء ما دمرته الحرب ، لتكون قواه مؤهلة لاستعادة الفاشر وغيرها من مدن دارفور .
غير أن تجربة عامين ونصف العام من الحرب التي وصفها القائد العام للقوات المسلحة بالعبثية ، ترجح خلاصتها عدم العودة مرة أخرى لميدان القتال ، بعد أن انفتح الباب على خيار الجنوح للسلم ، الذي يتأكد جدواه ،في مقابل ما تمخض عن حرب العامين ونصف العام من دمار وخراب ، ونقص في الأموال والانفس والثمرات).
مداميك
المصدر:
الراكوبة