بدأت مناقشات غير رسمية في أروقة الأمم المتحدة حول تفعيل المادة (29) من القواعد الإجرائية، في خطوة قد تؤدي إلى تجميد مقعد السودان داخل الهيئة الدولية، وذلك في إطار تحرك تدعمه الولايات المتحدة للضغط على الخرطوم ودفعها نحو تشكيل حكومة مدنية.
وتنص المادة (29) من القواعد الإجرائية للجمعية العامة على حق لجنة الاعتماد في مراجعة تمثيل أي دولة عضو في حال نشوء نزاع حول شرعية الحكومة أو سلطتها في تمثيل البلاد، بما قد يؤدي إلى حرمانها مؤقتاً من ممارسة حقوقها في المنظمة الدولية لحين التوصل إلى تسوية سياسية داخلية. وقد استُخدمت هذه المادة في سوابق تاريخية لمراجعة مقاعد بعض الدول التي شهدت أزمات سياسية وانقلابات عسكرية.
وقالت مصادر دبلوماسية في واشنطن لـ”أفق جديد” إن هذا المسعى يمثل جزءاً من جهود واشنطن لاستخدام نفوذها داخل الأمم المتحدة كأداة ضغط سياسي على الحكومة السودانية الحالية. ويتزامن ذلك مع تقديم عضوين في الكونغرس مشروع قرار يُلزم وزير الخارجية الأمريكي بالتنسيق مع المندوب الدائم للولايات المتحدة في الأمم المتحدة من أجل تطبيق المادة (29)، بما قد يؤدي إلى تجريد السودان من تمثيله في الهيئات الدولية إلى حين حدوث تحول سياسي داخلي نحو حكومة مدنية أو ديمقراطية.
وأكد مصدر دبلوماسي آخر لـ”أفق جديد” أن التحرك الأمريكي يمثل سلاح ضغط سياسي بالدرجة الأولى، موضحاً أنه قد يتحول إلى قرار تنفيذي إذا حظي بتأييد لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس ومجلس الشيوخ. واعتبر المصدر أن مثل هذه الضغوط غالباً ما تكون أكثر تأثيراً من الأدوات العسكرية، لأنها تضع المجتمع الدولي في مواجهة مباشرة مع النظام المستهدف، مشيراً إلى أن الضغوط الدولية كانت عنصراً محورياً في تغيير أنظمة قمعية في التاريخ الحديث، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وفي هذا السياق، تذكّر مصادر دبلوماسية أن الأمم المتحدة سبق أن استخدمت إجراءات مشابهة في حالات أخرى، من بينها جنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري، حيث جُمِّد تمثيل بريتوريا داخل المنظمة في السبعينيات والثمانينيات تحت ضغط دولي متصاعد، وهو ما مهّد لاحقاً للانتقال إلى حكم الأغلبية السوداء. كما شهدت الأمم المتحدة جدلاً مماثلاً بشأن كمبوديا في ثمانينيات القرن الماضي، حينما أُثيرت مسألة شرعية تمثيل نظام الخمير الحمر بعد سقوطه، وكذلك في حالة أفغانستان عقب سيطرة طالبان الأولى على كابول عام 1996، حيث واجهت محاولاتها للاعتراف الدولي عراقيل مماثلة.
ومع ذلك، استبعد المصدر أن يجد المقترح دعماً واسعاً داخل لجنة الاعتماد بالأمم المتحدة التي ستنعقد في نوفمبر المقبل، لافتاً إلى أن اللجنة تأخذ في اعتبارها عادة مسألة “من يسيطر على عاصمة الدولة”، وهو معيار حال دون تمرير محاولات مماثلة في حالات سابقة.
وأشار إلى أن لوبيات نشطة داخل الكونغرس تسعى لاستغلال المناخ السياسي الذي فرضته الحرب في السودان من أجل تمرير القرار، ما قد يضاعف الضغوط الدولية على الحكومة السودانية.
ومن المقرر أن يتحدد مصير هذا التحرك في نوفمبر، حيث ستواصل الولايات المتحدة جهودها داخل المنظمة الأممية، وسط مراقبة دقيقة من الأطراف الدولية المتورطة في النزاع السوداني. ويأتي ذلك في وقت حرج بالنسبة للخرطوم، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية متزايدة، وسط دعوات متصاعدة لإحداث تغيير جذري في بنية الحكم.
أفق جديد